إنهم يسحقون الفقراء! / سلمان إسماعيل

إنهم يسحقون الفقراء!
سلمان إسماعيل

لم يكن أكثر المصريين تشاؤمًا في يناير 2011، يتخيل أن تصل البلاد بعد ثورتها على الفساد والاستبداد إلى محطة الفقر المدقع والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها الطبقات المختلفة من الشعب المغلوب على أمره، والذي بالغ في جريمة التطلع لمستقبل أفضل، تذوب فيه الفروق بين الطبقات، وينعم فيه الجميع بمستوى جيد من المعيشة يتناسب مع ما تملكه الدولة المصرية من مقومات القوة، والموقع الجغرافي، والثروات الطبيعية، وعناصر الجذب السياحية، إلى آخر الجُمل التي لقنوها لنا في مراحل التعليم الأولى.

قبل أيام، قال البنك الدولي، إن 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجًا. فلماذا وصلت البلاد إلى هذه المرحلة من تدني الوضع المعيشي؟ والإجابة ببساطة، أنك حين تُسلم زمام الأمور إلى صندوق النقد الدولي، وترضخ لشروط ما يُعرف بالإصلاح الاقتصادي، على حساب الفئات الفقيرة والمتوسطة، فالطبيعي أن تصل لأدنى من هذا المعدل، إن لم تُدرك ضرورة الإنتاج الوطني وتنمية الصناعات المحلية دون التوجه للاستدانة كخيار سهل وبسيط.

إنهم يسحقون الفقراء، ولا تحتاج أن تكون خبيرًا في الاقتصاد لتدرك ذلك، وكلنا يتذكر (حصة التاريخ) في المدرسة الثانوية؛ حين قالوا لنا إن استدانة الخديوي إسماعيل فتحت الباب أمام الاحتلال الإنجليزي لمصر، ربما مظاهر الاستعمار صارت مختلفة في العصر الحالي، لكنه يبقى احتلالًا، والمثل الشعبي يقول: (السلف تلف والرد خسارة).

إنهم يسحقون الفقراء، وبعض الأصوات تقول إن الرقم الذي أعلنه البنك الدولي حول معدل الفقر منافِ للحقيقة، لكن الواقع أنه ليس أمامنا إلا التصديق، خاصة أن آخر رقم معلن عن نسبة الفقر في مصر، من جهاز التعبئة العامة والإحصاء، هو 27.8% في عام 2015، والذي يعلنه الجهاز مرة كل عامين، ولم يُصدر حتى الآن مؤشرات الفقر في 2017، أو 2019.

إنهم يسحقون الفقراء، والدليل على ذلك، أن فئة كبيرة من الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل «رمانة الميزان» وهي المجموعة التي تُكثر من فعل الخيرات ومساعدة الفئات الأكثر فقرًا، قد انضمت إلى صفوف أصحاب الجيوب الفارغة، ودهستها عجلة متطلبات المعيشة التي تُثقل (ظهور الإبل).

المصريون يستقبلون شهر رمضان المبارك هذا العام بجيوب عاجزة عن شراء «الياميش» و«المكسرات»، بل وأزعم أنهم غير قادرين أيضًا على شراء المستلزمات البسيطة. أما الحكومة، فعازمة على مواصلة الطريق الذي رسمه صندوق النقد، وسط حالة من الصمت المخزي لأعضاء البرلمان الذين تفرغوا للظهور على الفضائيات لتبرير الفشل الحكومي في السيطرة على جنون الأسعار، ومواجهة الجوع والفقر، واكتفوا بالحصول على آلاف الجنيهات نظير تمثيلهم على الشعب بدلًا عن تمثيله!

إنهم يسحقون الفقراء، وحزيران/يونيو المقبل سيشهد رفع الدعم كليًا عن المحروقات، الأمر الذي سيتبعه بالضرورة توحش في الأسعار يمتص ما تبقى من دماء المواطنين الذين فقدوا القدرة على التعبير عن رفضهم لقرارات الإصلاح المزعوم، والذين فقدوا القدرة حتى على الابتسام.

إنهم يسحقون الفقراء، واللجنة المنظمة لبطولة كأس الأمم الإفريقية بدورها تُساهم في نزع السبب الوحيد الذي يرسم البسمة على وجوه المصريين هذه الأيام، بعد قرارها تسعير تذكرة الدرجة الثالثة في مباريات البطولة بـ200 جنيه، المبلغ الخيالي الذي بات قطاع عريض من المصريين لا يجدون إليه سبيلًا.

سيلٌ من الأسئلة يطاردني من فئات مختلفة وفي أماكن متفرقة باعتباري صحفيًا (خارقًا، وقادرًا على زلزلة عرش الحكومة) في نظر البسطاء، متى تتحسن معيشتنا، وهل صحيح أن الحكومة تعمل على رفع الحد الأدنى للأجور لـ2000 جنيه، أود أن أصرخ فيهم كل مرة أن هذا الحد الأدنى الذي يتفاخرون به باعتباره إنجازًا غير مسبوق، لا يساوي الحد الأدنى للأجور المُحدد بـ1200 جنيه قبل تعويم أو إغراق الجنيه!

سلمان إسماعيل
Salman.mohamed67@yahoo.com

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى