بالنسبة للذيل / يوسف غيشان

بالنسبة للذيل
كان الرجل يدعى عباس بن فرناس، فقد صنع لنفسه ريشًا يشبه ريش طائر عملاق، ثم ارتقى بكل شجاعة وسؤدد مرتفعا شاهقا، وفرد أجنحته الاصطناعية….وقفز….. حلّق الرجل سابحا في الفضاء مثل النسر لدقائق معدودة ، بعدها فقد السيطرة ..وهوى…ثم مات!!
وهكذا من أجل حفنة من الدقائق ، يقضيها محلقا في الفضاء مطلا على الأرض، حيث تبدو له الكائنات والأشياء أصغر … من أجل هذه اللحظة التاريخية ، لم ينتظر القدر هذا الرجل ليهرم، لأنه، ومن أجل العلم والطموح البشري…. مات!! بعد الفحص التدقيق والاستقراء اكتشف العلماء أن المرحوم عباس بن فرناس نسي – أو تناسى- أن يصنع لنفسه ذيلا حتى يستطيع الحفاظ على التوازن، ويهبط على الأرض بسلام..تخيلوا لو وضع جدنا العتيق ابن فرناس لنفسه ذيلا لكنا نحن العربان العاربة والمستعربة أول من حقق فكرة الطائر البشري ، ولكنا منذ ذلك الوقت سادة العالم ، ولكانت حاملات الطائرات التي تحتل بحور العالم ومحيطاته – حتى الان- عربية وليست أمريكية من نسل الأخوين رايت.
الغريب في الأمر هو نسيان عباس بن فرناس- العربي الأصيل- لموضوع الذيل ، لكن يبدو أن أخواله ليسوا عربا ، لأنه لو كان عربيا من جهة الأعمام والأخوال – معمّ ومخول- لعرف أن الذيل هو الأهم… أو أن هذا الرجل كان ينتمي الى حضارة أكثر رقيا وتقدما منا في الشرق ، فلم يشعر اطلاقا بأهمية الذيل (وهذه احدى الآثار الجانبية لعمليات التقدم والتحرر والديمقراطية).
نحن العربان سادة هز الذنب : الموظف الصغير يهز الذنب للأكبر منه حتى يحصل على ما يريد أو حتى لا يؤذيه على الأقل ، والموظف الأكبر يهز الذنب لمسؤول القسم حتى يترقى، ومسؤول القسم يهز الذنب لمدير الدائرة ومدير الدائرة يهز الذنب للمدير العام، والمدير العام لرئيس مجلس الادارة ورئيس مجلس الادارة لـ….. ووووو.. بينما يهز الفراش والمراسل الذنب للجميع ، فيما يهز له المراجعون أذنابهم حتى يقوم بتمشية معاملاتهم.
الغريب أن هذا الإنسان ، وحسب نظريات التطور والبقاء للأصلح والانتقاء الطبيعي كان قد فقد الذيل مقابل دماغ أكبر، وراس أكثر تناسقا وقامة منتصبة تماما ، بينما لا تزال القرود بحاجة الى الذيل من أجل التوازن والنطنطة من غصن لآخر.
الأغرب ، ان جميع نظريات التطور الداروينية ، فشلت في تفسير كيف أن الإنسان الذي خسر الذيل استجابة لعمليات الانتخاب والتطور الطبيعي ، ما يزال بحاجة الى الذيل ليقوم بممارسة التذيّل لشخص أعلى منه، حتى يعيش ويرتقي ويحصل على راتبه التقاعدي الى أن يفرنقع من هذه الفانية. .
لكن ومن اجل الحقيقة والواقع، فإن الحاجة للذيل لغايات هز الذنب، اذا استثنينا قصة الطيران واعتبرناها مجرد مدخل للموضوع، تقل وتخف حتى تتلاشى تقريبا عند الشعوب الأكثر رقيا وتقدما، بينما تزداد وتتكشف عند الشعوب الأقل رقيا ، بمعنى أن هذه الحاجة الذيلية والتذللية تتناسب عكسيا مع مستوى الرقي والتقدم في المجال الإنساني. .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى