
موطوط موطوط / رائد عبدالرحمن حجازي
المكان مضافة المختار مثقال , والزمان إحدى ليالي الصيف المقمرة . ها هم رجالات القرية يتوافدون على مضافة المختار ليُزيلوا عن قلوبهم بعضاً من الهموم ويُريحوا أجسادهم المتعبة من أعمال الفلاحة الشاقة .
سعد (أبو عزام) كان أخر الواصلين وكان لقبه (السنينوة), ولكنه كان يمتعض من مُناداته بهذا اللقب. المهم في الأمر خلع سعد نعليه وتبادل السلام مع الحضور واتخذ له مجلساً في المضافة , وللصدفة كان من يقابله صديقه وحبيبه فليحان . فليحان ومن باب المزاح مع سعد قام بحركة أثارت حفيظة سعد , ألا وهي ضم يديه الإثنتين لصدره وراح يُحرك كفيه للأعلى والأسفل كجناحي الطائر وكانه يقول له هلا بالسنينوة. لم ينتبه أحداً من الحضور لهذه الحركة إلا أن سعد رد عليه وقال له : بتدري والله إنه وجهك أسقع من طين الِشّتاَ . وهنا التفت الجميع لسعد ومنهم المختار حيث قال له : له .. له يا أبو عزام وشّو هالحتشي هاظ !
أجاب سعد: ما تقول لفليحان وشّو هالحتشي هاظ ؟
المختار : ليش شو ماله فليحان ؟ لا حتشى معك ولا أجا تلاك .
سعد : مهو أنتوا ما شفتوهوش وهو قاعد بلولح بإيديه مثل فزاعة المقاثي .
ضحك الجميع وتوجهت الأنظار لفليحان الذي ضحك هو الأخر وقال : الله يسامحك يا أبو عزام بظحك معك . لكن سعد (أبو عزام) ازداد غضباً وقال لفليحان : يسعدلي إياك يا موطوط . هنا استشاظ فليحان غضباً ونهض من مكانه وغادر المضافة وهو يقول مخاطباً سعد : عليّ ومن شاربي ما بقابلك مرة ثانية يا سنينوة . ليرد عليه سعد وهو يضحك : ئي .. ئي أنو شارب هاظ , مهو أنت موطوط .
غادر فليحان غضباناً وقهقهات الجميع تملأ أُذنيه .
بعد ذلك قال المختار لسعد : لويش هيتش عملت مهو أنت عارف إنه بتعوذ من تشلمة موطوط .
سعد : لعاد يحتشيلي سنينوة وأظل ساكتله هالموطوط .
المختار : بسيطة يا جماعة الخير غد بنتعلل عند فليحان وبنطيّب خاطره , وأنت يا سعد بتبقى تحب على راسه فاهم .
سعد : مثل ما بدك يا مختار .
قد يتساءل البعض ما معنى موطوط ؟ أقول لكم هي أصلها من الوطواط , حيث كُن النساء قديماً في حال ولادة الطفلة يمسحون جسمها كاملاً بدم الوطواط ما عدا الرأس ظناً منهن بأن دم الوطواط يمنع نمو الشعر لتصبح في مكبرها حسناء . لذلك فليحان استشاظ غضباً كونه أمرد الوجه وقد كانوا يلقبونه بالموطوط ويشبهونه بالنساء .
وبذلك أعزائي أكون قد نقلت لكم مشهداً من تُراثنا الجميل بجده وهزله , ولهذا المشهد مغزى أو أكثر. أترك لكم حرية الإستنتاج .