من #مقامات #الترقيات في بعض #الجامعات (المقامة الأخيرة)
د. حفظي اشتية
نضع هذه المقامة بين أيدي الكرام ” #لجنة #الإصلاح ” فلعل فيها بعض ما يبحثون عنه، ويسعون إلى إصلاحه، ليزرعوا بعض الأمل بأن القادم في هذا الوطن أجمل.
المقامات فن عربي أدبي مرموق، كثرت إرهاصاته إلى أن تَجلّى على يدي بديع الزمان #الهمذاني ثم الحريري، ومن تبعهما. والمقامة قطعة أدبية قد تكون خيالية لكنها تبسُط جناحيها على عالم الواقع لتصفه وتنقده وتقوّمه.
وننوّه إلى أن أيّ تطابق بين ما يرد فيما سنقول، وبين شخصيات الواقع أو أحداثه، إنما هو محض اتفاق قد يكون غير مقصود.
قال المدرس: هذه سنة من سني يوسف عليه السلام، كان ذنبه أن الناس أحبّوه، وذنبي أنني أصون نفسي عن التزلف للمسؤولين، والتقرب المصطنع لنيل رضاهم، لأنني غير مقتنع بأسلوب إدارتهم، وغير راضٍ عن قراراتهم، وشيخي في هذا هو الشافعيّ:
صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالما والقول فيك جميل
ولا تــريــــنّ النــــاس إلا تــــجمّلا نبا بك دهر أو جفاك خــليــل
فما أكثر الإخـوان حـيـن تــعـــدّهم ولكـنهم في النــائبــات قلـيــل
صدق من قال: قد تكون منيّة المرء في أمنيّته .
أعيد تأكيد ما فات ذكره في المقامتين المنشورتين سابقا لمن يرغب العودة إليهما، إنها حكاية بدأت بتقديم طلب ترقية قد استوفى الشروط، تمّ رفضه دون توضيح، فتوالت المخاطبات بيني وبين جامعتي التي لم يرق لها استمرار مخاطباتي ومطالباتي بحقي، فأشغلتني بتوجيه تهم ظالمة لي، واستجوابات، ولجان تحقق، وعقوبة تنبيه، وعقوبة إنذار، وما زال الحبل على الجرّار.
حاول المدرس البحث عن حقه خارج جامعته في المؤسسات والوزارات المعنية والمحاكم، فطلب إثباتا بالاستدعاءات التي رفعها، فرُفض طلبه لعدم وجود سجل وارد وصادر في قسمه الأكاديميّ منذ تأسيسه قبل عشر سنين، ولم يحصل على إثبات من الكلية لأن تعليمات العمادة ترفض ذلك . فقال: هذا خلل في المخاطبات، فتمّ استجوابه عن مقصده من كلمة خلل، وكأنّ النهار يحتاج إلى دليل! فالمقصد هو أن من يقدم استدعاء إلى أية مؤسسة في الدنيا يحصل على ما يُثبت ما قدّمه. اشتد الخلاف بين المدرس وجامعته، وبقي الأمر على هذه الحال إلى أن لاح بارق أمل، فقد اعترض المدرس على عقوبة الإنذار الظالمة التي كانت قد وُجهت له، وأثبت أن القرار معيب شكلا ومضمونا، فأوتي كتابا بيمينه مضمونه إلغاء القرار، وقبل أن يراوده الأمل بأن هذا الإلغاء جاء لصحوة ضمير، أو رجوع إلى فضيلة الحق، أوتي كتابا آخر بشماله في الجلسة نفسها واللحظة ذاتها مضمونه تبليغ بحضور جلسة تحقيق جديدة، دون توضيح التهمة أو المصيبة القادمة العتيدة.
انتظر حتى موعد جلسة اللجنة ليكتشف أنها من ثلاثة عمداء كليات، وهي تتعلق بالموضوع السابق نفسه الذي تلقّى بسببه إنذارا تم إلغاؤه, وكان معيبا شكليا لأنه استند إلى لجنة تحقق لا تحقيق، وكان كذلك مبنيا على اتهام ظالم في مضمونه، فحواه أن المدرس خصص إحدى محاضراته لمراجعة مادة الامتحان النصفي لطلابه، والمادة تلك مشتركة بين عدة مدرسين، ومرجعها واحد متفق عليه بينهم، وأمثلتها التطبيقية محددة، ولا بد أن يأتي المدرس على ذكرها، ولا بد أيضا أن يرد بعض هذه الأمثلة ضمن الأسئلة فلا مجال لتجاوزها، فاتهم المدرس بأنه يسرّب الأسئلة لطلابه، رغم أن التعليم عن بعد، وكتاب المادة والأمثلة كلها بين أيدي الطلاب، ونتيجة طلاب المدرس جاءت بعد التسريب المزعوم 65%، وعلامات مشاركتهم التي يضعها المدرس جاءت كذلك، رغم أنه كان بيده رفعها، وكذلك جاءت نتيجة طلابه في الامتحان النهائي الذي لم يقع فيه تسريب في نظر المسؤولين! وللمادة منسّق هو الذي يختار أسئلة الامتحان لهذه المادة المشتركة، وكان المدرس يعلم يقينا أن المحاضرة مسجلة متاحة لجميع المسؤولين، ولا يعقل أن يبيع المدرس أسئلته في سوق عكاظ جهارا نهارا!!! والمدرس معروف بالاستقامة، ولم تسجل عليه مخالفة واحدة في هذا الشأن أو غيره طوال خدمته عبر عدة عقود في جامعته هذه وفي عدة جامعات أخرى.
ها قد انجلى الغبار إذن ! القرار المتخذ هو إيقاع عقوبة، تم إيقاعها في المرة الأولى على عجل، وتحت سيطرة الغلّ، فأُلغيت لعيب شكليّ في القرار، وكان لا بدّ من تصويب الخلل الذي غاب عن ذهن المسؤول، فألغى القرار السابق، وهيّأ الظرف للقرار اللاحق !
أتريد لجنة تحقيق ؟ أبشر، فقد جاءك الغوث، ولبّينا لك الطلب، وسيكون القرار بعدها جامعا مانعا يقيّدك عن الترقية سنتين، ويريحنا من مخاطباتك ومطالباتك، ويعلمك فضيلة الاقتصاد، فتُحسم مكافأة الموازي من راتبك، لتنشغل عنا بإعادة تدبير وتدوير ما تبقى لك من معاشك.
وقد نفكر لك بعقوبة أشدّ، لأن الذي يطالب بحقه يجب ألّا يبقى في الجامعة أصلا، وصورة المسؤول ينبغي ألّا تشوه، وجموحه الإعلامي في تصوير الإنجازات، والالتزام بالتوجيهات, واستعراض القفزات على سلالم التصنيفات يجب ألّا يُخدش.
واستمر الضغط على المدرس بتشتيت برنامجه التدريسي ليكون ممتدا من الصباح إلى المساء على مدى أيام الأسبوع جميعها، وتم حرمانه من نصابه في التدريس الصيفي الإضافي رغم أنه الأحق به والأولى، فهو نادرا جدا ما ينافس زملاءه عليه، أو على أي مكسب مما اعتاد الناس الازدحام حوله.
فعل المسؤولون كل ذلك لإخضاع هذا المدرس، وثنيه عن المطالبة بحقه، لكنه مصر على الاستمرار في المطالبة به، ومقاومة الظلم الذي يتعرض له، ويدفع ثمن ذلك من وقته وجهده وأعصابه وماله وأمانه الوظيفي، وقد ضاق صدره، وشاهت الدنيا في وجهه، وشحّت اختياراته، وغاب الأمل عن ناظريه، فصاح: ماذا أفعل ؟ وماذا يفعل أيّ مظلوم مثلي ؟
لقد استنفدت كل الوسائل القانونية، وطرقت الأبواب، وجمّدت كل شؤون حياتي، وتفرغت تماما لقضيتي لأنها أصبحت أمّ القضايا بالنسبة لي، وعنوانا شاخصا للظلم الصارخ.
أيها المسؤولون، يا سامعي الصوت،
نحن مقبلون على كارثة بل كوارث إن لم يتوقف الظلم ويرتفع عنا. إلى من نذهب ؟ ومن يسمع ويجيب ؟ أنذهب إلى منظمات حقوق الإنسان ؟ إلى هيئة الأمم المتحدة ؟ هل نهاجر في
أواخر العمر لنبحث عن مكان نشعر فيه بالعدالة والموضوعية وكرامة الإنسان ؟
ماذا تفيدنا أبواق المسؤول الإعلامية عن إنجازاته والتزامه بالتوجيهات…..؟ أية توجيهات تلك التي تسمح له بهذا الظلم، وخنق الجادّين لطردهم من مؤسسة هم بنَوْها وخدموها، وأخلصوا في ذلك بصمت ودون ضجّات ترويجيّة، وفقاعات إعلامية ؟
من يقول لهذا المسؤول: لقد كثر شاكوك، وقلّ شاكروك، فإما اعتدلت، وإما اعتزلت؟
من يقول له:المؤسسة ليست ملكك، ومن فيها ليسوا عبيدك؟ من يقول له: إن كل ما تردده وترتله وتشنّف أسماعنا به عن الرؤى والعدالة والتزام الأنظمة والتعليمات ستهدمه صرخة مظلوم؟
من يقول له: إن صاحب الحق إذا حاصره اليأس، وعصف به الظلم، وأغلقت في وجهه أبواب الأمل بالعدل قد يكون خطرا على نفسه وعلى مجتمعه؟
من يسمع الصوت قبل الفوت؟ من يقنعنا بأن هذا الوطن رحيم بأبنائه، يهب إلى نجدتهم، ويجبر كسرهم، وينصف مظلومهم؟!