
كلام في السياسة !!
كثير ما نطالع تحاليل إخبارية ومقالات صحفية وحوارات متلفزة جل حديثها عن السياسة .
وفي السياسة كثيرا ما نخرج بانطباعات مزعجة ربما يكون لها التأثير اللبي على بعض العقول الشابة التي تتمرس الآن خلف كبسات الكيبوورد فهل حقيقة لدينا سياسة عقلانية ؟!
السياسة هي استشراق لما سيأتي بمعنى أن تفهم الحاضر لتقرأ المستقبل ، ومحاولات جادة لتداركه أو الانتفاع به كما هو تفهم للواقع ، ومن هنا ندخل إلى صلب الجواب الذي نبحث عنه نتذكر استشراقة جلالة الملك وتحذيرة من الهلال الشيعي ويومها كان الشيعة في ذروتهم من خلال إعجاب الناس بهم خصوصا حزب الله وحروبه الخطابية مع إسرائيل وصواريخ هيفا وما بعد هيفا ونانسي وما بعد بعد نانسي .
تحذير الملك وتنبيهه كان قبل سنوات رسالة سياسة واضحة العنوان ؛ ربما لم يلتقط هذا الأمر بعض العرب أو التقطوه وناموا والآن نجد أن التفكير الصحيح وقراءة الأحداث بشكل منطقي من منظور شخص بوزن جلالة الملك قد حدث ؛ فالهلال الشيعي حقيقة قائمة من بغداد إلى بيروت وربما امتد إلى صنعاء.
شيء آخر كان يلفت انتباهي حين بدأت الثورة السورية وأجمع العالم على أن الأسد سيسقط خلال أيام أو ربما شهور يومها قال جلالة الملك أن سقوط الأسد يحتاج لسنوات ويجب الحل سلميا ورغم حجم التصورات والتصريحات التي كانت تتبنى السقوط إلا أن نظرة الملك كانت هي الأقوى ، وكانت هي الثاقبة فالأسد لم يسقط والكل بات يطالب بالحل السلمي المفقود.
في أزمة الخليج الأخيرة بين قطر وبعض الدول الخليجية كان موقف الأردن من خلال هذه السياسة متوازنا ؛ صحيح أنه خفض التمثيل الدبلوماسي إلا أنه لم يصدر منه إساءة واحدة لقطر أو لأي جهة من جهات الخلاف، وهذا الأمر نظرة بالاتجاه الصحيح بحفظ الود مع الجميع ووجوب وحدة الصف العربي فالأردن لم يتبن أي موقف كان مع أو ضد إنما مارس السياسة بإتقان.
بمجمل ما قلناه تم الهلال الشيعي والأسد لم يسقط والازمة الخليجية إن عاجلا أم آجلا تتجه نحو الانفراج فالأردن حذر ولم يتدخل في شؤون أي بلد ونتيجة ذلك رأينا أن السياسة الأردنية التي يقودها جلالة الملك عبارة عن مدرسة جامعة ؛ فالملك عمل جاهدا على تأمين الأردن من كل النواحي السياسية فهو لم يعادي أحدا وبالتالي حافظ على منظومته قوية متماسكة وهذا يثبت أن من يقود سياستنا رجل محنك .
وحتى مع الإخوان المسلمين فإن رأي الأردن كان أن للأردن خصوصيته في التعامل مع ملف الإخوان المسلمين وهذا ما يسمى بالسياسة العقلانية والتصرف المرن .
ما نريد أن نقوله : أن لاخوف على الأردن في ظل قيادة تستشرق الأحداث مقدما وتنبه عليها وتثبت صحة وجهة نظرها دائما ، وبالتالي هي تبني على ذلك عدة أمور ومن ثم توضع الحلول المناسبة لتجنب البلاد أي خطر محتمل وبفضل هذه القيادة بعد الله بقي وطننا محافظا على نسيجه وأمنه وأمانه.
كل ذلك يثبت أن الأردن دولة تمارس السياسة باحتراف وتحاول أن تنأى عن أي اختلال وفي أي مجال ولكن المصيبة الكبرى في بعض الأبواق التي تنحاز لجهة على حساب الأخرى دون أن تفهم الدور الأردني .
وتجعل من الصديق عدوا وتتبدل كما يتبدل والنهار فتكون مواقفها مغيبة عن الموقف الأردني وإن حاولت أن تتبناه فإنها تسيء إليه كثيرا وربما تخرجه من مفهومه الصحيح إلى مفهوم خاطيء.
هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإن مصيبة التشكيك من البعض والتي اتبعت للتشكيك بأي أمر والاستهزاء به حتى صرنا نشعر أن التشكيك بات مرضا عند البعض إن تعافى منه مات. والغريب في الأمر أن من يمارس هذه السياسة كان يوما عنصرا في سياسة البلد ومؤيدا لها حتى إذا ما خرج أصبح يشكك بكل شيء ويتهم كل شيء إلا الزمان الذي كان فيه .
ما أختم به للسياسة أهلها وللتنظير أهله كما أن للتشكيك أهله فإن للحقيقة أهلها وهم الأقوى فالسياسة تبنى على استشراق وفهم للأحداث ولا يمكن أن تبنى على الفزعات والعاطفة وما دام هذا الوطن يكبر، اتركوه فلا المشككين ولا المنظرين ولا المغردين.
ولا رواد الفضائيات الذين يتبدلون كما يتبدل الليل والنهار بأقدر على فهم ما يجري من قيادتنا فالوطن يا سادة ليس منصبا ولا حفنة دولارات ، ولا هو كرسي ولا استعراض كلامي وتبدل مواقف ….وفي النهاية ليس خطابات رنانة ووعودا إنما هو أمل.

