” #في_فهرس_السماء “
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي
نشر بتاريخ .. 14 / 9 / 2014
وقت الضحى كان الصوت البعيد كطنين نحلة عملاقة يشق صمت الحي ..أرتفعُ ببصري قليلاً ابتعدُ عن ورقِ شجرة التوت لأرى المصدر ، انكتُ الترابَ عن كفّي ثم أركضُ لأسال أمي عن ذاك الصوت..تقول أمي وهي مشغولة بدعك الثياب في ‘لقن’ الغسيل الأسمر وزرقة السماء المنعكسة على ماء يديها تذوب رغوة وغيما: ‘طيّارة’!!…
هكذا كانت تقولها دون أن تعطيني تفاصيل أكثر…أعود وأسألها وأنا أبحث في السماء الخالية من كل شيء إلا من صفائها..’طيارة لمين’؟!..فتقول دون أن ترفع رأسها : ‘ إلنا ‘!!..
يتموّج الصوت في السماء كثيراً وأحاول أن أضيق عيني لأرى ذلك الكائن الغريب في المدى المتسع دون جدوى…أسألها ‘ شو بتسوي الطيارة ‘؟؟ أمي باقتضاب شديد : ‘بتحمي الحدود من اليهود’..ثم تعصر ملابسي وثياب ابي وتضعهم جانباَ.
أسألها : ‘مين أقوى أحنا ولا همه’…باقتضاب شديد ‘إحنا أقوى منهم بكثير ..’!!… ثم تدلق الماء الأزرق تحت العريشة المنخفضة وتركن ‘اللقن ‘ على الجدار… كانت تعطيني درساً في الوطنية …… والمنهاج: ‘لقن غسيل’..
في ليالي الشتاء.. بعد العاشرة مساء وقبل ان تشرع أمي بحكايا الليل والمعوذات كانت تنقطع الكهرباء فجأة…تقول ببديهة عالية ‘ تبديل’!!.
تبديل ماذا ؟: نسألها..
تقول : ‘تعوّدنا اذا انقطعت الكهرباء عن البلدة على الأغلب هناك تبديل دبابات وجنود’ ثم تبحر بصوت منخفض في الحديث عن حرب ‘الستة’ والطيران الذي كان يقصف مناطق حوران بالتزامن مع وقت الحصاد..وأثناء وصفها للغارات والدخان الصاعد ..كان يتسلل صوت المجنزرات والمدرعات الأردنية وهي تمشي مسرعة على شارع الشام في ظلمة الليل الشتوي حيث ترجّ الأرض رجاً من تحتنا … فنتكوّر بالفراش قربها نشوة وخوفاً..دون ان نعرف حينها أنها كانت تعطينا درساً في الوطنية ….. والمنهاج: وسادتنا الزهرية…
***
قد تحذف إدارة المناهج ‘الهوكر هنتر’ من الكتب الدراسية ، وقد ينسلون اسم ‘فراس العجلوني’ عنوة من دروس القراءة ، لأنهم يريدوننا امة بلا رموز أو بطولات او أبطال ، يريدوننا كرتوناً بتاريخنا وطموحنا وكرامتنا يريدوننا مجردّ ‘أجسام متحرّكة’ نموت ان تم إغلاق الجهاز او ‘الجهاد’ أو عند رغبة اللاعب ‘الخروج من اللعبة’ ‘او العلبة’ لا فرق ..
هم اصلاً : لا يطيقون أن يروا اسم #فراس_العجلوني أو #موفق_السلطي أو #وصفي_التل في #المناهج لأن المرحلة لا تحتمل #البطولة او #الرجولة ، فالراكعون لا يطيقون الواقفين ابداً..
***
الى الشهيد فراس العجلوني..اعرف ان روحك ما زالت تقوم بواجباتها وطلعاتها الجوية كل صباح، وأعرف ان عينيك الحورانيتين ما زالتا تسطّران السماء كل يوم وتتحسسان تفاصيل الأرض وشفة الدحنون ، وأعرف ان نسرك الأردني المختبىء في ‘فوتيكك’ ما زال يرعى العصافير الحرة والأحلام المرة والغيم التشريني الجميل ..
.يا اسداً فوق حيفا وفوق اربد…لا تحزن إن هم حذفوك من فهرس الأسماء…
ففي فهرس السماء أنت…
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com