تركيا الحديثة..حلم الشعوب وكابوس الأنظمة

مثل طفل فقير مشدود الى “فترينات” الملابس الجديدة ، تقف شعوب العالم الثالث مأخوذة مشدوهة الى تركيا الحديثة ، تنظر الى ارتفاعها بعين الإعجاب ، تدقّق بتفاصيل نجاحها بشهوة التمنّي..تطلق زفيراً طويلاً متخيّلة نفسها  ترتدي ذات النجاح وتخلع عجزها المزمن وتنطلق نحو البناء..لكن “زجاج” الإستبداد  يقف حائلاً بين الشعوب المتعبة وبين الحلم القريب..
يحق لشعوب العالم الثالث أن تُذهل بنجاح التجربة التركية ، فهي شقيقة بالجغرافيا، وهي شريكة بالتاريخ، وهي بالأمس القريب كانت تشبهنا من حيث المديوينة العالية والفساد المالي والإداري والضائقة الاقتصادية وضعف الانتاج وسوء استغلال الموارد وفساد الطبقة السياسية التي تسيّر البلاد..وكان أمام قادة تركيا خيارين ، اما أن يعظّموا ثرواتهم ويفقروا بلادهم ويوغلوا في ضعفها ودمارها، وإما أن ينهضوا بوطنهم بعد أن يعالجوا القضايا العالقة بإرادة حقيقية وإدارة فاعلة، فاختاروا الخيار الثاني..شيئاً فشيئاً عادت تركيا الى مجدها ، وتحوّلت من مأمور تنفيذ عند الدول الكبرى شانها شان أي دولة في المنطقة ، الى لاعب أساسي على طاولة القرار..وكأنها تقول لكل الذين يراقبونها بعين الأمل أو عين الخوف..عندما تكون قوياً من الداخل لن يهزمك أحد..
بالقدر الذي تشكّل تركيا حلماَ وأملاً للشعوب العربية وشعوب المنطقة كنموذج حي للنجاح عندنا تؤتى الفرص ..فهي كابوس للأنظمة الفردية الديكتاتورية المتسلّطة فالأخيرة لا تتمنّى الفشل لتركيا الحديثة وإبطال مفعول النموذج المحترم في المنطقة وحسب ، بل تسعى الى ذلك بكل ما أوتيت من قوّة ..فالفاسد تزكم أنفه رائحة النظافة ، والراسب يكره سلوك الناجحين حتى لا تنكشف عيوبه أمام رفاقه…
على كل تركيا الحديثة قالت كلمتها ومضت..وحتما  سيكون التقارب  علامة فارقة  لو أن نماذج أخرى لدول في الشرق الأوسط تنجح ليعتدل ميزان قارب الشرق والغرب…عندها ستتحقق احلام الشعوب الطيبة الطموحة المثابرة  النائمة على طهارة الموقف..وتموت اختناقاً الديكتاتوريات المتخمة بفساد النخب الحاكمة..وتذهب كوابيسها شخيراً فارغاً  أو بقبقة غريق..

احمد حسن الزعبي
Ahmed.h.alzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى