قانون حلقات الناس

#قانون #حلقات #الناس

بقلم: م. أنس معابرة

هنالك الكثير من الناس من حولك في جميع مناحي حياتك ويشكلون من حولك دوائر تختلف في إتساعها وضيقها، فقد تجد أفراد أسرتك الصغيرة حولك في المنزل كدائرة صغيرة وضيقة، وأفراد أسرتك الكبيرة وعشيرتك في اللقاءات الاجتماعية والأفراح والأتراح في دائرة أوسع، وقد يتواجد حولك الكثير من الناس في مجال عملك أو دراستك، وغيرهم الكثير ممن تقضي من خلالهم مصالحك وإحتياجاتك وهي الدائرة الكبيرة الواسعة، وهنالك الأصدقاء الذين تجتمع بهم في لقاءات خاصة محدودة، وهؤلاء يشكلون حولك دائرة خاصة.

يجب عليك أن تدرك أن سر نجاحك في الحياة بشكل عام يكون من خلال التعامل مع كل هؤلاء الناس بنجاح، وذلك يتطلب معاملة خاصة لكل فئة منهم، تتناسب مع مدى قربهم منك وإطلاعهم على تفاصيل حياتك.

مقالات ذات صلة

ما دفعني لكتابة هذا القانون هو الخلط الدارج للكثير من الناس بين الزملاء والأصدقاء، فأطفالي مثلاً يطلقون مسمى الأصدقاء على جميع زملاءهم في المدرسة، وقد يقوم البعض منا بمعاملة غريب لم يتعرف عليه منذ مدة طويلة كما يعامل أهله وخاصته.

الأسرة والأهل والعشيرة لا يتم إعتبارهم والتعامل معهم ككتلة واحدة، فالأسرة التي تضم الزوجة والابناء يكون لهم إطلاع كبير على تفاصيل حياتك داخل البيت وخارجه بما يشمل تفاصيل عملك وطبيعته، ومقدار الدخل المادي للأسرة، والمصروفات الشهرية، وبالتالي يتم التعامل معهم بكل بساطة وأريحية، ودون تكلف ولجوء الى الرسمية في الآداء.

لا يمكنك بأي شكل من الأشكال إخفاء الأشياء التي تحبها عنهم، والأشياء التي تكرهها كذلك، أو غيرها من الأمور التي تدفعك للغضب، وتحتاج منهم الى فهم اسلوبك في الحياة حتى تستمر بينكم الحياة بسعادة ودون منغصات. هو ذاته الامر الذي تلاحظه بين الأزواج الذين مضى على زواجهم فترة طويلة، فالزوجة يمكنها أن تفهمك من نظرة عين، وكذلك الأبناء يكتفون بإشارة بسيطة لكي يدركوا ما ترمي اليه، دون الحاجة الى الإسهاب في الشرح مهما كان الحضور من حولك.

ينتظر هذا النوع من الناس منك الصدق والصراحة، فلا يمكنك كتم مشاعرك بداخلك وإخفاء بعض تفاصيل حياتك عنهم، ثم تنتظر منهم الفهم المباشر لما تصبو اليه، وبالتالي تكون منك المبادرة الأولى في الشرح والتوضيح لكافة أسس الحياة فيما بينكم ليتم إتباعها والسير عليها لتتحقق سعادة البيت كما تريد.

أما الأهل فهم الوالدين والإخوة والأخوات وعائلاتهم، فهم بحاجة الى معلومات اقل تفصيلاً من تلك التي حصل عليها أفراد الأسرة، فهم بحاجة الى معرفة رؤوس أقلام عن عملك، كأن تعمل طبيباً أو مدرساً حتى يتسنى لهم التعامل معك على درجة معينة من الثقافة والعلم، وهم بحاجة الى معرفة وضعك الاقتصادي بشكل عام، كأن تكون ميسوراً أو مكتفياً أو معوزاً، أما التفاصيل العاطفية وتفاصيل الحياة الأسرية فمن الأولى أن تبقى في البيت كلما ذهبت الى الاجتماع العائلي.

ولو دققنا النظر لوجدنا أن من أكثر أسباب الخلاف بين الزوجين عادةً هو إطلاع الأهل على تفاصيل الحياة الأسرية، كأن يطلع الزوج أمه وإخوته على وضعه الٌإقتصادي التفصيلي ومصاريف زوجته ليصفون زوجته في النهاية بالإسراف وعدم اللامبالاة، وتبدأ كرة ثلج الكره والحقد تنمو فيما بينهم، أو أن تشكو الزوجة لأمها وضع زوجها المالي وتقصيره داخل البيت، أو غيابه عن المنزل لفترات طويلة بسبب طبيعة عمله، ليتم النظر اليه بدونية من قبل أهل زوجته فيما بعد. وبالتالي كلما كان الحديث امام الأهل بشكل عام ودون التطرق الى التفاصيل، كلما كانت العلاقة بين أهلك وأفراد أسرتك قائمة على الود الإحترام المتبادل.

اما أفراد العشيرة فلا يهمهم أبداً أيٌّ من تلك التفاصيل التي يعرفها أفراد الأسرة والأهل، بل كل ما يهمهم هو معرفة وضعك الاجتماعي، ومكانتك في العشيرة، ليتم التعامل معك على درجة معينة من الإحترام المتبادل، فإذا كنت طبيباً سينادون عليك بلقب “دكتور”، ولا يجب أن تطلعهم على تفاصيل حياتك المادية أو إستثماراتك الاقتصادية حتى لا تنمو بينكم الأحقاد والضغائن. كما يجب أن يكونوا على معرفة تامة بتوجهاتك السياسية، وآراءك في القضايا التي تخص العشيرة والبلدة والوطن، من أجل اللجوء اليك فيما يخص ذلك من تطورات، كأن يتم التشاور معك فيما يخص الانتخابات المحلية، والخدمات التي تحتاجها البلدة، ويجب عليك بالمقابل أن تمدهم بخبرتك في هذا المجال، وأن تساعد في تقديم الخدمات ما إستطعت، من أجل الحفاظ على سمعتك وهيبتك ومكانتك الاجتماعية فيما بينهم.

يجب علينا أن نذكر أمراً هاماً هنا، وهو أن الأسرة والأهل والعشيرة يشتركون في مجموعة من المبادئ التي تعتبر أساسية ولا يمكن التخلي عنها، ومخالفتك لها قد يعرضك للإقصاء من دائرتهم، فعلى سبيل المثال لم يُعتبر كل من أبن سيدنا نوح عليه السلام وزوجته من أهله لأنهم رفضوا الدخول في دينه، وكذلك زوجة سيدنا لوط عليه السلام، وإمرأة فرعون، ونجد الكثير من الصحابة رضي الله عنهم وقفوا مقابل إخوانهم وآباءهم وأقاربهم في معركتي بدر وأحد، ولم يعتبر أحدهم الآخر من أهله لأنهم إختلفوا في الدين. ومن الأمثلة الحديثة ما تقوم به بعض الأسر والعشائر من التبرؤ من أحد أبناءها في حال إرتكابه لفعل مُشين كقتل نفس بغير حق، أو عند تغيير دينه، أو خيانته لوطنه وأمته.

أما الزملاء في مجالات العمل والدراسة، فهم نوع خاص ومهم من أولئك الناس الذين يجب التعامل معهم بنجاح من أجل الإستمرار في حياتك دون معوقات، وهم بطبيعة الحال لا يحتاجون الى تفاصيل حياتك الأسرية، أو ظروفك الاقتصادية، أو حتى أراءك السياسة، بقدر ما هم بحاجة الى معرفة خبرتك في العمل ليتم إستثمارها في تطوير بيئة العمل، وتحقيق تقدم ملموس في الخدمات التي تقدمها مؤسستك، وبالتالي زيادة الأرباح المجنية وما يترتب على ذلك من تحسن لدخلك. وهم بحاجة كذلك الى معرفة مكانتك الاجتماعية أيضاً، فبالإضافة الى كونك أحد موظفي المؤسسة فأنت ذو مكانة إجتماعية مرموقة في عشيرتك، وبالتي تمتلك نزعة القيادة التي من الممكن إستثمارها لتحسين ظروف العمل وزيادة الإنتاجية.

من المهم جداً أن تدرك أنك بحاجة الى تبادل بعض الظروف الشخصية مع رئيسك في العمل، وبقدر ما يحتاجه الموقف فقط، كان تتقدم بطلب إجازة بدون مرتب بسبب ظروف زوجتك الصحية، أو مرافقتك لعلاج أحد والديك، أو بسبب مرض أحد أبناءك، أو تقدمه لإمتحانات مهمة، بينما لا يحتاج الموقف الى ذكر خلافات زوجية، أو مشاكل عائلية، أو إستثمارات إقتصادية قد تشكل فيما بعد نقطة ضعف لك أمامه.

أما الأصدقاء؛ فهم تلك المجموعة من الأشخاص يتم إختيارهم من جميع الأوساط السابقة التي تم ذكرها بعناية، ويجب ان تتحقق فيهم مجموعة من الشروط لكي يطلق عليهم مسمى بهذا الحجم الكبير، وهم قلة قليلة من بين جميع الأسرة والأهل والعشرة والزملاء، ويستحسن ألا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة فقط.

يجب أن يكون بين الأصدقاء مجموعة من القواسم المشتركة، فلا تنجح الصداقة في الغالب بين شاب وفتاة، لان القواسم المشتركة غائبة بينهم، فبينما هو يحب متابعة مباريات كرة القدم والعاب البلايستيشن، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الأجنبية ذات الحركة والرعب، أو متابعة البورصات والأسواق العالمية، أو له العديد من الإهتمامات الحزبية والسياسية، تميل هي الى متابعة أحدث صيحات الموضة والمكياج والفساتين ومسلسلات الدراما والقصص الخيالية والرومانسية، أو نشاطات نسوية كحقوق المرأة والطفل، أو إهتمامات إجتماعية كالعمل التطوعي، وبالتالي عند جلوسهم مع بعضهم لا يلتفت أحدهم الى حديث الآخر لأنه لا يعنيه من قريب أو بعيد، وينتظر بفارغ الصبر أن تنتهي هذه الجلسة لينطلق الى متابعة هوياته الخاصة.

يتميز الأصدقاء بالصدق والصراحة، فأنت تتوقع منهم إنتقادقك إذا أخطئت دون نفاق أو رياء، والإشارة الى عيوبك لتقوم بتصحيحها ما إستطعت الى ذلك سبيلاً، كما تنتظر منهم المشورة الصحيحة الصادقة فيما يخص إستفساراتك عن مشاكل قد تعترض حياتك. أذكر صديقاً لي من أيام الدراسة، وخلال مرحلة الثانوية العامة وجدتُ مجموعة من الأسئلة الهامة في مجال الرياضيات، فتوجهت الى المكتبة وعملت نسخة منها، ثم توجهت الى منزله لكي أعطيه إياها، وكم كانت سعادتي كبيرة حين وجدته في طريقه الى منزلي لكي يعطيني نسخة من نفس الأسئلة، فعلى الرغم من التنافس الشديد فيما بيننا في التفوق في الثانوية، إلا أنه كان تنافساً شريفاً، وكان هو صديقاً مخلصاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

يشترط في الأصدقاء كذلك الطي والكتمان، فأنت قد تتبادل مهم تفاصيل مهمة عن جوانب مختلفة لحياتك من اجل المشورة والنصح، فيجب عليهم كتمان تلك الأسرار، وعدم تبادلها مع الأخرين، كما يجب عليهم ألا يستخدموا تلك الأسرار ضدك في حال وقوع خلاف فيما بينكم لاحقاً.

قد يفضل البعض إختيار الأصدقاء من محيط الأسرة أو الأهل أو العشيرة، وهو إختيار مناسب على الرغم من الحذر الكبير الذي يجب أن يشوبه، فمن المعروف للجميع بأن الأم هي صديقة ابنتها، والناصحة الأمينة لها، والتي ترجو لها الخير في جميع مجالات حياتها، وكذلك الأب الذي يُعتبر الصديق المفضل لإبنته الكبرى أو لأحد أبناءه. وقد يقع إختيارك على أحد إخوتك أو أخواتك لكي يكون صديقاً، فقط تأكد من ان جميع الشروط التي تم ذكرها سابقاً تنطبق عليه.

القانون بإختصار:

يجب عليك التمييز بين الناس في التعامل، فللأسرة تفاصيل يجب إطلاعهم عليها، وللأهل والعشيرة معلومات مجملة تلخص طبيعة عملك ووضعك الاقتصادي والإجتماعي والسياسي، وللزملاء معلومات تقنية وفنية تخص مجال الدراسة والعمل يتم تبادلها معهم، أما الأصدقاء الذين يجب عليك إختيارهم بعناية؛ تفاصيل كثيرة ومشاورات متنوعة في مختلف نواحي حياتك، وكلما كنت أثر دقة في إختيار أصدقاءك، كلما كانت خيبات الأمل التي تتعرض لها أقل، وإذا ما عاملت الناس على حسب الدائرة التي ينتمون اليها من المجموعات التي تم ذكرها، ستكون ناجحاً بشكل كبير في حياتك، وسيعجب الكثيرون ممن حولك بشخصيتك، وستمتلك تلك الكاريزما التي يسعى الكثير لها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى