مُجتمعاتنا العربية ……وقابليُتها للاستعمار

مُجتمعاتنا العربية ……وقابليُتها للاستعمار
Our Arab Communities And Susceptibility to colonization
دكتوره مجد خليل القبالين
دكتوراه علم اجتماع / علم الجريمة


جاء استخدامي لمُصطلح القابلية للاستعمار( او عبودية القرن الواحد والعشرين) من كتاب المُفكِر الجزائري مالك بن نبي (شروط النهضة) والذي يُعتبر امتداداً للمُفكِر التونسي ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون.
تبدأ عملية زراعة بذور (القابلية للاستعمار) اولى خطوات ضعف الأُمة وهزيمتها ، وهي حالة تُصيب الشعوب فتستخذي الهزيمة وتقبل الاستسلام للخصم (المُستعمِر) والوقوع تحت سُلطته ، والقابلية للاستعمار اسوأ ما يحدُث كنتيجة لصراع الحضارات ، فالشعب القابل للاستعمار يُعيد تعريف حضارته ، وادبه ، وتاريخه ولغته ، وثقافته وفقاَ لرؤية المُستعمِر فينسلخ عن اصوله ، ويستقبح من ذلك ما يستقبحه المُستعمِر ، ويستحسن منه ما يستحسنه المُستعمِر ، وخلال هذه العملية يتخلص من مظاهر القوة في ثقافته ومن كُل ما يُميزه عن مُستعمِره.
ويندرج تحت مُصطلح القابلية للاستعمار العديد من الهزائم تبدأ كُلها بالهزيمة الداخلية : اي ان تشعُر الشعوب ان بقاءها مرهون بوجود المُستعمِر وتأييده والرضا بالسير في ركابه والعيش في كنفه وتقليده والانقياد والرضوخ والخنوع لهُ لتضمن البقاء تحت سيادته فتُصبِح الهزيمة الداخلية كسيل يجرف كُل ما يجده في طريقه وتؤدي الى الهزائم الكُبرى والخارجية فتتمظر الهزيمة الداخلية عبر افراز شعوباً اتكالية وشعوباً مُستهلِكة لا مُنتِجة ، وشعوباً ابتعدت عن الاعتزاز بتاريخها وحضارتها ، وشعوباً لا تثق بما تصنعه محلياً ومن يديها حتى في نظامها التعليمي فتظهر ازمة الثقة وتستفحل بين الشعوب ومن يُديرها.
ويسعى المُستعمِر لإنشاء ظاهرة القابلية للاستعمار عندما يُريد استعمار المغلوب على امره مُستخدِماً عدداً من الوسائل كأساليب تهيئة للشعوب نفسياً لتكون جاهزة للاستعمار وليتم استعمارها دون ان تشعُر بذلك ويتم الاستعمار برضاها ، وليس فقط كذلك بل يتجاوز الامر للدفاع عن مُستعمِرها واتخاذه قدوةً لها في كُل شيء حتى في مظاهر الحياة اليومية ، ويتم تكوين وصناعة هذه الظاهرة ( ظاهرة القابلية للاستعمار) من خلال ادوات اقتصادية ، وسياسية ، وعسكرية ، واعلامية ، واجتماعية ، فالقوة المُفرِطة والاعتداء على كرامة الشعب والسُخرية بثقافته وهويته وخياراته القصد منها كسر ارادة الشعب وتحطيم خيار المُقاومة عنده وهزيمته النفسية ، وتشويه تاريخ الشعوب وتزوير تاريخها من اهم الوسائل المُتبعة لتهيئة الشعوب لجعلها لديها القابلية للاستعمار وقتل اي فُرصة لتعتز الشعوب بماضيها وتاريخها.
وتتمثل الادوات الاقتصادية بإغراق الدول العربية بالديون وجعلها مُقيدة بشكل كامل وتابعه لصندوق النقد الدولي ، وسحق اي فُرصة لجعلها تستقل مادياً ، و وضع رموز فاسدة لا تعرف كيف تُدير الشؤون الاقتصادية وتستنزف مواد الدولة ، ووضع شخصيات هزيلة في المكان الخطأ وعدم وضع كفاءات بشرية للإشراف على المشاريع الاقتصادية التي من شأنها ان ترفع من مستوى التنمية الاقتصادية وتُدير عجلتها ، وجعل الدول العربية مُقتصِرة على الصناعات الصغيرة فقط التي لا تتجاوز حدود صناعة بعض المواد الغذائية وعدم الارتقاء بمستوى الصناعات المحلية للصناعات الثقيلة كصناعة السيارات والسلاح ، وعدم الثقة حتى بنظامها التعليمي وخريجي جامعاتها ، كُل ذلك من شأنه ان يؤدي الى تهميش كل ما تُنتِجه الدولة محلياً وتثق فقط بكل ما يُنتجه المُستعمِر او الغالب ، فيتم تحريك عجلة التنمية الاقتصادية للمُستعمِر (الغالب) وايقاف عجلة التنمية الاقتصادية للمُستعَمر(المغلوب).
اما الادوات العسكرية المُستخدمة لغرس بذور ثقافة القابلية للاستعمار فتتمثل في عجز الدول العربية عن صناعة السلاح واستيراده من الخارج ( الدول المُستعمِرة) وقيام الدول الغالبة بتصنيع اسلحتها وافتعال الحروب لتجريب سلاحها في منطقة الشرق الاوسط وترك الاقليم متوتر وغير مُستقر لعدم منحه فُرصة النهوض والتنمية ، وخلق حالة من الترهيب وتخويف الشعوب المُستعمرة من الدول المستعمِرة او الغالبة . والادوات السياسية تتمثل بوضع رموز سياسية فاسدة غير قادرة على ادارة الدولة وملفاتها بشكل صحيح ورموز تنظر للمناصب على انها تشريف وليست تكليف وتفتقر لكُل معاني الولاء والانتماء للوطن.
اما الادوات الاعلامية فتتمثل في انفتاح الدول العربية بشكل مُفاجئ على التكنولوجيا وعدم اتاحة الفُرصة الكافية لها لاستيعاب التكنولوجيا ، مما ادى ذلك لحصول الفجوة الثقافية بين عناصر الثقافة المادية (الهاتف ، السيارات) وعناصر الثقافة غير المادية ( الفكر ، الوعي) ، وهذا بدوره ادى الى العولمة الاعلامية فنشأ لدينا مُجتمع لبس قشرة الحضارة ولكن بقيت روحه جاهلية ، وادى كُل ذلك الى سوء استخدام التكنولوجيا بسبب سوء فهم التكنولوجيا ومعرفة كيفية استخدامها من الاساس ، على اعتبار ان التكنولوجيا اصبحت احد اهم اذرُع العولمة التي تُشارك بعملية تربية الاجيال بشكل سلبي ويرجع السبب في ذلك لمُستخدمي التكنولوجيا وليس التكنولوجيا نفسها ، وتعليب عقول الشعب من خلال الادوات الاعلامية والهاء الشعوب العربية بالجنس ، والرياضة ، والسياسة (والتي تُعتبر من اهم بروتوكولات الصهيونية لإلهاء الشعوب) واشغال عقولهم بكل شيء من شأنه ان يُبعدهم عن فكرة محاولة التخلُص من الاستعمار والاعتماد على الآخر والافتخار بأنفُسهم.
اما الادوات الاجتماعية فتُعتبر ايضاً كنتيجة للأدوات الاعلامية لغرس بذور ثقافة القابلية للاستعمار وتغيُر ادوار كُل من الرجل والمرأة وصراع تلك الادوار وبالتالي التقصير في عملية التربية ، وتحويل النظام العالمي الى النظام الرأسمالي الذي يقوم على فكرة الصراع بشكل اساسي ودخول العولمة لنا بجميع انماطها واشكالها حتى العولمة اللغوية (الكتابة ب العربيزي) ، والعولمة الاجتماعية ، والعولمة الاعلامية ، فتُصبِح فكرة القابلية للاستعمار مُتعدِدة الجوانب فيُصبح الاستعمار….. استعماراً فكرياً ، واقتصادية ، واعلامياً ، واجتماعياً في نفس الوقت.
ان مُكافحة ثقافة القابلية للاستعمار لا يُمكِن ان تتم الا بالصحوة الكاملة للمُجتمع وتعزيز الانتماء للتُراث والتاريخ واللغة ، ولا تتم بمعزل عن اعادة النظر برموز السُلطة وانعاش التنمية بكافة جوانبها ….التنمية الاقتصادية ، العسكرية ، الاعلامية ، الفكرية ، الثقافية ، الاسرية .
وقبل كُل شيء………….
يجب على كُل فرد ان يُحصِن نفسه من نشوء ثقافة القابلية للاستعمار ويتصالح مع نفسه وان لا يُهزم داخلياً ، فالهزائم الداخلية تُعتبر الشرارة الاولى لباقي جميع انواع الهزائم اللاحقة ، فالمُستعمر يبحث عن فئة الشعوب التي لديها القابلية للاستعمار والتي تعيش هزيمة داخلية لأنهُم رُسله الذين يوطئون لمقدمه ويمهدون البلاد له.
والمؤمن القوي احبُ الى الله تعالى من المؤمن الضعيف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى