من دفاتر معلمة / خلود المومني

من دفاتر معلمة

( الليل. …سودني بجناحه !!! ).

مع دخولي غرفة الصف رأيتها. ..قابعة في الزاوية. ..تضع رأسها بين يديها. ..وتبكي. ..تبكي بحرقة….بل بقهر اعتصر قلبي ألما …اقتربت منها سألتها : ليش بتبكي؟ ! حدا ضربك؟ !.
لم تجبني. …لم تستطع. …صمتت. ..وصمت معها الجميع. …وكأن كل واحدة منهن تعلم في قرارة نفسها الطاهرة التي شوهتها قذارة فكر المجتمع…….تعلم أنها ارتكبت ذنبا في حقها.
سألتهن مرة أخرى : ليش بتبكي. …حدا ضربها؟ !…تجرأت إحداهن وقالت : مس…..بعلقوا عليها!
_ شو بعلقوا عليها حبيبتي؟ !
_ مس. ..بقولوا عنها بيت نجانه. …ومشحبره. !!
يبدو أنكم فهمتم الآن أن لونها أسود. ..بشرتها سوداء تختلف عنهن جميعا.
صدمت. …امتلأت غضبا بهذا الفكر الذي يتربى عليه بعض أفراد المجتمع. ..والذي يجعل طالبة في الصف الرابع تنبذ زميلتها وتعاملها باحتقار. . وتجرح شعورها بسبب لونها….هذا الفكر لم يأت من فراغ. ..فقد جاء من هناك. ..من المنزل. …من المحيط الفارغ فكريا. …لنا الله نحن المعلمين كم أن مهمتنا صعبة وحساسة. …تسمرت في مكاني فعلي الآن بالذات أن أتصرف عمليا تصرفا يبدأ بمحو فكرة التمييز من عقولهن. .ما زلت أستطيع استعمال الممحاة لأكتب من جديد ما أريد. …رفعتها عن الأرض. …احتضنتها. ..وقبلتها على وجنتيها. ..نظر الجميع بدهشة ربما ليرون ما إذا كنت قد تشحبرت أم لأ. ….أجلستها في مقعدها. …نظرت إلي تلك النظرة التي كلما تذكرتها مازلت أحاول ترجمة ماتحمل من معان. ..وابتسمت. ……إبتسامة المنتصر. ..ابتسامة تقول ها أنا ذا. ..قبلتني المعلمة ولست مشحبرة. .ودونا عنكن فزت بها.
بعد هذا اليوم كانت مهمتي صعبة. ..لم أترك عبارة في درس. ..أو موقفا إلا وأحاول من خلاله القضاء على مفهوم التمييز العنصري بجميع صوره. …وأصعبها بالنسبة لمن في عمرهن اللون والدين. ……وهذه رسالة كل معلم يقف أمام طلابه. ..مهمته ليست درسا ومنهاجا يقطع. …انتظروا. .هناك ما هو أهم في وقفتكم تلك. ..تذكروا. …أنتم تبنون إنسانا! !!!
وبقيت أعيد كل يوم أن عند الله يتساوى الجميع إلا بالتقوى مقياس التفاضل بين البشر.
امتلأت الفتاة ثقة بنفسها مع الأيام. ..لم تعد انطوائية وخجوله مثل بداية العام. ..كان للإذاعة المدرسية ودورها أثر كبير في إبراز أفضل ماعندها. ..وضعتها مديرة الإذاعة. …أصبح لديها صديقات كثر متحلقات حولها دائما.
سمعت مؤخرا أنها تخرجت و تزوجت شابا ناجحا في حياته أشقر اللون. ..وكان وجه اعتراض أهله الوحيد عليها أنها سوداء. ….قلت في نفسي : ربما حظي هذا الشاب بمعلم أفهمه أن الحياة الزوحية ليست لون. .إنها فكر وروح وشخصية. ..لذلك أصر عليها وعاند قرار أهله ليرتبط بها رغم اعتراضهم ….وكانت هي ذكية قوية الشخصية ناجحه في حياتها.
أتساءل لو أنني لم أحاول أن أغير منها ومن محيطها. ….لو لم أقل لهن أن ( هالي بيري )أجمل ممثلات الشاشة. .وأريتهن صورتها. .و (دنزال واشنطن ) أقواهم شخصية. ..وأن العنب الأسود أطيب من العنب الأخضر. …وأن مقلوبة الباذنجان ألذ من مقلوبة الزهرة. …وأن الليل أهدأ وأجمل وأحن من النهار. …ترى هل كانت ستجرؤ على أن تنجح و ترتبط بشاب أشقر اللون؟ !…ربما أرادت أن تقول للمجتمع باختيارها هذا : أنا مش سودا بس الليل سودني بجناحه! !!!!!!

ملاحظة : أنا بحب العنب الأخضر مش الأسود..

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى