هل تنازلت القاهرة عن “خيوس” لليونان؟.. الحقائق التاريخية حول ملكيّة مصر لخامس أكبر جزر الإغريق

في الوقت الذي لم تنته في مصر أزمة نقل السيادة على جزر تيران وصنافير للسعودية، إندلعت في الأيام الأخيرة أزمة جديدة، حول حقيقة تنازل القاهرة عن جزيرة “خيوس”، وثار جدل بوسائل التواصل الاجتماعي حول حقيقة مليكة تلك الجزيرة، والذي تكشفه “هافينغتون بوست عربي”، عبر هذا التقرير.

 

بداية الأزمة

 

وترجع بداية الأزمة، إلى أربعة أيام تقريبا، وذلك عندما خرج الدكتور عاطف عثمان مدير عام إدارة الأوقاف والمحاسبة سابقًا، ليعلن أن مصر تمتلك العديد من الأوقاف في دول العالم، ومنها أوقاف بالحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية مازالت موجودة حتى الآن ولا أعلم أين تذهب عوائدها، ومنها قطعة أرض مساحتها 300 متر بمكة، وكذلك مصر تملك أراضي بجزيرة “تسيوس” في اليونان، وقصر محمد علي في “قولة” وعدد من الأوقاف خارج مصر.

وأكد عثمان في تصريحات صحفية، أن الجزيرة مساحتها 50 كيلومترا مربعا، وهى كانت هبة من السلطان العثماني لمحمد علي باشا وقد أوقفها فيما بعد للأعمال الخيرية، مشيرا إلى أن هناك إهدار لمئات الملايين في أوقاف مصر الموجودة باليونان، كما تملك مصر مَحمّل الركب الشريف في السعودية.

وعقب صدور تلك التصريحات، انتشرت العديد من الأخبار بالمواقع المصرية، تتحدث عن رفض السلطات اليونانية إعطاء مصر مبلغ مليون دولار كقيمة إيجارية لتلك الأوقاف بالجزيرة، وذلك عقب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر واليونان والقبرص، نتجت عنها تنازل مصر عن ملكية تلك الجزيرة.

لو الجزيرة مصرية

وعن الحقيقة التاريخية لتلك الجزيرة، وعلاقة مصر بها، قال الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث إن الاسم الحقيقي للجزيرة، هي “خيوس”، وهي جزيرة يونانية خالصة، ولا صحة لما يقال بأن الجزيرة مصرية.

وأكد الدسوقي في تصريحات خاصة لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن الوقائع التاريخية التي ربطت الجزيرة بمصر، ترجع إلى عام 1825، وذلك عندما صدر “فرمان” (قرار) من السلطان العثماني بمنح تلك الجزيرة إلى جانب جزيرة كريت إلى محمد على، مكافاة له على مساعدته في إخماد الثورة اليونانية، التي كانت تطالب باستقلال اليونان عن الحكم العثماني، حيث كانت تخضع له مع بعض من بلدان أوروبا الشرقية.

وذكر أن سيادة محمد علي على تلك الجزيرة، انتهت عام 1841، وذلك مع صدور فرمان آخر من السلطان العثماني، والذي حدد ولاية محمد علي في حدود مصر فقط، بعد اتفق مع عدد من دول أوروبا الكبرى في هذا الوقت، على تحجيم قوة محمد علي، وتهديده بالضرب العسكري، بعد أن تم تصنيفه، كقوة إقليمية تهدد التوازن الدولي المحدد في اتفاقية مؤتمر فينا عام 1815، والتي تم توقيعها بعد التخلص من نابليون بونابرت.

وتابع أستاذ التاريخ الحديث “وإذا اعتبر البعض أن تلك الجزيرة مصرية، بناء على وضعها أيام حكم محمد علي، فإنه تصبح مدينة جدة مصرية، بعد حصول محمد علي على باشويتها من السلطان العثماني عام 1818، إثر مساعدته له في القضاء على الحركة الوهابية بالسعودية، وكذلك تصبح اليمن أيضا ملكا لمصر، بعد أن قام محمد علي بوضع يده عليها في عام 1837، وكذلك عدد من دول الشام حاليا، والتي كانت تخضع لحكم محمد علي قبل التاريخ الأيرة بفترة وجيزة”.

اتفاقية اقتصادية

وعن حقيقة تلك الاتفاقية التي وقعتها السلطات المصرية، قال الدكتور سمير غطاس عضو مجلس النواب، إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الإقتصادية التي وقعتها مصر مع اليونان وقبرص، لم يتم عرضها على مجلس النواب، ولم تشملها القرارات بقوانين التي أقرها مجلس النواب في بداية انعقاده.

وأكد غطاس في تصريحات خاصة لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن المعلومات التي لديه عن الاتفاقية، أنها تختص بالحدود البحرية الإقتصادية بين الدول الثلاث، وذلك بعد الاكتشافات النفطية التي ظهرت في تلك المنطقة البحرية المشتركة بين البلاد الثلاثة.

وأشارا إلى أن تلك الإتفاقية لم ولن تدخل حيز التنفيذ إلا بموافقة مجلس النواب المصري بعد عرضها عليه، وفقا لنصوص الدستور المصري، والتي تلزم الحكومة المصرية عرض كافة الاتفاقيات الدولية على مجلس النواب، حتى وإن تم توقيعها في غيبته، فيجب أن تعرض عليه فور انعقاده.

الممتلكات أوقاف ملكية فقط

فيما أكد مصدر بهيئة الأوقاف المصرية، أن الهيئة بالفعل تمتلك العديد من الأوقاف في أكثر من دولة، ومن ضمنها أوقاف بجزيرة خيوس باليونان، وهي أوقاف مليكة فقط، لا ترتبط بسيادة الدول على تلك الأراضي، كون ما تملكه الهيئة هي ممتلكات عقارية، تم وقفها للأعمال الخيرية.

ورفض المصدر توضيح حقيقة القيمة الإيجارية الذي تم الحديث عنه، وتحصل عليه الوزارة من قبل الحكومة اليونانية، مؤكدا أن الوزارة سوف تصدر في وقت لاحق بيانا توضيحا، بكافة الحقائق في هذا الأمر.

فيما حاولت “هافينغتون بوست عربي”، التواصل مع رئيس هيئة الأوقاف المصرية، ومدير الهيئة، إلا أنهما لم يجيبا على محاولات الموقع التواصل مع هواتفهم الشخصية.

“خيوس” شاهد على التاريخ وقبلة للسياحة

“خيوس”، الجزيرة التي أثارت جدلا في الأونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كانت مثارا للجدل عبر تاريخها، وشهدت العديد من الحروب والثورات، وهي جزيرة يونانية في بحر إيجة، تعتبر خامس جزيرة في اليونان من حيث الحجم، وتبعد 7 كم عن الساحل التركي، ويقطنها 51,936 شخص، وتحتوي على العديد من المعالم السياحية سواء الإغريقية أو البيزنطية أو الإسلامية، أبرزها المتحف البيزنطي والمسجد العثماني القديم، وقلعة محمد علي.

كانت تسمى الجزيرة بصاقيز أثناء الحكم العثماني لها، ويعود تسمية اسم الجزيرة بـ”خيوس”، نسبة إلى اليونانية خيونا ابنة اينوبيون أول ملك أسطوري للجزيرة.

ويوجد في الجزيرة آثار تعود للعصر النيوليثي وخاصة حول بلدة إمبوريو، أما تاريخ مدينة خيوس فيعود لنهاية القرن السابع قبل الميلاد حيث كانت من أول المدن التي ضربت عملة خاصة بها، كان رمزها الخاص هو عبارة عن سفينكس.

بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، ازدادت أهمية المدينة وسكن فيها الكثير حتى أن عدد سكانها في ذلك الوقت كان يفوق بثلاثة أضعاف العدد الحالي، ازدهرت فيها الصناعة والتجارة وخاصة تجارة الخمور والجرار الفخارية التي وجدت في كل عالم البحر المتوسط وكان رمزها الخاص هو السفينكس. حافظت المدينة على امتيازاتها الاستقلالية حتى تحت حكم الرومان.

شهدت فترة غير مستقرة خلال القرون الوسطى، في البدء كانت جزءاً من الدولة البيزنطية، ولكن تنازعت عليها بعد الحملة الصليبية الرابعة الدول والقوى المختلفة بدءاً بالبندقية وجنوة ثم البيزنطيون، القراصنة الأتراك، والعديد من العائلات التجارية الأوروبية حتى العام 1566 عندما سيطر عليها العثمانيون.

نهاية حكم الأتراك

حكمت المدينة من قبل طبقة حاكمة تركية حتى عام 1822 عندما ثارت الجزيرة على الحكم التركي تحت قيادة ليكورغوس لوغوثيتيس، أمير ساموس، ولكن الأتراك ردوا على الثورة بعنف عندما أنزلوا أسطولهم في المدينة يوم 30 آذار/مارس 1822، واستبعدوا بعضا من سكانها.

بدأ السكان بالعودة للجزيرة بعد ذلك بعشر سنوات، ولكن خيوس ابتلت بكارثة عام 1881 بعد هزة أرضية قوية تدمرت على إثرها أغلب معالم مدينة خيوس القديمة.

انضمت المدينة لليونان عام 1912 على إثر استيلاء القوات اليونانية عليها وطرد العثمانيين منها خلال الحرب البلقانية الأولى.

تتميز شواطئ جزيرة تشيوس بمناظرها الساحرة، كما أن الهدوء الذي تتميز به شواطئها يضيف لها سحراً خاصاً ويجعلها قبلة لراغبي الاستجمام والهدوء، ولاتزال أسواق وشوارع الجزيرة تحتفظ بطرازها القديم، ما يجعل الجزيرة بمثابة متحف أثري مفتوح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى