سواليف
ظلت شبكة الإنترنت لفترة طويلة قائمة على فكرة إلغاء الحدود والقيود، بحيث يمكن لأي شخص في أي مكان إرسال واستقبال أي مضمون، لكن دولاً حول العالم تحاول جاهدة بناء هياكل جديدة مختلفة المعايير في الفضاء الإلكتروني، ما يطرح تساؤلات حول بداية تفكك الإنترنت كما عرفناها دائماً.
روسيا والصين… تجارب بارزة
في الشهر الماضي، أقرت روسيا مشروعي قانون يفرضان خطوات تقنية وقانونية لعزل الإنترنت الروسي. سبقتها قبل ذلك الصين التي بنت سوراً عظيماً حول مواطنيها بشكل يعزلهم تماماً عن بقية الفضاء الرقمي العالمي، وطورت تطبيقاتها المستقلة عن المنافسين.
وبحسب ورقة تحليل نشرها موقع “بي بي سي”، فإن هناك عددا متزايدا من البلدان بات يرفض الإنترنت التي يسيطر عليها الغرب.
ومشاريع هذه الدول الراغبة في الانعزال مدعومة بالتطورات التكنولوجية والمخاوف العالمية حول ما إذا كان الإنترنت المفتوح فكرة جيدة. وتعمل بالقدرات الخاصة للدول وبناء التحالفات بين البلدان المتشابهة في التفكير من أجل شبكة موازية للإنترنت العالمية.
نحو تقليد روسيا والصين
يقر معظم الخبراء بأن هدف روسيا والصين الأساسي هو زيادة سيطرتهما على مواطنيهما في الداخل، لكن إجراءاتهما قد يكون لها عواقب عالمية أيضاً، ويبدو أن قائمة البلدان التي تجد نفسها منجذبة إلى إدارة أكثر استبدادية للإنترنت آخذة في الازدياد.
ويمكن لجيران روسيا، مثل جمهوريات آسيا الوسطى، أن يستفيدوا بالتأكيد من التقنيات الروسية. ويسعى اثنان من أكبر بلدان “العالم الرقمي”، وهما البرازيل والهند، منذ فترة طويلة إلى إيجاد طريقة للتعامل مع الإنترنت العالمية التي لا تعتمد على “القيم المفتوحة” للغرب ولا على الشبكات الداخلية المغلقة، إذ حاول كلاهما التوصل إلى بديل قابل للتطبيق للنسختين المتعارضتين من الإنترنت.
وتم التلميح إلى هذا الابتكار في عام 2017، عندما أعلن موقع الدعاية الروسية “روسيا اليوم” أن البرازيل والهند ستتكاتفان مع روسيا والصين وجنوب أفريقيا، لتطوير بديل يشار إليه باسم “إنترنت البريكس”، وزعمت روسيا أنها تنشئ هذه البنية التحتية “لحمايتها من التأثير الخارجي”.
وفشلت هذه الخطة لأن كلاً من روسيا والصين كانتا مهتمتين، لكن باقي الدول كانت أقل حماسة، كما أن تغير القيادة في البرازيل جعل الخطة تخرج عن مسارها.
دول بين القمع والانفتاح
على مدار السنوات الأربع الماضية، انجرفت دول مثل إسرائيل وسنغافورة والبرازيل وأوكرانيا والهند وغيرها، بشكل متزايد نحو نهج أكثر سيادة وانغلاقاً فيما يتعلق بالمعلومات.
وتتنوع أسباب انجرافها، لكن العديد من هذه البلدان تعيش مواقف مماثلة: أوكرانيا وإسرائيل وكوريا الجنوبية توجد في حالة صراع دائمة، ووجدت أن خصومها يسلحون الإنترنت ضدها. ويجد بعض الخبراء أن الاستخدام الاستراتيجي للإنترنت، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح مثل الحرب. حتى كوريا الجنوبية، على الرغم من سمعتها كدولة منفتحة وعالمية، طورت تقنية رائدة للقضاء على المعلومات غير القانونية عبر الإنترنت.
ويهدف مشروع “طريق الحرير للقرن الحادي والعشرين” في الصين لربط آسيا بأوروبا وأفريقيا من خلال بناء شبكة واسعة من الممرات البرية وممرات الشحن والبنية التحتية للاتصالات في دول مثل طاجيكستان وجيبوتي وزيمبابوي.
ووفقاً لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، تعمل الصين الآن في حوالي 80 مشروعاً للاتصالات في جميع أنحاء العالم، من وضع الكابلات إلى بناء الشبكات الأساسية في بلدان أخرى، مما يساهم في إنشاء شبكة عالمية مهمة ومتنامية للصين.
ويمكن أن يكون هناك عنصر أساسي مهم للغاية في هذه الخطط. يتمثل أحد السيناريوهات في انضمام عدد من الدول إلى روسيا والصين لتطوير بنية تحتية تمكنهما من دعم بعضهما البعض اقتصادياً من دون القيام بأعمال تجارية مع بقية العالم، مما يعني أنه بإمكانها الإنعزال عن شبكة الإنترنت الغربية.
وقد تفضل الدول الأصغر استخدام الإنترنت المبنية على معيار غير غربي، والبنية التحتية الاقتصادية المبنية حول الصين قد تكون “الطريقة الثالثة” التي تسمح للبلدان بالمشاركة في اقتصاد شبه عالمي مع القدرة على التحكم في تجربة الإنترنت. بالرغم من أنه سيناريو قد يظل مستبعداً بحسب خبراء.
الدول الغربية
حتى في الدول الغربية، جعلت متغيرات عالمية هذه الدول تتساءل حول مفهوم السيادة على الإنترنت، خصوصاً بعد التدخل الأخير في الانتخابات، وممارسات روسيا لزرع الخلاف بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي الغربية، ما جعل صنّاع السياسة الغربيين يتحدثون عن فكرة أن الإنترنت المفتوح والمجاني يمكن أن يضر بالديمقراطية نفسها.
وأدى صعود الشعبوية في أميركا وفي أماكن أخرى، إلى جانب المخاوف من انهيار النظام الدولي الليبرالي، إلى بروز أصوات ضد الإنترنت التقليدية المفتوحة.