خلينا نعيش !! / سالم الفلاحات

خلينا نعيش !!

والله إنها لحجة ثقيلة جداً على النفس، مؤلمة ومؤسفة..

كيف يقبل الإنسان لنفسه أن يرتضي بدور المهلك لمقدرات الامة وليس فقط المستهلك لها بلا غاية سوى أنه يريد أن يعيش…

حتى مع هذا السيل العارم من التعاليم الدينية والثقافات العالية والخطب المتواصلة.

مقالات ذات صلة

ماذا تعني خلينا نعيش في الحقيقة سوى الجهل والتخاذل والخيانة والهزيمة والعبودية.

وهل يمكن أن تكون لافتة خلينا نعيش مقبولة شرعاً وعقلاً ووطنية وقيماً عامة ؟

وهل مجرد عيشك وراحتك الشخصية كافية لِتّخليك عن واجبك نحو وطنك وشعبك وحاضرك ومستقبل أحفادك.

ومن يضمن لك العيش حتى مع الاستخذاء والقعود إلا إن كان العيش لا يعني إلاّ البقاء قبل المكث في المقابر كيفما اتفق.

حزب خلينا نعيش، ومنظرو خلينا نعيش، هم رديف الطابور الخامس وإنْ بشكل آخر.

وهل وجد الإنسان بلا رسالة وبلا قيمة وغاية سوى أن يأكل ليعيش، ويسكت ليأكل ويعيش، ويكذب ليعيش، ويكتم الشهادة ليعيش، ويخون وطنه وأمته ليعيش، ويسرق مقدرات شعبه ليعيش.

بينما هو لا يتوقف في المجالس الخاصة والأجواء الآمنة عن الحديث عن معالي الأمور ويردد أعظم الشعارات في الدين والوطنية والقومية والإنسانية.

خلينا نعيش هم مجموعة الذين قبلوا الاستخفاف بعقولهم وأطاعوا المستخف الذي صدق نفسه وتركهم فقط دون الموت ليعيشوا فقط ليعيشوا.. من أجل أن يعيش هو على جهدهم وعرقهم ومقدراتهم وما يدفعون من الإتاوات تحت مسميات كثيرة كاذبة.

خلينا نعيش… وعبدٌ في العرب قبل الإسلام لم يكن يملك حريته كان يقول، ونردّد نحن قوله بفخر دون عمل:

حَكّم سيوفك في رقاب العذّل وإذا نزلت بدار ذل فارحل

ونردد قول المتنبي:

ذلَّ من يغبط الذليل بعيش رب عيش خير منه الحمام

وقال آخر:

ولا يقيم على ذل يراد به إلا الأذلان عبر الحي والوتد

وصف القرآن (اليهود) على سبيل التعريض بما هم عليه فقال: “وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ” البقرة (96).

هكذا حياة منكرة بمعنى أي حياة، المهم العيش دون كيف، دون كرامة، دون محددات.

كم تندّرنا على بني إسرائيل وذلتهم في تفسير هذه الآية.

لكن أن يرتكب المفسر نفسه ما كان يخطئه وينتقده ويعيبه فتلك مصيبة المصائب.

يؤلمك من رجال في الصدارة يشْكون الواقع المرير ويحتجون على ما فيه لكنهم أخيراً يقولون.. خلينا نعيش.

وما العيش لا عشت إن لم أكن مخوف الجناب حرام الحمى عبد الرحيم محمود

يقولون لك دائماً: الحياة زهيدة، الحياة تافهة، الحياة لا تساوي شيئاً، ومع ذلك يقولون خلينا نعيش.

استمعت لمواطن سويدي متضامن مع غزة في عام 2010 في اسطول الحرية يقول: شاركت في هذه الرحلة الخطيرة لأنني أخجل من نفسي وأطفالي عندما أقف أمام المرآة وأرى أطفال غزة محاصرين.

ألا يقف العرب أمام اطفالهم ونسائهم وضمائرهم ودينهم تراهم ماذا يقولون وماذا يفعلون ؟

يقول شكسبير: يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتي أجلهم أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة.

ومن قال أن التخلي عن الواجبات والتخلي والسكوت عن قول الحقيقة والقعود هي أسباب العيش.

وهل مات الذين انحازوا لضمائرهم، وهل حزب خلينا نعيش أكثر سعادة منهم حتى في دنياهم التي يحرصون عليها ؟

إن الذين يقلبون أكفهم ويغمضون أعينهم ويتابعون تأففهم ويظهرون حسرتهم، ولكنهم يخلصون إلى (خلينا نعيش) يشتمون ذواتهم بألسنتهم، ولو صارحتهم وقلت لهم:-

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فابك أنت الطاعم الكاسي، لأقاموا عليك دعاوى القدح والذم والإهانة وتعكير صفو المواطنة والانتماء والنزاهة.

لن يطيل العمر ذل وصمت وتقاعس..

ولن يعجل الأجل ولن يحرم الرزق والسعادة خنوع واستسلام، وعلى كل من يحترم نفسه أن يشطب عملياً من قاموسه (خلينا نعيش).

9/7/2017م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى