موقف عمومي

موقف عمومي
د. هاشم غرايبه

عندما يكون الحديث في تقليعة العصر الراهنة وهي (الجندرية) أي المساواة بين المرأة والرجل في كل شيء، فالرد إن التشريعات الإسلامية قد ساوت بين الجنسين في الحقوق والواجبات، لكن المساواة التماثلية المطلقة غير ممكنة، لأنهما جنسان مختلفان وظيفيا، وشراكتهما (الزواج) هي الوسيلة الوحيدة لتكاثر الجنس البشري، وهذه الشراكة ترتب على كل منهما متطلبات وعليه التزامات لا يمكن التبديل فيما بينها.
يرد أحد المتحمسين للـ(الجندرة): إذا كانت هنالك مساواة في الإسلام، فلماذا لا يجيز للمرأة تعدد الأزواج مثلما أجازها للرجل؟.
الجواب هو لأن ذلك نقيض الفطرة، فلو استعرضنا طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى في كل الكائنات الحية، لوجدنا انه حتى في النباتات، هنالك ثنائية جنسية، وتلاقح بهدف التطور الى الأفضل في الأجيال الجديدة، وأما في المملكة الحيوانية فهنالك دائما ذكر وأنثى يلتقيان لإنجاب أفراد جدد، والوسيلة لذلك واحدة، من القملة الى الفيل.
وفيما عدا الإنسان المتميز بالعقل والإرادة، جعل الخالق لكل الكائنات الحية الأخرى ضابطا غريزيا موحداً لا دخل فيه لرغبة الحيوان، ففي موسم التزاوج يبحث الذكر عن أنثى، ويسعى لنيل قبولها به بكل السبل، وعندما يتم التزاوج يغادرها، وقد يبحث عن أخرى، لكن الأنثى لا تقبل ذكرا آخر بعدها.
هنالك أنواع محددة من الطيور التي يحتاج بيضها الى رقود متواصل حتى يفقس، كالحمام، لذلك يبقى الذكر مع الأنثى لمدة محددة، ليتبادل معها الرقود عليه، لكن العناية بالصغار بعد الفقس وإطعامهم الى يقووا على الطيران يبقى من مسؤولية الأنثى.
دائما هنالك ذكر يظفر بالأنثى، ولكن هنالك حالات تُغلب الأنثى على أمرها كالقطط، عندما تحاصر من بضعة ذكور شرسة يحاصرونها الى أن ترضخ خوفا من بطشهم.
حتى في المجتمعات الحيوانية التي لا تكون فيها إلا أنثى واحدة، كالنحل، فعندما يحين موعد التزاوج تنطلق الملكة صعودا، ويلحق بها الذكور، وتظل بأجنحتها القوية تسبقهم، فيما يتساقط دونها الذكور صرعى واحدا تلو الآخر، إلى أن ييبقى أقواهم فيفوز بها.
هكذا نجد أن لا علاقة جنسية بين ذكر وأنثى في أي نوع من الكائنات الحية إلا بهدف الإنجاب، وفي القطعان يبقى الأفراد من الجنسين معا طوال العام، لكن لا يتودد أي منهم للآخر كما يفعل في موسم الإخصاب، كما أنه في كل الأنواع لا ترتبط أنثى إلا بذكر واحد مهما كثر الذكور في القطيع، لكن قد يتصل ذكر بأكثر من أنثى كما في البقر والأغنام والدجاج.
وكلما ارتقت الحيونات في سلم المملكة الحيوانية، تقل المشاعية في العلاقة الجنسية، لتنحو نحو التخصص، وفي الحيوانات البرية قد تجد قطيعا من ذكر ومجموعة إناث، لكنك لن تجد قطيعا من أنثى ومجموعة ذكور.
هذه هي أساسيات العلاقة بين الجنسين، نراها بوضوح في العلاقة الغريزية في كل الحيوانات.
منها نستنتج جوهر العلاقة ذاتها عند الإنسان، الأرقى منها جميعا، لأنه يملك العقل والإرادة، فبهما مجتمعان يمكنه تحديد خياراته وفقا لمصالحه، لكن هنالك تقاطعا غريزيا أوجده الله فيه قد يكون أقوى تأثيرا، وهو الشهوة الجنسية، بهدف دفعه الى التزاوج، كما أوجد الله عاطفتي الأبوة والأمومة كأقوى العواطف، بهدف بقاء الأبوين مع صغارهما لرعايتهم وحمايتهم، ولأن دافع الشهوة الجنسية يتلاشى فور انتهاء المجامعة، لذلك جعل الله بين الجنسين مودة ورحمة لكل يظلا متعلقين ببعض، ولا تكون القوة الدافعة لذلك هو العلاقة الجنسية فقط.
هكذا أصبحت هذه العلاقة بين الرجل والمرأة خاضعة لجملة متداخلة من الدوافع الفطرية، تصب جميعها في الربط بينهم بقوة وديمومة، وبذا يكون الزواج الإستجابة الأرقى للفطرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى