وسومها على خشومها!

وسومها على خشومها!
م. عبد الكريم أبو زنيمة

من المُحزن والمؤلم ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين أن يكون المال السياسي عنصرًا فعالاً ومؤثرًا للمشاركة في الانتخابات، وأن يكون الثقل العشائري هو أحد المعايير الحاسمة والرئيسة في نتائج الانتخابات، وهنا لا بد من تأكيدي على احترامي للدور العشائري في قيادة وبناء المجتمع في زمن اللادولة التي كانت الأعراف والقضاء العشائري هو الفصل والمرجع النهائي لسيادة الأمن والسلم بين القبائل، لكن وبعد تأسيس الدولة وبسط نفوذها وإداراتها على كامل جغرافيا الوطن وفي ظل الدستور والقوانين الصادرة بموجبه فإن الأساس لبناء الدولة المدنية ونموها وازدهارها هو الديمقراطية والحرية بمفهومهما الواسع وما يفضي عنهما من شفافية وعدالة وتكافؤ للفرص وفصل حقيقي بين السلطات حيث تكون فيه السلطة التنفيذية تحت أعين ورقابة ومحاسبة الشعب لها من خلال ممثلي الشعب. للأسف بدلاً من أن تتطور الحياة الاجتماعية والسياسية بعد “100” عام من تاريخ إمارة شرق الأردن من المجتمع العشائري إلى دولة مدنية عصرية من خلال تحديث التشريعات كافة لتواكب التطور العالمي من خلال مجالس نيابية كفؤة وفعالة نجد أن الطبقة المهيمنة على الدولة “مؤسسة الفساد” اعادت تقزيم واختزال مفهوم الدولة بين التأثير العشائري وهيمنة رأس المال مستغلة السلطة لقمع الحركات الوطنية ومؤسساتها المدنية المطالبة بالاصلاح والحداثة، وما هذا القانون الذي ستجرى بموجبه الانتخابات الا اداة ووسيلة هدم لكل مفاهيم الاصلاح، بموجب هذا القانون فان مؤسسة الفساد ستجتر نوابها من المجلس السابق الاكثر انتماءاً وولاءاً واخلاصا لها أو على احسن تقدير تقوم بعملية نسخ – لصق لهم من المجالس السابقة من بين الاكثر تمثيلاً للحكومة وأكثر وفاءً وإخلاصًا لجيوبهم .. فغدًا سنترحم ونذرف الدموع على المجلس الحالي عندما يشكل المجلس القادم فكما يقول المثل “وسومها على خشومها”.
ما يبعث على الأسى هو أن نجد البيانات الحزبية الثورية تزاحم البيانات العشائرية معلنةً المشاركة بالانتخابات على أساس هذا القانون الذي وقعت بموجب إفرازاته اتفاقية وادي عربة وبيعت وخصخصت ممتلكات الدولة ومررت اتفاقية الغاز ورفعت الضرائب ونهب المواطن وتفاقمت المديونية إلى 40 مليار دولار وقمعت الحريات..و.. و..و.. الخ، فما هي المبررات التي ستسوقها هذه الأحزاب للمشاركة بالانتخابات؟ أتمنى أن تقنع جاهلا واحدًا بوجهة نظرها ما دامت النتائج محسومة سلفًا! وهل اليساريين والقوميين الذين سبقوهم واعتلوا قبة البرلمان تمكنوا من احداث أي تغيير يذكر في المشهد السياسي غير تجميل الديكور البرلماني بصبغة ولون المعارضة! “شراشيب الخرج بالمفهوم الأردني”
هناك ثلاث مرتكزات رئيسية للعملية الانتخابية تفهمها وتعيها جيدًا أحزابنا الثورية، المرتكز الأول هو القانون، هذا القانون مُفصل لافراز مجلس نيابي على مقاس وهوى الحكومة من أبناء العشائر المدعومين من الأجهزة الأمنية، ولتحقيق فوز أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين، أما المعيار الثاني فهو البيئة الانتخابية، هذه البيئة المفتتة أصلاً فيما بينها بموجب القانون نفسه وغالبيتها جائعة فلن تفكر بالمفاضلة بين الكفؤ والأكفأ مما سيتسبب بانحياز الأكثرية لأصحاب رؤوس الأموال لا لأصحاب الفكر والمبادئ والقيم، أما البيئة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية فهي الأسوأ منذ تأسيس الإمارة، وخير شاهد على ذلك الإجراءات غير الدستورية بحق نقابة المعلمين وتقييد الحريات العامة وحرية النشر والتعبير وتغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات، أما المعيار الثالث فهو إدارة الانتخابات؛ فعلى مدار تاريخ الأردن نعلم جميعًا كيف تدار الانتخابات وكيف يتم التحكم بها وضبط وتكييف نتائجها!
لم يدر في خلد أكثر المتشائمين أنه أمام مقاعد الزينة وتسويق ديمقراطية الفساد المحدودة للمناضلين والذي سيجري السحب عليها كما أوراق اليانصيب، وأن الهوامش والمسافات ستذوب وستتلاشى بين صراع الأضداد! اليوم نقول لكل من عايش ظلمات أقبية السجون ..ولكل من تشردوا وشُردت أسرهم .. لكل من نهشهم الجوع والحرمان …لكل من لم يعرف من طعم الحياة إلا مرها.. نقول لهم: نضالكم وتضحياتكم أفضت في زمن المال السياسي إلى فهم عصري جديد لديالكتيك المقاومة والمساومة …النضال الثوري والابتذال السياسي، وأنّ الكم الحكومي يكيف ويتحكم بالكيف الثوري، وأخيرًا.. نطمئن الجياع من العمال والفلاحين ونبشرهم بأنه قد حان موعد تحررهم … فالثوار قادمون لتحرير جزر المشمش في المحيط الانتهازي الكبير!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى