من خان ضميره لا يُؤتمن على وطن: الحليب الفاسد جريمة لا تُغتفر

#سواليف

من خان ضميره لا يُؤتمن على #وطن: #الحليب_الفاسد #جريمة لا تُغتفر
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة

في الأوطان التي تُبنى على ثقة الناس بمؤسساتهم، تكون خيانة هذه الثقة جريمة وطنية لا تغتفر. وما حدث في قضية استيراد “الحليب الفاسد” ليس مجرد تجاوز قانوني، بل هو طعنة في قلب الضمير الوطني، واعتداء صارخ على صحة المواطنين وأمان أطفالهم، يجب ألا يمر دون محاسبة شاملة تبدأ بكشف الأسماء وتنتهي بمحاسبة عادلة ورادعة.

الخطير في هذه القضية ليس فقط نوع الجريمة، بل من يقف خلفها. فالمعلومات المتداولة تُلمّح إلى تورط شخصيات ذات نفوذ، وربما أعضاء في مجالس أمناء مؤسسات وطنية. وإذا صحّ هذا، فإن الكارثة تتضاعف، لأن من يُفترض أن يكون حارسًا على المصلحة العامة، لا يمكن أن يتحول إلى متواطئ في تسميم المواطنين، ثم يبقى في موقع يُدير فيه مستقبل الناس والبلاد.

إن الثقة العامة هي العمود الفقري لأي نظام اجتماعي وسياسي. وعندما تهتز هذه الثقة بسبب فساد غذائي، ويُسمح للمتورطين بأن يختبئوا خلف المناصب أو العلاقات، فنحن أمام خلل أخلاقي أخطر من الفساد ذاته. من يتاجر بصحة الناس لا يستحق لا الاحترام ولا التقدير، ولا حتى حق تمثيل أي مؤسسة وطنية.

إن الشعب الأردني لا يطلب المستحيل. هو فقط يريد الحقيقة. يريد أن يعرف من استورد هذه المواد السامة، ومن وقّع على إدخالها، ومن غطّى على فسادها، ومن قبض الثمن. وكشف الأسماء في هذه القضية ليس ترفًا إعلاميًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية، لوقف نزيف الثقة، وإعادة الهيبة لمؤسسات الدولة.

المحاسبة يجب ألا تقتصر على العقوبات القانونية فقط. فهناك عقوبة لا تقل أهمية: التعزير المجتمعي. المجتمع الأردني الواعي له الحق في أن يعرف من خان الأمانة، حتى يُعزل اجتماعيًا، ويُحاصر أخلاقيًا، وتُغلق في وجهه أبواب الاحترام والتقدير. لأن من سمّم غذاءنا اليوم، قد يبيع ماءنا أو دواءنا غدًا.

نقولها بوضوح: لا مكان في مؤسسات الدولة لمن لوّث صحة الناس أو تواطأ مع الفاسدين. ومن تجرّأ على هذا الفعل، يجب أن يُجرّد من كل منصب، ويُمنع من تمثيل أي مؤسسة أو مجلس أو هيئة تُعنى بالشأن العام. فالوطن لا يُبنى على الأكتاف التي حملت الربح على حساب الكرامة، بل على ضمائر صادقة تضع مصلحة الناس فوق كل اعتبار.

إنها لحظة مفصلية في مسيرة الدولة الأردنية، فإما أن تواجه الفساد بحزم، أو أن تدفع الأثمان الباهظة في ثقة الناس ومستقبل الأجيال. وكما قال جلالة الملك عبد الله الثاني: “لا أحد فوق القانون”… فلتكن هذه الجريمة بدايةً حقيقية لتكريس هذه المقولة فعلًا لا قولًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى