النــحــلــة و الــذبـابـة…!! / د . ناصر نايف البزور

النــحــلــة و الــذبـابـة…!!
كم يستوقفني الحديثُ و القَصَصُ القرآني عن بعضِ الحشرات في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا مِن خَلفِه! فلقد خَصَّ عالمُ الغيب و الشهادة سورة كاملة أسماها بسورة النحل؛ و ذكرَ في غير موضع الإنتاج البديع للنحل و هو العسل السائغ في الدنيا و الجاري أنهاراً في الآخرة؛ فارتبط بذلك النحل بالجمال و النفع و البناء و حُسن العمل! و في المقابل لم يذكر الله الذباب و البعوض إلاَّ في مواضع و مواطن التحقير و العبثية و الاستخفاف!

الشاهدُ من التوطئة في هذا المقام هو بعض دلالات رحيل بطل الملاكمة ذائع الصيت محمَّد علي كلاي (رَحِمَهُ الله) قبل بضعة أيّام وما رافق رحيله من تغطية إعلامية تفوق الخيال في الولايات المتَّحدة و خارجها؛ فقد فاقت التغطية المباشرة أحداث الانتخابات الرئاسية الأمريكية و بطولة “كوبا أمَريكا” التي تستضيفها الولايات المتَّحدة هذه الأيام!

كانَ محمَّد علي يُلَقَّب بالنحلة و الفراشة في العبارة الشهيرة “يطيرُ كالفراشة و يلسع كالنحلة”!

محمَّد علي لَم يكُن الأكثر تحقيقاً لبطولة العالم؛ فقد فاز بها ثلاث مرَّات فيما فازَ بها غيره أربع و خمس مَرَّات كالملاكم “ايفاندر هوليفيلد”؛ لكِنَّ محمَّد علي كانَ الأكثر تَأثيراً!

مقالات ذات صلة

محمَّد علي لم يكُنْ الأقوى جسدياً، فهناك مَن فاقوه و يفوقونه قوَّة و بطشاً كـخصميه اللدودين “فورمان و فريزر”، لكنَّ محمَّد علي فاقهُم صيتاً عبر الآفاق!

محمَّد علي لم يكُن الملاكم المسلم القوي الوحيد، فهناك العشرات من المشاهير عبر العقود الماضية كالبطل الفذ نسيم حميد و البلدوزر الشرس مايك تايسن، لكنَّ شهرة محمَّد علي تخطَّت شُهرة هؤلاء أضعافاً مُضاعفة!

محمَّد علي لَم يكُن النجم الوحيد الذي رفضَ الاشتراك في حرب فيتنام؛ فهناك مئات الأعلام من مُفكِّرين و نجوم رفضوا خوض تلك الحرب المشينة، لكنَّ موقف محمَّد علي كانَ الأكثر دوياً و تأثيراً!!!

محمَّد علي لم يكُن الأغنى و لا الأكثر نفوذاً سياسياً و لا اقتصادياً، فهناك آلاف الساسة و الزعماء الذين حيزَت لَهُم الدنيا بما فيها مِن سُلطة و نفوذ، و مع ذلك كانوا يتمنّون الحديث مع محمَّد علي و أخذ صورة تذكارية معه!!!

القذافي و غيره الكثير من الزعماء طلبوا السلطة و المال و الطاغوت و دفعوا المليارات لشراء الشهرة و حُب الناس، لكنَّهُم خابوا و خسروا و ما نالوا غير الشهرة الكاذبة المؤقَّتة و انتهى بهم المطاف إلى الموت بالخوازيق و الاندثار في مزابل التاريخ و الخزي و العار؛ فكانوا في حقارتهم و قذارتهم و مصيرهم كالذباب بَل هُم أضَل سبيلا و أضعَفُ نصيراً!!!

محمَّد علي كانَ بطلاً حقيقياً بقلبه و فكره و إحساسه قبل أن يكونَ بطلاً بعضلاته المفتولة أو رشاقته، ففازَ بقلوب المليارات في شَتّى الأصقاع؛ آجَل فقد فاز محمَّد علي بالحُب الحقيقي الذي يتمنّاه عُظماء الساسة و لا يستطيعون إليه سبيلاً!!!

محمَّد علي كانَ كالنحلة في روحه الوثّابة و عطائه الحقيقي و إن كانَ بسيطاً، فنالَ بذلك الخلود و المجد الوفير الذي سَطَّرته كُتُب التاريخ عبرَ العُصور! فَـشَــتَّـان بين قذارة الذباب و حقارته و بين عُذوبة شهد النحل و حلاوته!!! والله أعلمُ و أحكَم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى