مقابلة
كان الأمر أشبه بفجيعة ، صدمة حقيقية ، والصدمات عادة تمر ، لكنها تبقى مدخلا ملائما لإعادة النظر في كثير من المواقف والرؤى . منذ صبيحة ذلك النهار وهو يعد نفسه للقاء ” الشريف ” ، ثمة أمور لا بد ان يعرفها ، سأقولها بصراحة ، وبإيقاع منضبط . لن تند كلمة هنا أو هناك ، سأكون حريصا على ايصال الرسالة كاملة ، بكل حذافيرها ، وهي من زمن تجثم فوق صدري ، تكاد تثير جنوني ، وتشعل هستيريا من نوع خاص ، لن يقف حده عند فوضى عارمة ، ولا خطاب ذاتي ، او مقالة في صحافة محلية ، يقولون : محلية !!! وفي الحقيقة لا تتعدى أرنبة محررها ، ومناكفة زوجته عنيدة .
يمسح عن وجهه بقية نعاس ، بقية طفر قديم ، ينهض بتثاقل ، يشعل بابور الكاز ، كأس شاي ، وخبز حاف ، ثم يشق طريقه نحو قيادة البادية ، ” ليس مهما درجة مواطنتي ، أو لوني ، فقط ضبط إيقاع الكلام ، وتناغم النبرة مع الحرف ، دون تأتأة ، أو تعرق ، حتى وإن حدث ، بطرف الكم ينتهي كل شيء ” .
على عجل يغادر خربوشه ، الوقت خائن ، والخيانات قاتلة ، وليس له إلا الوصول .
على باب القيادة يستل هوية برقم وطني ، يسيل لعاب الأماني ، تزدهي الآمال ، تتراقص بضع كلمات سجينة ، ويدلف إلى قاعة فارهة .
يلتقطه حارس ، يمشي به إلى قاعة أخرى ويجلس . هل رأيتم فأرا تتدلى شفتاه ، عصفورا يتقافز وراء الأسلاك ، خروفا تحاصره الذئاب . يفجر خيالاته صوت رتيب صارم : الأخ مقابلة ؟
— نعم .
بالكاد تتدحرج من الحلق . لا أدري ، لعل أحرفها تناثرت في الفضاء ، متقطعة متنافرة بلا معنى .
ويعود الضابط : مقابلات خاصة !
— ولكني … ،
— مقابلات خاصة ، يقولها بحسم . — يعني مواطنين خاصين ؟
— لا لا ، المسألة مش هيك ، مجرد مقابلات خاصة .
— وأنا ؟
— أنت ، أنت ، أنت ، أن….. ، رقم هاتفك ونتصل ؟
— ليس معي .
— اسمك ؟
— منصوووور .
— نتواصل معك .
يتفقد “هويته” ، بقية أجرة الطريق .
يصافح جبينه الشمس ، وترحل عيناه نحو أفق بعيد .