نَحْنُ فِي خَطَرٍ!

نَحْنُ فِي خَطَرٍ!

بقلم: هِبَةُ أَحْمَدَ الحَجَّاج

تَقُولُ إيفلين وُو، ولِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَجِدُنِي أَتَّفِقُ مَعَهَا، فَأَنَا لَسْتُ مِنْ مُحِبَّاتِ فَصْلِ الصَّيْفِ إِطْلَاقًا:

“لَيْتَ الأَمْرَ يَبْقَى هَكَذَا دَائِمًا – صَيْفٌ دَائِمٌ، وَحْدَةٌ دَائِمَةٌ، وَثِمَارٌ لَا تَذْبُلُ أَبَدًا.”

مقالات ذات صلة

وَرَغْمَ أَنَّنِي لَسْتُ مِنْ مُحِبَّاتِ الصَّيْفِ، فَإِنَّ هَذَا اليَوْمَ بَدَا مُخْتَلِفًا تَمَامًا؛ يَوْمٌ مُشْمِسٌ، دَافِئٌ، سَمَاءٌ صَافِيَةٌ، وَنَسِيمٌ عَلِيلٌ. يَوْمٌ مِثَالِيٌّ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِالهَوَاءِ الطَّلْقِ، سَوَاءٌ بِالسِّبَاحَةِ، أَوِ الِاسْتِرْخَاءِ فِي الحَدِيقَةِ، أَوِ التَّنَزُّهِ وَسْطَ الطَّبِيعَةِ. الشَّمْسُ مُشْرِقَةٌ، وَالجَوُّ مُنْعِشٌ، إِنَّهَا فُرْصَةٌ لَا تُفَوَّتُ لِلتَّمَتُّعِ بِجَمَالِ العَالَمِ مِنْ حَوْلِنَا.

لَكِنْ لِلأَسَفِ، لَيْسَ لِي. قَدْ يَكُونُ هَذَا اليَوْمُ جَمِيلًا لِلأَطِبَّاءِ، أَوِ المُهَنْدِسِينَ، أَوِ المُحَامِينَ، أَوِ المُعَلِّمِينَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ المِهَنِ… لَكِنْ بِالتَّأْكِيدِ، لَيْسَ لِلصَّحَفِيِّينَ.

هَا أَنَا، جَالِسَةٌ عَلَى طَاوِلَةٍ فِي زَاوِيَةِ المَقْهَى، قُرْبَ النَّافِذَةِ، أُحَاوِلُ التَّرْكِيزَ عَلَى مُهِمَّتِي: “كِتَابَةُ مَقَالٍ جَدِيدٍ فِي ظِلِّ الأَوْضَاعِ الحَالِيَّةِ وَتَطَوُّرَاتِهَا.” مُسْتَغْرِقَةٌ فِي أَفْكَارِي، لَا أُبَالِي بِالضَّجِيجِ مِنْ حَوْلِي.

وَبَيْنَمَا كُنْتُ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، جَلَسَتْ خَلْفِي امْرَأَتَانِ تَتَحَدَّثَانِ بِصَوْتٍ خَافِتٍ، وَمِنْ بَيْنِ حَدِيثِهِمَا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا تُرَدِّدُ:

– هِيَ، لَا، لَيْسَتْ هِيَ…

ثُمَّ تَسْكُتُ قَلِيلًا وَتُكَرِّرُ:

– هِيَ، لَا، لَيْسَتْ هِيَ…

شَعَرْتُ أَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْ فَتَاةٍ مَا. تَعَابِيرُ وَجْهَيْهِمَا كَانَتْ جَادَّةً بَعْضَ الشَّيْءِ.

أَنْصَتُّ إِلَيْهِمَا بِاهْتِمَامٍ. قَالَتِ الأُولَى لِلثَّانِيَةِ:

– جَمِيلَةٌ.

فَرَدَّتِ الثَّانِيَةُ:

– هِيَ.

قَالَتِ الأُولَى:

– لَكِنْ… مُدَخِّنَةٌ.

فَأَجَابَتِ الثَّانِيَةُ بِسُرْعَةٍ:

– لَا، لَا، لَيْسَتْ هِيَ.

– مِنْ أُسْرَةٍ عَرِيقَةٍ… لَكِنَّهَا مُدَخِّنَةٌ.

– جَامِعِيَّةٌ وَصَاحِبَةُ شَهَادَةٍ مَرْمُوقَةٍ… لَكِنَّهَا مُدَخِّنَةٌ.

أَدْرَكْتُ حِينَهَا أَنَّهَا تَبْحَثُ عَنْ عَرُوسٍ، لَكِنَّهَا لَا تُرِيدُهَا مُدَخِّنَةً.

تَذَكَّرْتُ حِينَهَا مَا قَالَهُ أَحَدُ الكُتَّابِ:

“مِنَ الأَعْرَافِ السَّائِدَةِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا العَرَبِيَّةِ أَنَّهَا تَتَقَبَّلُ تَدْخِينَ الرَّجُلِ وَتَسْتَهْجِنُ تَدْخِينَ المَرْأَةِ، لِأَنَّهُمْ يَرْبِطُونَ بَيْنَ التَّدْخِينِ وَانْحِلَالِ الأَخْلَاقِ لَدَى النِّسَاءِ، رَغْمَ أَنَّ التَّدْخِينَ هُنَا وَهُنَاكَ هُوَ ذَاتُهُ، بِحُرْمَتِهِ وَأَضْرَارِهِ، تَبْقَى النَّظْرَةُ غَيْرَ مُنْصِفَةٍ.”

وَيُعْزَى اعْتِبَارُ التَّدْخِينِ سُلُوكًا “ذُكُورِيًّا” إِلَى أَنَّهُ لَطَالَمَا كَانَ أَكْثَرَ شُيُوعًا بَيْنَ الرِّجَالِ مُنْذُ زَمَنٍ، فَأَلِفَتْهُ العُيُونُ وَتَقَبَّلَتْهُ الانْفِعَالَاتُ، عَلَى عَكْسِ النِّسَاءِ، اللَّوَاتِي جُبِلْنَ عَلَى الحَيَاءِ وَالخَجَلِ، مِمَّا يَجْعَلُ التَّدْخِينَ أَمْرًا مُسْتَهْجَنًا فِي حَقِّهِنَّ.

كُنْتُ أُتَابِعُ كُلَّ الأَصْوَاتِ فِي المَقْهَى مُجْبَرَةً لَا مُخْتَارَةً؛ فَمِنْ هَمْهَمَاتِ الأَحَادِيثِ، إِلَى ضَحِكَاتِ الزَّبَائِنِ، إِلَى صَوْتِ الأَكْوَابِ وَالأَطْبَاقِ الَّتِي تُوضَعُ وَتُرْفَعُ، تَنْبَعِثُ ضَوْضَاءُ لَا يُمْكِنُ تَجَاهُلُهَا.

لَفَتَتْ نَظَرِي فَتَاةٌ فِي مُقْتَبَلِ العُمْرِ، تَجْلِسُ عَلَى الطَّاوِلَةِ المُقَابِلَةِ تَمَامًا. وَضَعَ النَّادِلُ أَمَامَهَا “الأَرْجِيلَةَ”، وَمَا إِنْ بَدَأَتْ فِي تَدْخِينِهَا، حَتَّى انْهَالَتْ عَلَيْهَا التَّعْلِيقَاتُ مِنَ الزَّبَائِنِ، وَكَأَنَّ هَاتِفَهَا الَّذِي كَانَ فِي وَضْعِ الطَّيَرَانِ، فُتِحَ فَجْأَةً عَلَى سَيْلٍ مِنَ الانْتِقَادَاتِ…

– مَا هَذَا الحَالُ؟ نُشَاهِدُ المَرْأَةَ الرَّقِيقَةَ وَهِيَ تُدَخِّنُ؟ هَذَا بِلَا شَكٍّ يُضْعِفُ مِنْ مَكَانَتِهَا وَيَجْعَلُهَا تَفْقِدُ جُزْءًا مِنْ أُنُوثَتِهَا. لِلأَسَفِ، مَفْهُومُ الحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ عِنْدَ البَعْضِ مُشَوَّهٌ، خَاصَّةً لَدَى المُدَخِّنَاتِ.

– عَادَةٌ مَرْفُوضَةٌ، لَيْسَ فَقَطْ لِلْمَرْأَةِ بَلْ لِلْجِنْسَيْنِ. إِنَّهَا عَادَةٌ مُدَمِّرَةٌ لِلصِّحَّةِ، وَمُغْضِبَةٌ لِلرَّبِّ، وَمُؤْذِيَةٌ لِلآخَرِينَ، وَمُلَوِّثَةٌ لِلْبِيئَةِ، وَمُقَزِّزَةٌ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ، خُصُوصًا عِنْدَمَا تَصْدُرُ عَنْ امْرَأَةٍ، لِأَنَّ طَبِيعَتَهَا الرَّقِيقَةَ لَا تَتَمَاشَى مَعَ هَذِهِ القَذَارَةِ!

– الدُّخَانُ، وَالأَرْجِيلَةُ، وَالمَعَسِّلُ، وَمَا شَابَهَهَا مَرْفُوضَةٌ مِنَ الجَمِيعِ، خُصُوصًا المَرْأَةُ. كُلُّ مَا يَضُرُّ حَرَامٌ، وَمَا يَنْفَعُ حَلَالٌ. قَالَ تَعَالَى: “يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ”.

وَلَوْ سَأَلْتَ أَيَّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ، رَجُلًا كَانَ أَمِ امْرَأَةً، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، هَلِ التَّدْخِينُ نَافِعٌ أَمْ ضَارٌّ؟ لَكَانَ الجَوَابُ وَاضِحًا.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَنَا.

هنا وكأنَّ تلك الفتاةَ أصابَتْها صَعْقَةٌ كَهْرَبَائِيَّةٌ، أَمْسَكَتْ بِهَاتِفِهَا عَلَى الفَوْرِ، وَأَخَذَتْ تَكْتُبُ وَتَكْتُبُ وَكَأَنَّهَا اسْتَلْهَمَتْ فِكْرَةً لِلتَّوِّ، وَشَعَرَتْ بِالْخَوْفِ أَنْ تَذْهَبَ مِنْهَا. وَبَعْدَ لَحَظَاتٍ، وَقَفَتْ بِكُلِّ ثِقَةٍ وَفَخْرٍ، وَأَمْسَكَتْ بِهَاتِفِهَا، وَنَظَرَتْ إِلَى الجَمِيعِ، ثُمَّ قَالَتْ: “اسْمِي فُلَانَةٌ الفُلَانِيَّةُ، وَهَذِهِ صَفْحَتِي عَلَى الفَيْسِبُوكِ. وَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا لِمَاذَا نَحْنُ مُدَخِّنَاتٌ، ادْخُلُوا عَلَى صَفْحَتِي وَسَتَجِدُونَ مَا يَسُرُّكُمْ.” ثُمَّ لَمْ تَمْضِ دَقَائِقُ حَتَّى غَادَرَتِ الفَتَاةُ عَلَى عَجَلٍ، وَكَأَنَّهَا تَهْرُبُ مِنْ شَيْءٍ مَا يُطَارِدُهَا.

فَقُلتُ فِي نَفْسِي: “سِيجَارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي فَمِ فَتَاةٍ تَكْفِي لِجَعْلِ الجَمِيعِ يُحَدِّقُونَ بِهَا… وَكَأَنَّهَا عُودُ ثِقَابٍ يُشْعِلُ غَابَةً!”

فَالتَّدْخِينُ يُشَوِّهُ أُنُوثَةَ المَرْأَةِ، وَيَسْلُبُهَا نُعُومَتَهَا وَرِقَّتَهَا، حَتَّى بَاتَ مَنْظَرُ المَرْأَةِ المُدَخِّنَةِ مُسْتَفِزًّا لِأَبْعَدِ الحُدُودِ.

وَلَا أُخْفِيكُمْ، فَقَدْ أَثَارَنِي الفَضُولُ لَحْظَةً، فَقُمْتُ بِالدُّخُولِ إِلَى صَفْحَتِهَا عَلَى الفَيْسِبُوكِ. وَبِالفِعْلِ، وَجَدْتُهَا قَدْ نَشَرَتْ بُوَسْتًا كَتَبَتْ فِيهِ:

“بَنَاتٌ، حَابَّةٌ أَعْرِفُ مِنْكُمْ وَجْهَةَ نَظَرٍ صَادِقَةٍ وَصَرِحَةٍ عَنِ التَّدْخِينِ. كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ عَنْ تَأْثِيرَاتِهِ السَّلْبِيَّةِ عَلَى الصِّحَّةِ، لَكِنْ هُنَاكَ جَانِبًا آخَرَ قَدْ لَا نُتَحَدَثُ عَنْهُ كَثِيرًا.

هَلْ فِي أَسْبَابٍ أَوْ لَحَظَاتٍ تَرَوْنَ فِيهَا أَنْ التَّدْخِينِ لَهُ تَأْثِيرٌ إِيجَابِيٌّ فِي حَيَاتِكُمْ؟”

التَّعْلِيقُ الأوَّلُ:

“أَنَا لَا أَسْتَطِيعُ العَمَلَ أَوْ التَّفْكِيرَ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ إِذَا لَمْ أَدَخِّنْ، إِنَّهُ يَمْنَحُنِي شُعُورًا بِالْرَّاحَةِ.”

التَّعْلِيقُ الثَّانِي:

“بَدَأْتُ التَّدْخِينِ فِي سِنٍّ صَغِيرَةٍ، وَالْآنَ أَصْبَحَ جُزْءًا مِنْ حَيَاتِي اليَوْمِيَّةِ. حَتَّى لَوْ كُنْتُ أُرِيدُ الإِقْلاَعَ، فَإِنَّ الشُّعُورَ بِالإِدْمَانِ يَجْعَلُ الأَمْرَ صَعْبًا جِدًّا.”

“كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مُخْتَلِفَةً وَأَحْطِمَ القَوَاعِدَ، وَكَانَتِ السَّجَائِرُ تُمَثِّلُ لِي نَوْعًا مِنَ التَّمَرُّدِ. كَانَ الأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِالشُّعُورِ بِالْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ.”

“كُنْتُ أَدَخِّنُ فَقَطْ لِأَنَّ أَصْدِقَائِي كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، شَعَرْتُ أَنَّنِي جُزْءٌ مِنَ المَجْمُوعَةِ.”

“أَعْرِفُ أَنَّهُ مُضِرٌ بِالصِّحَّةِ، لَكِنَّنِي أَعْتَبِرُهُ نَوْعًا مِنَ التَّسْلِيَةِ أَوِ المُتْعَةِ الَّتِي أَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي حَيَاتِي.”

“أَحْيَانًا، يَتَعَرَّضُ المَدَخِّنُونَ لِانْتِقَادَاتٍ مِنَ الآخَرِينَ، لَكِنَّنِي لَا أَعْتَقِدُ أَنَّ التَّدْخِينِ هُوَ السَّبَبُ الرَّئِيسِيُّ لِكُلِّ مَشَاكِلِ الصِّحَّةِ. يَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَفْهَمُوا أَنَّنَا نَعِيشُ حَيَاتَنَا بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي نَرَاهَا مُنَاسِبَةً.”

“عِندَمَا كُنْتُ صَغِيرَةً، كُنْتُ أَرَى المُدَخِّنَاتِ فِي الأَفْلَامِ وَالمَجَلَّاتِ، وَكَانَ لَدَيَّ تَصَوُّرٌ مُعَيَّنٌ عَنْهُنَّ. كَانَتِ المَدَخِّنَةُ دَائِمًا تَبْدُو قَوِيَّةً أَوْ مُثِيرَةً.”

فَكَّرْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي وَقُلتُ: “هُنَاكَ نَوْعٌ مِنَ الحَرْبِ الهَادِئَةِ بَيْنَ الجِنْسَيْنِ عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِالتَّدْخِينِ: رِجَالٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ السَّجَائِرَ جُزْءٌ مِنْ هُوِيَّتِهِمْ الرَّجُولِيَّةِ، وَنِسَاءٌ يُعَانِينَ مِنْ أَحْكَامٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ تَرْفُضُهُنَّ لِمُجَرَّدِ تَبَنِّي نَفْسِ العَادَةِ.”

“هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَدْخِينٍ أَمْ حَرْبٌ ثَقَافِيَّةٌ؟ الرِّجَالُ يَعْتَبِرُونَهُ جُزْءًا مِنْ هُوِيَّتِهِمْ، فِي حِينٍ أَنَّ النِّسَاءَ يَتَعَرَّضْنَ لِلْاِنْتِقَادِ عِندَ اتِّخَاذِ نَفْسِ القَرَارِ”. 

ثُمَّ بَدَأْتُ أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَيَسَارًا مِرَارًا، أَنْظُرُ إِلَى سَاعَتِي بَيْنَ الحِينِ وَالآخَرِ، أُفَكِّرُ بِعُمْقٍ فِي سَبَبِ تَأَخُّرِ صَدِيقَتِي.

وَإِذَا بِي أَرَاهَا تُلَوِّحُ لِي مِنْ بَعِيدٍ، كَأَنَّهَا ضَوْءٌ لَمَعَ وَسْطَ المَدِينَةِ، كَانَتْ تَرْكُضُ بِسُرْعَةٍ، وَمَا إِنْ وَصَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ بِثَبَاتٍ، وَقَالَتْ:

– نَحْنُ فِي خَطَرٍ!

أَجَبْتُهَا مَازِحَةً:

– الحَرْبُ العَالَمِيَّةُ الثَّالِثَةُ؟

قَالَتْ:

– لَا.

قُلْتُ:

– النَّوَوِيُّ؟

قَالَتْ:

– بِالتَّأْكِيدِ لَا.

ثُمَّ صَمَتَتْ قَلِيلًا وَقَالَتْ:

– النِّسَاءُ.

قُلْتُ مَازِحَةً:

– سَنَنْقَرِضُ؟! (ضَحِكْنَا)

قَالَتْ:

– نَوْعًا مَا.

قُلْتُ بِدَهْشَةٍ:

– كَيْفَ؟!

قَالَتْ: بِحَسَبِ إِحْصَائِيَّةٍ حَدِيثَةٍ لِوِزَارَةِ الصِّحَّةِ، بِدَعْمٍ مِنَ الِاتِّحَادِ الأُورُوبِيِّ لِعَامِ 2025، فَإِنَّ 51.6٪ مِنَ الأُرْدُنِّيِّينَ يُدَخِّنُونَ بِمُخْتَلَفِ أَشْكَالِهِم، مِنْهُمْ 43٪ يُدَخِّنُونَ يَوْمِيًّا، وَتَبْلُغُ نِسْبَةُ المُدَخِّنِينَ مِنَ الذُّكُورِ 65٪ مُقَابِلَ 16٪ مِنَ الإِنَاثِ، فِيمَا تَصِلُ نِسْبَةُ تَدْخِينِ الأَرْجِيلَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِلَى 28.8٪.

وَأَضَافَتْ:

٪59 مِنَ الأُرْدُنِيِّينَ بَيْنَ عُمْرِ 25 وَ34 عَامًا مُدَخِّنُونَ، وَ50٪ بَيْنَ 15 إِلَى 24 عَامًا، وَ31٪ لِلْفِئَةِ 15–17 عَامًا. وَيَبْلُغُ مُتَوَسِّطُ عُمْرِ بَدْءِ التَّدْخِينِ 17 عَامًا.

كَمَا أَنَّ 54٪ مِنْ مُدَخِّنِي الأَرْجِيلَةِ فِي الأُرْدُنِ مِنَ السَّيِّدَاتِ.

وَتَدْخِينُ الأَرْجِيلَةِ لِمُدَّةِ 40 دَقِيقَةٍ يُعَادِلُ تَقْرِيبًا تَدْخِينَ 100 سِيجَارَةٍ.

وَهُنَاكَ تَحْذِيرَاتٌ جِدِّيَّةٌ مِنْ سَجَائِرِ التَّسْخِينِ، حَيْثُ لَمْ تَثْبُتِ الدِّرَاسَاتُ أَمَانَهَا بَعْدُ، وَسُجِّلَتْ حَالَاتُ خَلَلٍ رِئَوِيٍّ حَادٍّ بِسَبَبِهَا.

وَهُنَاكَ أَيْضًا حَقَائِقُ طِبِّيَّةٌ:

– النِّيكُوتِينُ يُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى الأَوْعِيَةِ الدَّمَوِيَّةِ، فَيَجْعَلُ وَجْهَ المَرْأَةِ شَاحِبًا، وَبَشَرَتَهَا رَمَادِيَّةً، وَيُؤَدِّي إِلَى تَجَاعِيدَ مُبَكِّرَةٍ، وَيُضْعِفُ الشَّعْرَ وَالأَظَافِرَ، وَيُسَبِّبُ اصْفِرَارَ الأَسْنَانِ.

– يُسَبِّبُ الْتِهَابَاتٍ فِي الأَحْبَالِ الصَّوْتِيَّةِ، مِمَّا يُغَيِّرُ نَبْرَةَ الصَّوْتِ الأُنْثَوِيِّ الرَّقِيقِ إِلَى صَوْتٍ خَشِنٍ.

– يُفَاقِمُ حَبَّ الشَّبَابِ، وَيُسَبِّبُ نُمُوَّ الشَّعْرِ فِي أَمَاكِنَ غَيْرِ مَرْغُوبَةٍ كَالذَّقَنِ وَالْيَدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ.

– تَصِلُ المُدَخِّنَاتُ إِلَى سِنِّ اليَأْسِ قَبْلَ مَوْعِدِهِ الطَّبِيعِيِّ بِعَشْرِ سَنَوَاتٍ، وَتَزْدَادُ لَدَيْهِنَّ اضْطِرَابَاتُ الدَّوْرَةِ الشَّهْرِيَّةِ، وَتَقِلُّ الخُصُوبَةُ بِمِقْدَارٍ يَفُوقُ 40٪، وَتَرْتَفِعُ مُعَدَّلَاتُ الإِجْهَاضِ وَالحَمْلِ خَارِجَ الرَّحِمِ، وَانْفِصَالُ المَشِيمَةِ المُبَكِّرِ، بِثَلَاثَةِ أَضْعَافٍ عَنْ غَيْرِ المُدَخِّنَاتِ.

– كَمَا يُؤَخِّرُ التَّدْخِينُ نُمُوَّ الجَنِينِ بِسَبَبِ نَقْصِ الأُكْسِجِينِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى احْتِمَالِ وَفَاةِ الجَنِينِ دَاخِلَ الرَّحِمِ.

– وَالمُدَخِّنَةُ الحَامِلُ أَكْثَرُ عُرْضَةً لِتَسَمُّمِ الحَمْلِ، وَارْتِفَاعِ الضَّغْطِ، وَالجَلَطَاتِ القَلْبِيَّةِ وَالدِّمَاغِيَّةِ، وَسُوءِ التَّغْذِيَةِ، وَفَقْرِ الدَّمِ.

– 66٪ مِنَ المُدَخِّنَاتِ مُعَرَّضَاتٌ لِجَلْطَةٍ فِي المُخِّ، وَهُنَّ أَكْثَرُ عُرْضَةً لِلْفَشَلِ الكُلَوِيِّ، وَالسُّكَّرِيِّ، وَسَرَطَانِ عُنُقِ الرَّحِمِ، وَهَشَاشَةِ العِظَامِ.

وَتُشِيرُ دِرَاسَاتٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ نَحْوَ 25٪ مِنَ المُدَخِّنَاتِ يَمُتْنَ بِسَبَبِ أَمْرَاضِ التَّدْخِينِ، وَثُلُثَهُنَّ قَبْلَ سِنِّ 56 عَامًا. وَقَدْ كَشَفَتْ وَزَارَةُ الصِّحَّةِ الأَمِيرِكِيَّةِ أَنَّ التَّدْخِينِ يَقْتُلُ 165 أَلْفَ امْرَأَةٍ سَنَوِيًّا.

قُلْتُ لَهَا:

رَغْمَ كَثْرَةِ الحَمَلَاتِ الإِعْلَامِيَّةِ وَالتَّوْعَوِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ تَأْثِيرَهَا أَصْبَحَ ضَعِيفًا عَلَى تَغْيِيرِ سُلُوكِيَّاتِ المُجْتَمَعِ، وَكَأَنَّهَا مُجَرَّدُ كَلَامٍ لَا يَتَعَدَّى شَاشَاتِ التِّلْفَازِ أَوْ صَفَحَاتِ الإِنْتَرْنِتِ.”

– لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُوجِزَ أَكْثَرَ مِمَّا قُلْتِ. وَرَغْمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ العَوْدَةُ إِلَى بَدَايَةٍ جَدِيدَةٍ تَمَامًا، يُمْكِنُ لِأَيِّ شَخْصٍ أَنْ يَبْدَأَ مِنَ الآنَ، لِيَصْنَعَ نِهَايَةً جَدِيدَةً كُلِّيًّا.

— يُنْسَبُ هَذَا القَوْلُ إِلَى كَارْل بَارْد، أَحَدِ رُوَّادِ تَطْوِيرِ التِّقْنِيَّاتِ الطِّبِّيَّةِ.

كُلُّ مَرِيضٍ يَحْمِلُ طَبِيبَهُ بِدَاخِلِهِ… لَكِنَّ القَرَارَ؟ خِيَارٌ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى