موقف عمومي

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

التعددية هي سمة بشرية أساسية، هكذا أراد الله البشر عندما خلقهم، مختلفون مظهرا في اللون والعرق، ومختلفون جوهراً في الفكر والفهم والقدرات والعمر، وليسوا كالملائكة المتماثلين صلاحا وطاعة، ولا كالحيوانات كل نوع منها متشابه في التصرفات والإنفعالات والقدرات.
وكان ذلك لحكمة أرادها الخالق، فالتباين ينتج الحيوية والتطور، واختلاف الآراء يؤدي الى نشوء الفكرة الأصوب، لأن اختلاف الرؤى يفتح آفاقا أرحب، كما أن النقاش يحفز العقل للتفكير والبحث من أجل دحض الحجة المخالفة.
المجتمع المثالي والمدينة الفاضلة ظلت حلم الفلاسفة منذ القدم، وبعد قرون من الجدل فهموا أن ذلك لن يتحقق بسبب هذه الطبيعة البشرية ..التعددية.
ولما كان الإنسان مزودا بفطرة الخير أصلا، فما يحتاجه المجتمع هو ضبط النزعات الفردية الأنانية، وتقويم مخرجات هذه النزعات (الإنحرافات السلوكية)، وليس منعها بالمطلق، فذلك يستحيل مع طبع النفس البشرية التي جبلت على الحرية والرغبة في الإنعتاق من القيود ورفض العيش داخل حواجز، لذلك هداهم الله الى الضابط الأكثر حكمة: الدين.
فكان السبيل الأمثل وضع علامات دالة تبين درب السلامة (الهداية)، وإشارات تحذيرية من المطبات والمهالك (تشريعات الحرام والحلال)، ثم مخاطبة العقل (الرسالات السماوية) لكي يتبين كل إنسان مصلحته، من غير إكراه ولا قسر.
كان الناس سيتبعون الهدى لو كان الإحتكام الى المنطق، لكن المصالح أقوى، ولأن الدين يسوي بين الناس ويحد من الأطماع، لذلك كان أصحاب النفوذ (المال والسلطة) هم أول من عاداه ووقف في وجه المرسلين، ولما كان الدين أيضا ضابطا للشهوات والأهواء، فقد انضم الى هؤلاء كل من تحركه النزوات ولا ينتهج الإستقامة، وهؤلاء هم غالبية المجتمع، لذلك بات المتمسكون بالدين قلة.
القلة المهتدية هذه، كلفهم الله بدعوة غيرهم بلا إكراه، ورغم أنهم لا يشكلون تهديدا لغيرهم، إلا أنهم تعرضوا على الدوام لحرب ضروس وعداء شديد من غير المؤمنين أصحاب النفوذ.
هذه الحرب الشرسة ضد الدعاة الى تطبيق منهج الله لتنظيم حياة المجتمعات، اتسمت بأوجه متعددة متدرجة في القسوة والصرامة:
1 – تبدأ بالحرب النفسية: بالتشكيك في صدق نوايا هؤلاء الدعاة، فينعتونهم تارة بالإسلامويون وتارة بالمتأسلمين للطعن في صدق انتسابهم للإسلام، فأنى لأحد أن يمتلك الآلية المعيارية للحكم على دخائل الناس وتقرير صدقهم من كذبهم؟، أو كان ذلك اتهاماً بأنهم يتظاهرون بالإسلام انتفاعاً، فما هي المنفعة الدنيوية إن كان المسلم ملاحقاً دائما بشبهة الإرهاب، وعرضة للإعتقال أو القتل؟.
2 – المحاصرة والملاحقة: ففي حين يسمح لأتباع كل العقائد القديمة، سواء الكتابية أو الوثنية، بالعمل العام والتنظيمي لنشر أفكارهم، فإن المسلمين فقط يحظر عليهم ذلك بذريعة أنه مخالف للعلمانية.
فترى الأوروبيين يعتبرون أنفسهم حماة العلمانية، إلا أنهم في التطبيق متحيزون، فدولهم منافقة إذ تحظر على المسلمين ارتداء ملابس شرعية بحجة أنها رموز دينية، رغم أن سبع دول أوروبية تضع الصليب على أعلامها.
كما أنهم يسمحون بإنشاء أحزاب أو جمعيات بمسمى مسيحي، ولا يعتبرون ذلك مخالفا للعلمانية، لكن إن كانت يافطتها إسلامية، فذلك ممنوع ولو كان 99 % من سكان ذلك البلد مسلمين.
وفي حين أنها تدّعي أن الليبرالية تحترم الخصوصيات الثقافية، لكنها تحرم المسلمين المقيمين فيها من حقوق المواطنة إلا إذا أثبتوا اندماجهم في ثقافتها، والذي يعني التخلي عن ثقافتهم وعقيدتهم.
3 – الحرب الفكرية: وأوضح ممارسة كانت في برنامج أتاتورك لمحو الإسلام من عقول الأجيال، فحوّل اللغة الى الحرف اللاتيني لكي تنشأ أجيال منقطعة عن تاريخها ولا تعرف القرآن، ويمارس مثل ذلك في الأقطار العربية بتغيير مناهج التعليم لكي تكون بلغات أجنبية لتنتج أجيالا جاهلة بلغتها وتاريخها ولا يمكنها قراءة القرآن.
4 – الحرب العسكرية: وهي الوسيلة الأخيرة، بعد إذ فشلت كل الوسائل السابقة لاجتثاثه أو صد الناس عنه، فوصموه بالإرهاب لتبرير البطش بمتبعيه.
إن تزايد الداخلين في الإسلام يوميا، يثبت فشل معادي الدين في محاولاتهم، والدليل هو تخليهم عن الحروب الناعمة، وانتقالهم الى البند الرابع في شنهم “الحرب على الإرهاب”، وتخليهم عن الأقنعة البراقة كالديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهكذا يُحق الله الحق، ويبطل الباطل…فالتعددية والحرية الفكرية وضمان حقوق الإنسان، هي مواصفات إسلامية بامتياز، ومن صلب العقيدة، والآخرون يمارسونها بنفاق وانتقائية.

مقالات ذات صلة
المصدر
موقف عمومي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى