هل تتحوّل “العملية العسكرية” و #سقوط #الدكتاتورية في سوريا إلى #ثورة_ناجحة؟
#محمود_أبو_هلال
استطاع الشعب السوري في ثورته العظيمة اسقاط أبشع نماذج الاستبداد العربي التابع، بعد 13 عاما وربما كانت امتدادا لمجازر حماة التي خلفت احتقانات معتقة في صدور السوريين.
تضحيات عظيمة قل نظيرها في الثورات الحديثة (أكثر من مليون شهيد، وحولي 13 مليونا من المهجرين والنازحين ومئات الآلاف من المعتقلين والمخطوفين).
مهمة الثورة السورية ليست سهلة فهي ثورة تجمع في حركتها المنتصرة بين المقاومة (مواجهة الاحتلالين الداخلي والخارجي) والمواطنة (تأسيس الحرية وبناء الديمقراطية).
التحولات العميقة التي يعرفها المشهد السوري لم تكن بمعزل عن أحوال عالمنا ونظامه العليل وما يفرز من توترات وردود أفعال كان من بينها طوفان الأقصى. وبفعل الطوفان وصمود المقاومة اهتزت أعتى السرديات في العالم، ومن آثاره الاستراتيجية كانت الفجوة في بلاد الشام فاجتمعت شروط استعادة الثورة والحرية في سورية والإعداد لدحر نظام دموي كان استمراره من أهم أسباب الفشل في اجتماع كلمة العرب وتخلفهم السياسي على مدى خمسة عقود.
سيدخل السوريون في مرحلة انتقاليّة صعبة. وتشير تجارب الانتقال القريبة إلى أن أخطر ما يمكن أن يتهددها هو هدم كل القديم والإسراع بإجراء انتخابات. فالانتخابات المبكرة غالبا ما تكون سببا قويا في الانقسام بين القوى الفاعلة. ويكون بناء مؤسسات صلبة بمشاركة واسعة تضمن بناء جماعيا متأنيا للبلاد وعيشا محترما وعدالة انتقالية وظيفية أولوية وخيارا إصلاحيا مطلوبا.
ورغم صعوبة التمييز بين الحزب والنظام والدولة في حكم البعث الدموي فإن للدولة والمجتمع المتعدد بامتياز شخصيات يمكن الإفادة منها ومؤسسات يمكن ترميمها وتطويرها، فالانطلاق من الفراغ قد يكون مستحيلا في سياق يغلب عليه التوتر والتحول والتجاذبات. إضافة للأخطار التي تهدد وحدة السوريين بتدخل الأجنبي إقليميا ودوليا. فالسوريون ليسوا منفصلين عن العالم ولكن انتصارهم التاريخي هذا يمنحهم فرصة التعامل مع كل الشركاء من منطلق مصلحة بلدهم. واستقلال قرارهم مشروط بنجاحهم في بناء حريتهم وصون وحدتهم.
منذ إسقاط الطاغية راح أتباعه يبشروننا في التجربة الليبية وأحيانا المصرية في مآلاتها.
في مصر كان من المستحيل أن تنجح ثورة لا ظهير لها إقليميا ودوليا أمام تحالف قوي مكون من قوتين كبيرتين قررتا وأدها بأي ثمن: الجيش المصري صاحب التاريخ الطويل من الهيمنة على السياسة والاقتصاد إلى حد أنه أصبح المالك الحصري لمقدرات الدولة والمجتمع في مصر.
والكيان الصهيوني ومن خلفهم أمريكا.. لذلك لم يستغرق القضاء على الثورة أكثر من سنتين.
في ليبيا أيضا كان من المستحيل أن تنجح ثورة. في ذلك الوقت لأن نجاحها واستقرارها يعني تمدد الربيع العربي لكل أفريقيا إضافة لكونها مجالا جغرافيا استثماريا عالميا لا يمكن التفريط فيه فضلا أنها مجتمع شبه أُمي بسبب سياسة التجهيل/التصحير التعليمي التي اعتمدها القذافي على مدى أربعين عاما، فكان من غير المتوقع أن تنجح نخبه في المناورة السياسية أمام أجندات إقليمية وعالمية تراهن على بقاء ليبيا مجالا اقتصاديا تابعا بالكامل لها.. وقد نقول مجازا، لم تكن هناك ثورة أصلا في ليبيا حتى تنجح.
في سوريا الشعب عرف السياسة وامتهنها ولديه عراقة علمية وهو مجتمع مثقف في عمومه. نخبه السياسية واسعة وعرفت كل تجارب الانقسام والحرب البينية بما يجعلها مؤهلة لعدم تكرار تجاربها.
حجم المآسي التي عاشها الشعب السوري في ظل نظام البعث والمخابرات الدموية والعائلة الفاسدة والدكتاتور الفرد وملايين القتلى والمشردين والمهجرين خلال السنوات الأخيرة يجعل السوريين أحرص على إبداع نموذج تاريخي للتعايش والتضامن والتآسي.
لكن العامل الأهم الذي قد يساعد في تحويل إسقاط النظام الاستبدادي لثورة ناجحة، هو العامل الخارجي وعلى الأخص العامل التركي.
التحرك الأخير للمعارضة بلا شك كان بدعم تركي فهل تبقى الإرادة تركية صلبة في المساعدة في بناء سوريا جديدة مستقرة توفر لتركيا الصاعدة جوارا إقليميا آمنا؟.
البوادر تقول نعم.. فأهم ما تسعى إليه تركيا هو تنسيقا تاما في الملف الكردي وهذا ما ستقدمه المعارضة وهو مصلحة مشتركة بين المعارضة وتركيا.
تركيا من جانبها ستقدم ثمنا لبعض الأطراف مثل روسيا المضطرة للانكفاء على نفسها بسبب النزيف الأوكراني، ولو إلى حين.
وبعضه ستقدمه لإيران المدفوعة هي أيضا إلى الانكفاء والتنازل عن مشروع “الهلال الإيراني” ومساعدتها على “الانسحاب الآمن” من المنطقة والعودة إلى مجالها القومي الأصلي بأقل الخسائر.
والله أعلم.