مقترحات، لا بل مناشدة، لا بل قرع جرس خطورة إلغاء الإجازة بدون راتب

مقترحات، لا بل مناشدة، لا بل #قرع_جرس #خطورة #إلغاء #الإجازة_بدون_راتب

د. #فائق_عكايلة

 بصفتي أستاذ مشارك وباحث في الإقتصاد ومدقق مالي وإداري في ديوان المحاسبة الأردني لمدة تزيد على ستة عشر عاماً ومستشار إقتصادي وتطوير أعمال لعدة جهات دولية، وعلاوة على كل ذلك كأحد المعنيين بقرار إلغاء الإجازة بدون راتب، وخصوصاً لمن يعمل خارج الأردن من موظفي القطاع العام، وكممثل لعدد كبير منهم، فمن الواجب الوطني والمهني أن ننصح بشدة بالغة صاحب القرار بالتراجع الكامل عن هذا قرار إلغاء الإجازة بدون راتب وتركها مفتوحة كما هو معمول به في معظم الدول التي تشح مواردها المالية واحتياطياتها الأجنبية، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: هناك ما يزيد على ١٣,٠٠٠ موظف حكومي أردني يعملون خارج الأردن وخصوصاً في دول الخليج العربي. وإذا ما أخذنا متوسط أفراد العائلات التي يعيلها هؤلاء الموظفين بين زوجة وأبناء وأحفاد ووالدين بمعدل عشر أفراد، نصل إلى قرابة ١٥٠,٠٠٠ مواطن أردني سيتضررون بشكل مباشر تلقاء هذا القرار، كيف لا وهؤلاء الموظفون المجازون غادروا الوطن الحبيب بحثاً عن مصادر دخلية للخروج من الأزمات والضوائق المالية والديون التي كانوا يعانون منها؟! إن عمل هؤلاء الموظفين المجازين خارج الوطن ما هو إلا تنفيس ومساعدة للحكومة والتخفيف عليها من مسؤولية حل مشاكل الفقر والبطالة والجريمة التي يعاني منها الوطن والمواطن.

مقالات ذات صلة

ثانياً: عمل ما لا يقل عن ١٣,٠٠٠ موظف أردني يعني فتح شواغر لما لا يقل عن ١٣,٠٠٠ وظيفة مباشرة في القطاع العام الأردني، وهي الميزة التي لولاها لارتفع معدل البطالة العام إلى أكثر من ٢٨٪؜؜، وخصوصاً وأن هناك إجراء متبع في القطاع العام يتضمن توظيف بدل المجازين. تخيل عودة ما لا يقل عن ١٣,٠٠٠ موظف حكومي إلى عملهم كيف سيكون القطاع الحكومي مكتظاً (overstaffed) ! والمشاكل التي ستصاحب ذلك ؟!

ثالثاً: المشكلة الوطنية الوخيمة الأخرى التي ستحدث فيما إذا طُبق هذا القرار ولم يُلغى تتمثّل في أن عودة ١٣,٠٠٠ موظف حكومي إلى عملهم تعني انعدام قدرة الحكومة على خلق وظائف في القطاع العام لعدة سنوات قادمة (بناءً على معيار ٨٠٠٠ شاغر هي متوسط قدرة الحكومة السنويّة)! كيف سيكون حال البطالة والفقر إذاً؟!

رابعاً: وجود ما لا يقل عن ١٣,٠٠٠ موظف حكومي مجازون ويعملون خارج الوطن ، والذين يبلغ متوسط حوالاتهم السنوية لكل موظف ما مجموعه ٤٨,٠٠٠ ديناراً، مما يعني أن مجموع الحوالات السنوية لهؤلاء الموظفين تتجاوز ٦٢٤,٠٠٠,٠٠٠ ديناراً. وإذا ما أخذنا مضاعف الإستهلاك المستقل (مضاعف الدخل)، فإن هذا يعني أن مساهمة موظفو القطاع العام المجازون بدون راتب ويعملون خارج الوطن لا تقل عن ملياري ديناراً ( ٢,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠ ديناراً) سنوياً، أو ما نسبته ٦٪؜ من الناتج المحلي الإجمالي. الأمر الذي يساهم بشكل رئيسي في رافعة النمو الإقتصادي على مستوى الإقتصاد الوطني وخلق وظائف في القطاعين الحكومي والخاص أكثر مما تساهم به النفقات الحكومية الكلية السنوية التي تعجز عن خلق ٦٠٠٠ شاغر حكومي سنوياً. 

خامساً: إلغاء الإجازة بدون راتب لموظفي القطاع العام العاملين خارج الوطن سيكبد ميزان المدفوعات الأردني خسائر سنوية قيمتها تتجاوز نصف مليار ديناراً (بالمتوسط ٦٢٤,٠٠٠,٠٠٠ ديناراً) أو ما يساوي ٨٧٩,٠٠٠,٠٠٠ مليون دولاراً.

سادساً: كان مبرر الحكومة السابقة لهذا القرار الذي أوردته بعض الجهات الحكومية هو “المحافظة على الكفاءات الوطنية”، وهذا ليس مبرراً منطقياً ولا مهنياً ولا واقعياً. فالواقع يقول أن الكفاءات الأردنية المهاجرة هذه لم تكن لتهاجر لو تم إنصافها ووضعها في مكانها المناسب وحمايتها من الفساد الإداري وحمايتها من الظلم والإجحاف الذي دفعوه ثمناً للواسطة والمحسوبية اللتان حرمت الوطن من تلك الكفاءات. وهنا أقسم أن أحد الأسباب التي دفعتني شخصياً لأخذ إجازة بدون راتب والعمل خارج الوطن هو الظلم الذي لحق بي إدارياً ومهنياً أثناء عملي في الأردن، والقصة هنا طويلة لسنا بصددها.

سابعاً: هناك نسبة لا تقل عن ٦٠٪؜ من موظفي القطاع العام (المجازين والعاملين خارج الوطن) قد اقترضوا من البنوك الأردنية قروضاً في معظمها سكنية شخصية (ويمكن للحكومة أن تحدد تفاصيلهم)، ويبلغ القسط الشهري لهذه القروض أضعاف الراتب الإجمالي للموظف المجاز فيما لو عاد والتحق بوظيفته في الوطن، وهذه القروض في معدلها لأجل ٥ – ٧ سنوات! فكيف يعمل هؤلاء؟! وأي ضائقة مالية سيمرون بها؟! ومن يحل مشكلتهم هذه؟ ومن سيدفع عنهم الأقساط البنكية للقروض السكنية هذه؟!

ثامناً: هناك عدد كبير من موظفي القطاع العام المجازون بدون راتب ويخضعون لنظام التقاعد المدني وليس لنظام الضمان الإجتماعي، فكيف يطلب منهم ضرورة التسجيل في الضمان الإجتماعي؟! 

التوصيات الملحة والضرورية: نتمنى على صاحب القرار ومن له نفوذ في ذلك (لا بل نستصرخهم صرخة وطنية) أن يتم تدارك العواقب الوخيمة لمثل هذا القرار ومخاطره الإجتماعية والوطنية والإقتصادية، ويتم إلغاء هذا القرار أو هذه المادة من نظام الموارد البشرية لسنة ٢٠٢٤. وعلى العكس من ذلك تسهيل كل ما يحتاجه موظفو القطاع العام المجازون والعاملون خارج الوطن وذلك لكل الأسباب التي أوردناها هنا وغيرها. وإن كان لا بد من تحديد مدة الإجازة بدون راتب للعاملين خارج الوطن، فلتكن بحد أعلى عشرة سنوات (وليس خمس سنوات) والأهم في ذلك أن يطبَق قرار تحديدها (مهما كان عدد السنوات التي يقررها مجلس الوزراء) على المجازون الجدد بعد صدور هذا النظام، أما الموظفين الذين كانوا مجازين بدون راتب قبل صدور النظام ويعملون خارج الوطن لسنوات طويلة، فلا بد من استثنائهم بالكامل من قرار أو مادة الإلغاء، بحيث تبقى إجازتهم مفتوحة ولا تحدد بسنوات محددة لأنهم منذ زمن طويل رتبوا حياتهم على ذلك الأساس، ومعظمهم لن تكفيه ثلاث سنوات أو أربعة لترتيب أوضاعهم خصوصاً إذا كان عليهم أقساط بنكية سكنية بمبالغ تفوق رواتبهم في الأردن، إلا إذا حلت الحكومة مشكلة تقاعدهم أو الديون التي تكبدوها وأقساطها، أو السماح لهم (العاملين بعقود عمل خارج الوطن) بتجديد الإجازة بدون لحين سداد ديونهم بالكامل مهما بلغت مدتها.

حمى الله الأردن، والله من وراء القصد…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى