مع #التعليم مجددا.. #أزمة_خانقة وحل مقترح
كتب..أيمن ناصر صندوقة
من أسوأ ما وصل إليه وضع نظامنا التعليمي الصورة التالية:
يتحمل معلم الثانوية العامة (التوجيهي) -خاصة في مادة الرياضيات- عبئا كبيرا تنوء به الجبال! وذلك لأنه يجد نفسه مجبرا على تعليم طلابه ما هو في المقررات الدراسية لعدة سنين سابقة، وربما يصل الأمر لأن يجد نفسه يعلمهم جمع وطرح الأعداد الصحيحة، أو بعض المفاهيم الأساسية في الهندسة والجبر على حساب نتاجات منهاج الثانوية التي ينبغي أن تبنى على تعلم سابق حقيقي لا غنى للطالب عنه..
الحالة لم تعد مقتصرة على ضعف في المهارات الأساسية يعاني منه عدد قليل الطلاب أو حتى نسبة منطقية من الطلاب، بل أصبح -للأسف- هو الحالة العامة التي يواجهها المعلمون، وإنني أزعم الآن أن أكثر من نصف الطلاب في سنة الثانوية العامة يعانون ضعفا فادحا في المهارات الأساسية في الرياضيات، أما النصف الآخر فليسوا نوابغ ولا مبدعين، بل إن عامة هذا النصف الآخر هم بمستوى “الطالب العادي” ليس أكثر..
ويمكن لأي مسؤول جاد أن يجد سبيله للتحقق من صحة هذا الزعم بما يتوفر من آليات قياس ونتائج الاختبارات الدولية والوطنية خير دليل.
هذا الوضع يعيق المعلم في الثانوية عن تدريس المقررات بشكل مفاهيمي صحيح وهو أحد المبررات والذرائع -التي لا تخلو من منطق- ويسوقها كثير من معلمي التوجيهي لتبرير قيامهم بالتجاوز عن تدريس المفاهيم إلى جعل الرياضيات والفيزياء والكيمياء مجرد تكتيكات وإجراءات لحل الأسئلة وحصد العلامات وحسب، بالأمس قال لي زميل معلم أحترمه كثيرا أنه بذل جهدا غير قليل لإقناع طالب توجيهي علمي أن الجذر التربيعي للواحد هو واحد وليس نصف، وهذه القصة كانت المدخل ليوصل لي رسالة مفادها أن المنهاج بمافيه من أفكار ومفاهيم وتطبيقات لا يمكن تدريسه إلا بالطريقة المذكورة وربما لا نستطيع ذلك حتى مع تطبيق هذه الطريقة غير المقبولة.. والحقيقة أنني سقت هذا الحدث كمثال على ما نراه ونتابعه يوميا ويعرفه كل معلم في الميدان.
باختصار : إننا نعاني من حالة عدم جدية في تحقيق نتاجات التعلم المفترض بالطلبة خلال كل الصفوف قبل الثانوية العامة، الأمر الذي يجعل مهمة معلم الثانوية هي “المهمة المستحيلة” بكل معنى الكلمة.. نعم ، إن كلمة (عدم جدية في تحقيق نتاجات التعلم) هي التعبير الصادق عن الحالة السائدة في معظم مدارسنا لكل الصفوف السابقة للثانوية العامة، ولا فرق كبيرا في ذلك بين المدارس الحكومية والخاصة..
والسؤال المهم: ما المخرج الصحيح من الوضع الكارثي؟
وهل يمكن أن يتم تقديم حلول عاجلة وعملية لهذه الحالة؟
ألا يجب أن ينتفض المسؤولون وأصحاب القرار؟ ألا يتابعون ما يجري؟!
حسب رأيي الذي أتبناه منذ عقدين من الزمن فإنه
لا سبيل لإصلاح هذا الخلل الكبير إلا باتخاذ إجراءات عاجلة ترفع جدية التعليم في التعليم الأساسي.. وهذا لن يحصل بحسب ثقافة مجتمعنا وظروفه إلا باستعادة الامتحانات الوطنية العامة في كل من الصفين السادس والتاسع.. وإعطاء هذه الامتحانات الاهتمام والزخم الكافي بأن يترتب عليها ما تأخرنا فيه كثيرا من فرز الطلبة لمسارات التعليم المتنوعة في مراحل مبكرة، كما ينبغي أن يترتب على هذه الامتحانات تصنيف وطني للمدارس الخاصة وفقا لنتائج طلبة كل مدرسة في هذه الامتحانات وعدد سنوات التحاق الطالب بالمدرسة قبل كل امتحان منها..
إن تطبيق هذه الامتحانات للصفين السادس والتاسع لهو الكفيل الوحيد بأن ترتفع فعلا مخرجات التعليم وترتفع قدرات وجدية المعلمين في كل الصفوف – ومنها الثانوية- في تحقيق نتاجات التعلم المفاهيمية والمهارية منها على السواء.
الأعمال الجادة هي ما ينتظره قطاع التعليم الذي يعاني من مثل هذه المشكلات الضخمة وليست الحلول الترقيعية في الحذف من المقررات أو الإيعاز بتسهيل الامتحانات أحيانا وتصعيبها أحيانا أخرى أو التلاعب بنسب النجاح وغيرها من الإجراءات التي لا تسمن ولا تغني بل تعمق الجرح وتفاقم المشكلات أو ترحلها للسنوات القادمة وحسب.
بقي أن أقول أن هذا الأمل أو الحلم الذي أطرحه ليس مستحيلا ولا صعبا حتى، وقد تبناه سابقا أحد الوزراء وتم إحباط توجهاته من داخل الوزارة وخارجها، ولو تم التحرك نحو هذا فسنلمس نتائجه الفارقة خلال ثلاث سنوات فقط من بدء تنفيذه، ولكن هذا التغيير المأمول مرتبط بتحول آخر لا بد منه في تنظيم مسارات التعليم وتوجه الدولة لنمط إقتصاد انتاجي يختلف عما نفعله حتى الآن… وهذا الحديث له موضع آخر غير هذا المقال..