سواليف
“تحت عنوان ” حسني مبارك فراغ غريب لا ينتهي ” جاء تقرير بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حاولت فيه كشف سر بقاء الرئيس المخلوع في مستشفى المعادي العسكري رغم استكماله مدة الحبس ثلاث سنوات في قضية فساد.
وإلى نص التقرير
في العديد من الأوجه،فإن حياة الرئيس المعزول حسني مبارك ليست شديدة السوء.
في مستشفاه بالمعادي، يتصل مبارك هاتفيا بالمنزل، ويستمتع بباقات الزهور التي ترسل إليه، وبمطالعة الصحف، وبالحصول على وجبات “تيك أواي، وزيارات من زوجته ونجليه وأحفاده، وإطلالة واسعة النطاق على النيل.
في عيد ميلاده الثامن والثمانين، تجمع حشد من المهنئين على بوابة المستشفى وأخذوا في الغناء والرقص والتلويح بصورته، وأطل مبارك من أحد النوافذ ملوحا لهم.
وبالرغم من ذلك، فإن الرفاهية التي لا يستطيع مبارك فعلها تتمثل في الخروج من المستشفى، بما يمثل لغزا.
ففي مايو 2015، أصدر قاض قرارا مفاده أن مبارك أتم مدة حبسه 3 سنوات في قضية تتعلق بالفساد، وهو الحكم الوحيد الذي صدر ضده منذ عزله في 2011.
من الناحية الفنية، فإن مبارك رجل حر.
لكن الرئيس الأسبق ما زال حبيس غرفة المستشفى التي كانت بمثابة زنزانته على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث يتواجد حارس أمامها.
الفراغ القانوني المتعلق بمبارك مستمر، حتى بالرغم من أن العديد من حلفائه السابقين الذين تنامت ثرواتهم بشكل فاحش خلال العقود الثلاثة لحكمه، يبرمون في هدوء صفقات مع الحكومة لإسقاط أحكام إدانتهم.
ورفض محامي مبارك فريد الديب طلب نيويورك تايمز بإجراء مقابلة.
لكن العديد من أصدقاء الرئيس الأسبق بينهم هؤلاء الذين يزورونه في المستشفى يفسرون الوضع الحالي له بأنه جراء صفقة ناعمة بينه وبين الجيش القوي.
وذكر هؤلاء أن الجيش بشكل عام متساهل مع شخصيات عهد مبارك منذ صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013، لكن المؤسسة العسكرية ترغب في تفادي الاحتجاجات التي قد تصاحب إطلاق سراحه.
لذا فإن الجانبين متفقان على الوصول إلى تسوية، حيث وافق مبارك على البقاء في المستشفى، فيما وافقت الحكومة على استمرار حرية نجليه علاء، رجل الأعمال، وجمال، الذي نظر إليه ذات يوم باعتباره وريثا سياسيا.
وأطلق سراح نجلي مبارك العام الماضي.
من جانبه، قال يسري عبد الرازق، المحامي المتطوع للدفاع عن مبارك: “نقطة ضعفه تتمثل في نجليه”، واستطرد: “عندما يتحدث مبارك على الملأ تنزعج السلطات”.
عبد الرازق ذكر أنه حصل على إذن من مبارك قبل التحدث إلى الصحافة، وأظهر لنا صورة بهاتفه المحمول يقف فيها بجانب الرئيس الأسبق الذي بدا غاضبا داخل غرفته بالمستشفى.
الأمن والرعاية الصحية عاملان آخران لإقامة مبارك داخل المستشفى، وفقا لأصدقاء له.
ورفض متحدث باسم الجيش التعليق على احتمال وجود ترتيبات مع الرئيس الأسبق.
الفراغ القانوني لمبارك يعكس وضع مبارك غريب الأطوار في الحياة العامة المصرية بعد 5 سنوات من نهاية حكمه الطويل.
ما زال العديد من المصريين يزدرونه ويعتبرونه رمزا للمحسوبية المتفشية والقمع اللذين ابتليت بهما مصر على مدى عقود.
لذلك، فإن حبس مبارك يمثل أحد الانتصارات الأخيرة الباقية لقادة احتجاجات 2011 الذي يقبع العديد منهم في سجون السيسي.
لكن آخرين بدأوا في النظر إلى مبارك بوخزة من مشاعر حنين إلى الماضي مريرة، باعتباره زمنا شهد حرية نسبية مقارنة بالاستبداد العنيف الذي يتسم به حكم السيسي.
أسامة دياب، الباحث المعني بشؤون مكافحة الفساد في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” علق قائلا: “بالطبع، كان مبارك فاسدا، لكنه كان يعرف كيف يحصل على المشورة الجيدة”.
وواصل: “لكن الآن نحن في كارثة. مبارك كان ديكتاتورا كفؤا، أما السيسي فلا”.
وبينما تبدو المشاعر القاسية تجاه مبارك في مرحلة انحسار، تبدو معاناته القضائية كذلك.
الإذلال التي تعرض له مبارك عامي 2012 و2013 عندما أجبر على الرقود داخل قفص المحكمة قد ولى بشكل كبير.
لقد نجا مبارك من الاتهامات الأكثر خطورة مثل قتل متظاهري 2011، والآن يواجه إعادة محاكمة في قضية واحدة، مع توقعات قليلة أن يتم انعقادها في القريب العاجل، بحسب محامين.
وبدلا من ذلك، يقضي مبارك وقته في مستشفى المعادي العسكري، المؤلفة من مبنى شاهق مطل على النيل.
عاملون بالمستشفى ذكروا إنه يعيش هناك في ظل نظام متساهل لكنه في ذات الوقت حازم.
الأمن داخل المعادي العسكري محكم، كما أن جميع الزائرين يخضعون لتدقيق من وزارة الدفاع، وفقا لمسؤول أمني.
يجري مبارك دردشات هاتفية عبر جواله المحمول، أحد أجهزة نوكيا القديمة، والذي لا يستطيع الدخول على الإنترنت من خلاله، ويستقبل حلاقا من حين إلى آخر يقوم بصبغ شعره.
بعض الممرضات يشاهدنه أحيانا يتمشى في الردهات كجزء من علاج طبيعي من كسر سابق في الحوض.
ويتلقى مبارك باستمرار باقات ظهور من معجبين، كما تزوره زوجته سوزان، ونجلاه وأحفاده، ودائرة محكمة من المعجبين المتحمسين.
وذكروا أن حالة مبارك المزاجية تنحرف من المعنويات المرتفعة إلى تذمر مرير، متحدثين عن رجل يحتقر حلفاءه الذين تخلوا عنه، ويرفض المحتجين الشباب الذين أخرجوه من السلطة، ولا يبدو، بشكل كبير، نادما على 29 عاما قضاها في السلطة.
حسن غندور، أحد أفراد الحرس الجمهوري السابقين، والذي يرتبط بعلاقة صداقة مع مبارك علق قائلا: “إنه يشعر بالخيانة، عندما يشاهد منتقدين له على التلفاز كانوا قد دأبوا على تملقه، وهو ما يجعل مبارك في حالة انزعاج شديد”.
مستشفى المعادى العسكري كانت مسرحا لدراميات سياسية أخرى تتعلق بأواخر العمر.
ففي عام 1980، توفي شاه إيران في ذات المستشفى في الطابق الأسفل للذي يقبع به مبارك حاليا، بعد أن لاذ بالفرار إلى مصر عقب انطلاق الثورة الإيرانية.
وبعدها بعام، نقل الرئيس الأسبق محمد أنور السادات إلى المعادي العسكري بعد أن أطلق ضباط إسلاميون النيران عليه في عرض عسكري، وتوفي بعدها بساعات، ممهدا الطريق لمبارك لتولي مقاليد الحكم.
المحامي عبد الرازق قال إن مبارك يدرك جيدا “الإرث” الذي تركه، ويشعر بـ “الانزعاج الشديد” من إدانته بالفساد.
وعاد مبارك إلى الأضواء برفق العام الماضي، بعد مكالمة هاتفية نادرة استغرقت 15 دقيقة مع أحد برامج التوك شو، لكن بعدها مباشرة تم تشديد الإجراءات الأمنية على غرفته.
ومنذ صعود السيسي إلى السلطة عام 2013، أظهرت الحكومة والمحاكم تساهلا كبيرا تجاه الشخصيات القوية في عهد مبارك، من مليارديرات البيزنس، ووزراء، وذوي المحسوبية، والذين نالوا البراءة أو أطلق سراحهم من السجون، بما يؤكد التغيير الحاد الذي اعترى مصر.
وفي أحدث القضايا، أسقطت محكمة استئناف حكما بالحبس ضد أحمد نظيف رئيس وزراء مبارك. كما يسعى آخرون لشراء حرياتهم بالمال.
وذكر محامي رجل الأعمال المقرب من مبارك حسين سالم، الذي هرب إلى إسبانيا عام 2011، أن موكله موافق على التنازل عن 75 % من ثروته، أي نحو 5.5 مليارات جنيه مصري مقابل إسقاط حكمي إدانة بمجموع 15 عاما.
واستطرد المحامي: “إنها صفقة عرضناها من جانبنا، الآن نتتظر رد الحكومة”.
عادل السعيد المسؤول بهيئة الكسب غير المشروع المسؤولة عن نظر تلك الصفقات قال إنه تلقى أكثر من 30 عرضا للتسوية مع رجال أعمال ومسؤولين مرتبطين بعهد مبارك.
مسؤول آخر بنفس الهيئة ذكر أن مبارك أيضا كان يأمل في إبرام صفقة، عبر دفع 10 مليون دولار مقابل إسقاط حكم إدانته بالفساد.
بيد أن هذه العرض ليس من المرجح أن يكتب لها النجاح قريبا.
القليل يعتقدون أن بإمكان مبارك التوجه قريبا للإقامة في فيلا بشرم الشيخ.
وربما ينشغل مبارك بمسألة تشكيل إرثه الخاص، وإسقاط حكم الإدانة، واستعادة النياشين العسكرية، وإقامة جنازة رسمية له بعد موته.
وأردف دياب: “ما يهم الآن فيما يتعلق بمبارك هو الكيفية التي سيذكره بها التاريخ إذ أن موته سيعقبه جدال مفاده إذا ما كان الرئيس الأسبق لصا أم بطلا عسكريا، إذا ما كان مسؤولا عن الفوضى الراهنة في مصر، أم أنه أنقذ البلاد منها حتى خروجه من السلطة”.
عربي 21