
د. #هاشم_غرايبه
يسهل كثيرا على الناس الحكمة بأثر رجعي، وخاصة عندما يكون المرء قليل الهمة، فهؤلاء يميلون الى انتقاد الآخرين، وتسفيه آرائهم، كتبرير لتقاعسهم.
من هنا رأينا أنه في كل عدوان من الكيان اللقيط الذي هو رأس حربة الغرب ضد الأمة، نجد الأنظمة العربية المنبطحة تلوم المستهدفين، ولا تلوم المعتدي، ودائما تحمل الضحية المسؤولية عن الخسائر البشرية والتتدمير الذي ألمّ بالمنطقة التي صب عليها المعتدي حممه، مبررة له جريمته بأنها جاءت ردا على استفزاز من المقاومين الرافضين للخنوع له، ولو أنهم استسلموا لما فرضه عليهم ما نالهم الضر.
إن مبرر قيام الدول أصلا ليس لأجل أن يكون لها علم ونشيد وطني، ولا ليتغنى المغنون بزعيمها المفدى، بل لحماية شعوبها من المعتدين، وتأمين حياة كريمة لهم، لكن الأنظمة التي ابتليت بها أمتنا مختلفة عن باقي الأمم، فهي مستبدة صاحبة القرار الأوحد، فهي لا تُسأل عما تفعل، ولاتخضع للمساءلة عما لم تفعله، من اضطلاع بواجبها الأساسي وهو ردع المعتدين والغزاة.
صبرت الشعوب على تقاعس حكامها قرنا كاملا، وصبر أهل فلسطين على وعود سلطة أوسلو بالحفاظ على ما تبقى منها في الضفة والقطاع أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وفي كل يوم كانت ظروفهم تسوء أكثر، وتزداد اعتداءات العدو عليهم، وتقضم أراضيهم وتهدم بيوتهم، والأنكى انهم يرون الأقصى تنتهك حرماته ومهدد بالتهويد، والرعاية التي نصت عليها اتفاقية وادي عربة باقية حبرا على ورق.
ولما يئس هذا الشعب المظلوم شكل قاعدة حربية لمقاومة مسلحة في السر، وهداه الله لفكرة الأنفاق، فتجاوز بذلك المحاصرة والمراقبة الشديدين من قبل العدو ومن الأنظمة، فكانت عملية طوفان الأقصى الصادمة للكيان اللقيط ولمسانديه من الغرب وللموالين له المطبعين معه من العرب.
ولأنها بذلك الهجوم المظفر تسقط شرعية الأنظمة الحاكمة، لذلك فهي تستنكره وتعتبره خروجا على طاعة ولي الأمر، مدعية أنها تؤدي واجبها، بالتفاوض معه لتجنب شعوبها ويلات الحروب، مع أنها تعلم أن ذلك يعني الخضوع لهيمنته.
كل ذلك كان ليبقى مدار جدل بين الطرفين: المقاومين والاستسلاميين، لولا أن أمتنا تنفرد من بين الأمم بأن لها مرجعية شرعية هي منهج الله، يفصل في كل جدال، ويحسم كل أمر.
لذلك استبقت الأنظمة الأمر، فلجأت الى توظيف بعض من الشيوخ المستعدين لبيع دينهم بعرض الدنيا، ووجدوا ضالتهم في بعض المنتمين للحركة الوهابية السلفية وفروعها، الذين قدموا تغطية لمخالفتهم لشرع الله وتقاعسهم بحديث “ولو جلد ظهرك”، والذي لو صح فهو يعالج حالة حاكم الدولة المسلمة المتبع لمنهج الله وليس الدساتير العلمانية، وفوق ذلك فهو الذي يتم اختياره ببيعة الأمة، وليس الذي يفرض عليها من قبل المستعمر، فقالوا بناء على فتواهم المزورة بأن طاعة الحاكم واجب شرعي، حتى لو خالف الشرع، متناسين بذلك الحديث الصحيح الناقض له وهو: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.
المأساة تكمن في بعض من ينخدعون بتضليل هؤلاء المشايخ أو يتبعونهم لنيل عطايا الحكام، هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، لذلك هم الأخسرين أعمالا لأنهم يعتقدون أن عباداتهم ونوافلهم ستنجيهم من غضب الله، الذي يحل بكل من خالف نصوصا قرآنية، وياملون بأن يزحزلوا عن النار التي توعد الله تعالى أنها ستمس كل من ركن الى الظالمين، فإذا كانت جهنم مصير من يركنون الى الظالمين، فكيف بمن يناصرونهم ويؤيدونهم ويبررون أفعالهم!؟، لا شك أنهم الأولى بها صليا.
مما نشهده من صمود المقاومين الذين نفذوا عملية الطوفان أمام حشود أحزاب هذا العصر، ورغم ملايين الأطنان من جحيم الأسلحة الأشد فتكا في التاريخ، ما تحقق ذلك إلا لنصرة الله لهم وتثبيته لأقدامهم وتصويبه لرميهم، نتوصل الى أن المجاهدين هم من الفئة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
وأن القالين لهم والمشككين بجدوى جهادهم والموالين للعدو عليهم، هم من المنافقين الذين توعدهم الله تعالى بالدرك الأسفل من النار.