﴿بيض ديch﴾

﴿بيض ديch﴾
شبلي العجارمة

ذات يوم قالت لي أمي إن دجاجتنا الرزية شکلها قعادة خذلي هالسلة ولفلف علی جاراتنا وجيبلي ١٥ بيضة ديch عشان نقعدها عليهن ، تجرأت بالسٶال وقلت يا أمي طيب وعشرين البيضة اللي کل يوم نلمهن من الخم من تحت دجاجاتنا وليش ما نقعدها عليهن ؟، فقالت أمي يا ولد ديکنا مشم لو تشوف عرفه أحمر ونافش ريشه ويعاعي علی الفاضي والمليان وما يکبس الدجاجات لأنه هو وقلته واحد، لم أتجرأ بسٶالٍ آخر لأمي أو لم أود المخاطرة أکثر بسٶال سيکون ثمنه شبشب أمي البرتقالي کاش وحفايات إخوتي الصغار البلاستيك فراطة تتناثر علی ظهري، أخذت السلة وقمت باللفلفة علی جاراتنا کي ألم الخمسة عشر بيضة ديch، مع أني لم أعرف حينها ما معنی بيض ديch ، لأن خبرتي لم تنضج بعد في تفريق الفحولة من اللافحولة، أو ما هو الفرق بين الفرخة والديch ، علماً أن البيض کله ذو شکلٍ واحد وحجمٍ واحد ولون واحد !.
لا زلت أذکر ذلك السطل المصدي المقصوص وکل العاٸلة منشغلة في شحدة التبن والقش من عند جيران الحي ، ولا زال ذلك الخم الصغير المغطی بالخيش لتلك الدجاجة الرزية الذي صنعته أمي لها حاضراً في ملاعب طفولتي ، کان خمها لا يتسع إلا لعبلة حليب صغيرة صدٸة فارغة للماء وحفنة شعير نثرتها أمي لها إغراءً لتلك الدجاجة الرزية لإقناعها بخمها المميز الجديد بکل تلك الاستقلالية إغراءً لها بالرقود علی بيض الديch .
في يوم من الأيام وقبل موعد فقس البيض بخمسة أيام أذکر دخلت أمي المستشفی لمدة أسبوع، کان غياب الأهل في ذلك الزمن بالنسبة لطفولتنا العشواٸية والهامشية هو فسحة من الحرية وضرب من الفوضی غير الخلّاقة، التسکع مع أولاد الحارة ، نسيان للوصايا العشر لأمي مثل سقاية حوض النعنع وإطعام الکلب وعدم الخروج من البيت وعدم نسيان وإهمال الدجاجة الرزية القعادة من الماء والعلف الخ، لکني تذکرت الدجاجة الرزية بعد يومين من وصايا أمي ، حين تذکرتها کان الآوان قد فات ، وانتهی کل شيء ، کانت الدجاجة الرزية قد صارت من دجاج الجنة کما أقنعنا الأهل بأن الأطفال حين يموتون صغاراً هم طيور للجنة لکننا کنا ولا زلنا طيور علی شاکلة قلوب من جمر وأجنحة من رماد ، والبيض الذي کانت ترقد عليه قد تجمد ، لم يعد لذلك الخم وأثاثه بسطله المصدي وتبنه وقشه المشحود من عند الجيران وکل رفاهيته تلك أدنی قيمة.
قام أقراني من أولاد الجيران بمساعدتي بالتخلص من الدجاجة والسطل والبيض وهدم الخم الذي شغل أسرتنا ذات يوم ، کنت أسأل عن موعد خروج أمي من المستشفی وبکل حرارة السٶال الذي أطرحه علی نساء الحي ، وکنّا أنا وأولاد الحارة نختلق قصةً لإقناع أمي بأن الدجاجة قد تم سرقتها هي وبيض الديك والسطل في الليل من قبل لص مجهول ، وأن أحد أولاد الحارة کان قد استعد للإدلاء بشهادته بأنه سمع طقطقة وصوت مريب عند خم دجاجنا وخاف من ذلك الصوت ونام .
خرجت أمي من المستشفی ، وبعد أن غادرت نساء الحي اللواتي جٸن لزيارتها في بيتنا کان قلبي قد بلغ حنجرتي ، فأخبرت أمي بمصير الدجاجة وأنني غداً سأحضر إبن الجيران ليشهد معي علی تلك الکذبة التي لا أعرف إلی هذه اللحظة هل هي بيضاء أم سوداء ، تجرعت أمي الخبر بکل مرارته وقالت ” يا الله يمه يعوض الله اللي يروح من الحلال يفدی العيال“ .
حين کبرت صار بيتي يطل علی مکان خم تلك الدجاجة الرزية المسکينة التي قتلتها بنسياني وإهمالي ، قتلتها أکثر من مرة ، قتلتها مرةً بالعطش ومرةً أخری بالجوع ومرةً أخری بعدم فتح باب الخم لتبدل الهواء في حوصلتها ومرةً أخری بحرمانها من أشعة الشمس، وأجهزت عليها حين هدمت بيتها و أخفيت قصة موتها وأبقيت نهايتها مفتوحة في مخيلة أمي المسکينة الطيبة ، فقد تجاوزت في أولی جراٸم قتلي البريٸة بأنني أشعت أن في الحارة لص يسرق الدجاج والبيض وأثرت الرعب في قلوب العجاٸز مما استدعی بقية الجيران بتربية الکلاب لحراسة البيوت کي لا يتجرأ لص الدجاج الافتراضي بالدخول إلی البيوت .
کان ابن الجيران يبتزني بثمن شهادته الزور بأخذ بيضة کل يوم مقابل أن لا يخبر أمي بالحقيقة عن لغز نهاية الدجاجة الرزية ، کلما مرت الأيام وابتعدت الحکاية زاد طمع إبن جيراننا بالمزيد من البيض.
مرض دجاجنا ومات کل من في الخم ولم يبق لدی أمي سوی دجاجة سمراء واحدة کانت تبيض بيضة واحدة في اليوم ، جاء ابن الجيران وقد تطور ابتزازه لي فطلب الدجاجة السمراء بذاتها، أخبرته بأننا سنذهب لزيارة جدتي نهاية الأسبوع وقد أخبرته بمکان الدجاجة السمراء وأعطيته الضوء الأخضر بأخذها وکيس العلف معها کصفقةٍ أخيرة لإسدال الستارة علی مسلسل الابتزاز لابن الجيران .
حين عدنا کنت أول من بکی علی الدجاجة وأظهرت الحزن ، واستدعيت ابن الجيران اللص وشاهد الزور الذي صنعته إنا بيدي کي يبحث معي في کروم العنب وسٶال الجارات عن دجاجتنا السمراء ، کان يبحث معي لدرجة أن أمي قالت ” يا هالعيل الله يحفظه ويخليه لاهله “، لم تعرف والدتي أنها کانت تدعُ لشاهد زور ومبتز ولص ، ولم تعرف أن من جاء بهذا اللص هو ابنها الذي کانت تطعمه بيض الدجاج وتبيع جزءاً منه لشراء الدفاتر والسکر والعدس والکعك ، وحين جاء ذات يوم العم خليل البياع الدواج علی حمارته البيضاء الضخمة کانت نساء الحي قد اجتمعن حوله للشراء ولمقايضته بالبيض والدجاج والزغاليل والأرانب مقابل القماش وملابس الصغار والکحل ، يومها أذکر وجدت أمي الدجاجةالسوداء في قفص الحاج خليل وعرفتها وهل تخفی دجاجة أمي السمراء علی عينها ، لم يکذب العم خليل کما فعلنا فکان ابن الجيران قد انتظر العم خليل البياع علی مدخل القرية وباعها له مقابل زوج زغاليل حمام .
لم تستغرق اعترافاتي أکثر من أربعة شباشب وکمشة صنادل بلاستيك حتی اعترفت بکل تلك الجراٸم البيضاء وربما السوداء لا أعرف؟.
برغم کل ما جری لم أعرف إلا قبل حين ما هو بيض الديch واکتشفت أن الديوك لا تبيض في الحقيقةً إلا مجازاً شعبياً، وأن مقاييس ومعايير اختيار الديوك لدی تقليد العجاٸز قديماً کما تعلمنا ما هي إلا محض استخفاف وهراء لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإن عُرف الديك وإن زاد احمراره أو علا صوته أو أدوش الدجاج والحارة بالمعاعاة أو بالغ في نفش ريشه وطارد الدجاج فکل ذلك إن لم يغني العجاٸز عن اللفلفة من أجل جمع بيض ديوك الجارات مجرد کومة ريش ذات عرف أحمر وصوت يبحث عن الفراغات ومساحات الصدی في الخم الزاٸد عن حديقة البيت وتحت ظلال شجرة التوت العقيمة في فصولها الأربعة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى