رِفقاً بماكَرونْ يا رَسولِ اللهْ

رِفقاً بماكَرونْ يا رَسولِ اللهْ
د. جودت سرسك

تنبري جموعُ المسلمين مِن الرباط إلى القاهرة والشام، مروراً بجاكرتا وكراتشي وطهران وأذربيجان ،وحناجرُهم تَصدحُ بعبارةِ: فِداك أبي وأمّي يا رسول الله.
هل سمعتَ نداءَهم يا أبا القاسم،أَمْ شغَلتك عنهُم أكُفٌ ضارعَةٌ إلى اللهِ أنْ يُعتِق أمَّتك يومَ الحسابِ وهَولِ نفح الشمسِ ذِراعاً فوقَ رؤؤسهم ،فتَحْنُو عليهم لِتُظلّلَهم برداءِك الحانِي.
هل سَمعتَ نداءَ حناجرِنا يا رسول الله، أم شغَلك عن سماعِها هولُ صوتِ جبريل يهتِف في أذُنِك أنِ اقرأ،فتقول له ما أنا بقاريء،فيُجيبك: أن اقرأ باسم ربّك الذي خلق وذرأ وبرأ،خلق موسى وعيسى ومحمداً مِن نورٍ واحدٍ، وأمَرَهم بدينٍ واحدٍ يتنزل مِن وحي عرشٍ يستوي عليه مالك الملك،يوم يَطوي السماء بيمينه والأرضُ يومئذٍ في قبضتِه ،ولا شفيع لنا سواك يا رسول الله حين تُحدّث الأرضُ أخبارَها وتشكو لربّها فعالَنا ونذالتَنا وفسادَ عقيدتنا .
يا رسول الله يا شفيعنا يوم المحشر والبعث ،هل شغلك عَن سماع صوتِ هتافِنا أمام مَن يرسمونك عارياً بلحيةٍ كثة وأنيابٍ غلاظ ،هل شغلك عنّا دعاؤك تحت العرش مُنحنياً خافِضاً هامساً :أمّتي أمّتي.
هل عرفك ماكرون كما عرفناك؟ماكرون يا رسول الله شابٌ رهيف لا يعرف عن الوحي ولا أخبار السماء ولا يعرف صوت جبريل وأجنحته ولا ملكوت الله وشمسه وقمره سوى مايراه في أفلام هوليود، وصحفٍ تحرّض عليك باسم سيادة الغرب وحربِ الحضارات .
هل يعرف يا رسول الله ماكرون أنّنا نعلو بذِكرِ؟هل يعلم أنّ موسى أخاك قد أمَره اللهُ بخلع نعلِه وهو على الأرضِ حينَ وجَد ناراً في الواد المُقدس طوى،وأنّك لم تُؤمر بخلعه في السموات العلا ليلة المعراج؟
ماكرون لا يعلم عنك حين قلتَ لأصحابك:عبدٌ خيّره الله بين الدنيا وبين ربّه فاختار اللهَ،لا يعلم أنّ الله قال فيك :إنّك على خلقٍ عظيم ،لا يعلم أنّ الله لا يُحدّثُ عبداً إلّا إذا اصطَفاه وعَسّله .
بأبي أنتَ وأمّي يا رسول الله يا شفيعنا يوم يفرّ المرءُ مِن أخيه وأمّه وأبيه ،ويتبرّأ الولدُ من أمِّه التي ألقمَتْه ثديَها في مشهدٍ لا يدركه ماكرون، لأننا لم نُخبره بما أخبرتنا به عن ربّك تعالى اسمه وجلّ ثناؤه.
في زحمة الطريق يا رسول الله لا دليل لنا إلا أنت ،تنازعتنا الدنيا وتنافسناها كما تنافسها اليهود فأهلكتَهم وضلّوا في طريق التِيه أربعين سنةً عِقاباً من الله لهم،نَسير بفضل دعائِك لنا ألّا نَهلَك كما هَلك مَن قبلَنا بالخسف والهَدم كقوم لوط وعاد وأصحاب الرسّ وثمود.
مُدّنا يا رسول الله مِن عَبيرك ونَفحِك، وامسح على رؤوسنا واهدِ سخيمة قلوبِنا التي ضلّت من بعدك ،فضلّ شبابنا وشيّابنا وتباهينا بالموضة لا بسُنّتك التي أوصيتنا ،قبل رجفاتك الأخيرة أمام ملك الموت حين خيّرك بقبض روحك إنْ شئتَ فاخترتَ جوارَ ربّك.
أوصيتنا بالصلاة وحُسنِ الخُلق والإحسانِ للنّساء اللواتي لا تدري ماذا فعلنَ بعدَك يا رسول الله،رؤوسهنّ كأسنمة البُخت ،وتملأ هَواتفَهُنّ النقّالة مشاهدُ تقشعرّ لها الأبدان ،شعارهنّ الرذيلةُ وموديلاتُ الغرب وعطوره،ركبنَ الفرسَ والحمارَ والبغلَ خلافاً لما نهيتهنّ عنه ،ومَن يتعرّض لَهن ّ مارقٌ نرجسيّ ضدّ حقوقِ المرأة واتفاقية سيداو.
لا تلُم يا رسول الله ماكرون،فهو لا يعرف معنى الوحي وتعاليم السماء كما لا تعلمُ أنت عن اتفاقية سيداو ،التي تبيح للمرأة الزواج من المرأة ومَن يُخالفها مِن أمّتِك يحرِمه صندوقُ النقد الدولي مِن البركات والعطايا.
فداك أبي وأمي يا رسول الله ،فقد اكتفينا بالهتاف والتغريد على تويتر ورفع شعارات التمدّن والعلمانية والمدنية ونعومة الإسلام على شاشاتنا الإلكترونية.
في يوم مولدِك يا رسول الله،تشغلُنا الكورونا عنك إلّا مِن إعداد قالب كيك في آخر النهار والاستماع لأغنية :قمرٌ سيدنا النبي قمر،والتبتّل في جلسات دروشةٍ تعلو فيها حناجرنا كما تشاء بما يرضيك عنّا،فنحن كما عهدتنا سنظلّ نتغنّى بك ونستنكرُ مايسيء لك من شتائم أو رسوم لا تليقُ بك،وسنظلّ نغرّد على التويتر دون خوفٍ من القوى الإمبريالية فنحن قومٌ أشداء على الكفّار ،كلّنا يغرد وَيُفَسْبِك من صغيرنا إلى حاكمِنا،ولكِنْ على استحياء لأنّك أمَرْتنا بالّلين وعدَم الفظاظة.
في يومِ مولِدِك الجميلِ، نقول لأمة سايكس بيكو، بكلّ اللغات كلّ عام وأنتِ بخير،وندعو لماكرون ولصغارنا ومُطبّعينا من الحكّام -الذين خجلتُ أنْ أبوحَ لك بما أحدثوا من بَعدِك ،حتى السودان يا رسول الله -، بالهداية ولين الفؤاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى