هذا الختيار لازم شكّل وزارة

هذا #الختيار لازم شكّل وزارة

د. حسام العودات


كان غفر الله له ريفيّا بصماته من تبغ قد سطّر على شفاهه ذكرى قبلات #السجائر , أمضى العمر في كبد , وجبهته قد غاب عنها وشم السجود .
زاده من #خبز #الكراديش , وما تيسّر مما تجود به الأرض من حشائش , أمّا رزقه فقد كان أقصر من لحافه بكثير , فقد عصى حمامه الزاجل في الغنى كل الرسائل .
كان يرتّق العمر بديون قد أخذت من ماء وجهه غيماتها الصهباء , فتمطر همّا وخجلا يرافقانه كالظل حتى في أحلامه الكبيسة . لكنه وكعادته لم يخلف يوما وعد الدائنين .
كانت المجالس تبتهج بحضوره , فالهيبة لم تكن يوما حكرا على أصحاب الغنى والسلطان , فقد حباه الله بالبشاشة وبيان الكلام , وفي بديهته سرعة قد سبقت الضوء بأميال .
وفي ليلة كان البدر سراج السمر فيها , طلب منه صاحب البقالة , وقد كانت مول قريتهم في ذلك الزمان , أن يعيد اليه دينا بثلاثة دنانير منذ شهور قد مضت . فما كان من المدين الا أن لملم بقايا جيوبه وأعاد للدائن نقوده , وها قد شهد الحاضرون على ما جرى , تماما مثلما فعلت طاولة الزهر وأحجار نردها وهم يتسامرون حولها . معتذرا من لفائف دماغه وقد خذلها النسيان لسداد الدين , بعد أن نفذ صبر التاجر وفات الأوان ليحرجه أمام الجمع والخلان .
وما هي أسابيع من تلك الواقعة حتى وجد التاجر ثلاثة دنانير في جيب دشداشته التى لم تلامس بدنه منذ شهر ونيّف , ليدرك عندها أن صاحبنا قد أعاد له الدين مرتين .
فهرول صاحب البقالة صوب بيت #المظلوم في عيشه ومعاشه وقد سبقه الخجل مما جرى , فطرق الباب ولم ينسى الأجراس , فقبل سبعين عاما لم يكن على الأبواب جلاجل كما يقول أهل مصر العظام .
خرج الشقي والصغار تسبقه صوب بوابة الدار , تماما كمشهد طرود الخير وقد حضرت لتوزيعها فضائيات الأرض والسماء .
أعاد اليه دنانيره وقد شرح له واقعة الكنز المفقود في جيبة الدشداش قائلا : لعلك مثلي قد نسيت .
فقال له : لا والله ما نسيتش , بس أني ما بصلّيش , وانت كل فرض بالمسجد , ولو إنّي جادلتك , ولا حدا من الموجودين كان رايح يصدّقني , عشان هيك دفعتلك #المصاري واختصرت .
نعم لمثله تصلح #المناصب , فقد أدرك بحنكته عند الناس كل المقاصد , وتصرّف بحكمة قد غابت عن كثير ممن تخرجوا من أعرق الجامعات , بعرقها وليس بعراقتها على ما يبدو . فقراراتهم تشتكي غيبة الأقدام عن الإقدام .
مات الأنيس وغاب عن طاولة الزهر خير جليس , داعيا المولى أن يرزقنا من المسؤولين من نقول فيهم : ليس لكم مثيل .
لأن التاريخ يشهد على القليل ممن عاشوا , فلم تعد الدنيا بعدهم كما كانت .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى