معركتنا معركةُ هوية / عبادة الزبيدي

معركتنا معركةُ هوية

في ظل تعنت المجتمعات العربية المحافظة من ناحية العادات والتقاليد التي تم تناقلها عبر الأجيال ومع وجود العولمة وعصر الانفتاح التكنولوجي وخصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي،لم تعد فكرة كسر العادات والأعراف مجرد خيالٍ جامح بل بتنا نشاهدها أو نسمع عنها بشكلٍ متكرر في الآونة الأخيرة الأمر الذي يجعلنا نطرح التساؤل فيما اذا كان الخروج عن المألوف بتصرفات فردية تكون أحيانًا خاطئة أمرًا مقبولاً،وحتى تتوضح الفكرة أكثر نأخذ على سبيل المثال الطريقة التي يتقدم بها الشاب العربي لخطبة فتاة،ومن المعروف بأن الأمر يتم في غالبية الدول العربية عن طريق الأهل في جلسة عائلية بحته بعيدًا عن أنظار العامة من الناس،الملفت للانتباه هي تلك الحالة التي تكررت في أكثر من مكانٍ وزمان في الآونة الأخيرة والتي يتقدم بها الشاب لخطبة الفتاة في أماكن تجمع العامة كالمولات أو المطاعم المزدحمة وعلى طريقة الأفلام الرومنسية التي تنتجها هوليود.

بالنسبة لي ان قام شابٌ أمريكي بالركوع على ركبتيه والتقدم لخطبة فتاة في أحد الأماكن المليئة بالعوام أمرٌ لا يدعو للإستغراب فتلك ثقافته المعمول بها في دولته،هل يستحق منا الأمر أن نسلط الضوء عليه بهذه الطريقة ومع كل هذه المشاكل المحيطة بنا كالحروب والفتن الطائفية والمشاكل الاقتصادية هل يعتبر تسليط الضوء على تصرفات فردية أولوية في مثل هذا الوقت؟!.
أقول نعم وبكل وضوح فنحن أمام معركة بدأت منذ عقود حول الهوية العربية المهددة بشكل واضح جدًا،وهنا نحن لا نتحدث عن تصرفات فردية عشوائية لا تضر ولا تنفع أو على الأقل هذا بالنسبة للبعض،بل نحن نتحدث عن عمق الهوية العربية الذي ما زال إلى اليوم يتلقى الصدمات من الخارج والداخل.

أصوات تطالب بتحرر المرأة من قيد العائلة وبالتالي اعطاءها الحرية المطلقة،أصوات تتهم العادات والتقاليد بالرجعية والتخلف،أصوات تعتبر التخلي عن الارث الاجتماعي أمرٌ واجب في سبيل التقدم الثقافي والحضاري،والكثير الكثير ممن يرتدون أقنعة الحداثة والتطور والذين يحاولون منذ سنين ضرب العمق الثقافي في المجتمعات العربية عن طريق اغراء الشباب بتلك الشعارات البراقة التي تمجد الفرد وتمنحه مساحات شاسعة من الحرية والتخلي عن القيم المعمول بها في المجتمع منذ قرون.
تنظُر المجتمعات الغربية إلى المجتمعات الشرقية كالصين واليابان وكوريا نظرة اعجابٍ واحترام وذلك نظرًا لتقدمُها التكنولوجي الذي ساهم في وضع المذكورين أعلاه في مقدمة الأمم ولكن الجدير بالذكر أن هذه المجتمعات حافظت على ثقافاتها وتمسكت بقيمها ومع ذلك تقدمت تكنولوجيًا وعسكريًا ولم يمنعها التمسك بعاداتها وتقاليدها المحافظة نوعًا ما مقارنة بالغرب أن تتخلى عن ارثها الاجتماعي في سبيل بناء حضارتها كما يُريد لنا البعض أن نصدق بأننا متخلفون عن العالم وذلك فقط بسبب العادات والتقاليد وهو ما نرفضه تمامًا فمثل هذا الطرح لم يعد مقبولاً اليوم.

مقالات ذات صلة

في المقابل علينا أن نعترف بأن هناك عيدان مشوهة داخل حزمة العادات والتقاليد يجب استئصالها سريعًا،مثل ثقافة العيب المنتشرة بشكل كبير في مجتمعاتنا والتي لها دور كبير في البطالة،زواج القاصرات،ضغط الأهل على الفتيات للقبول بأزواج لا يصلحوا ليكونوا في موقع المسؤولية خوفًا من العنوسة،قلة الايمان بقدرة الأبناء على حمل مسؤوليات كبيرة بحجة نقص الخبرة،العشائرية وضع ألف خطٍ وخط تحت كلمة العشائرية وسلطة العشيرة على الفرد!.
عوامل كثيرة تجعل الشاب العربي يتبنى الثقافة الغربية ليستبدل بها ثقافته المعيوبة في نظره وهنا يكمن التهديد الحقيقي للهوية العربية وهنا علينا أن نقف موقِفًا حازمًا تجاه كل المتغيرات التي تطرأ على ثقافتنا وتهددها من الداخل قبل الخارج وذلك عن طريق اصلاحات حقيقية تتضمن ترتيب أوراق الارث الاجتماعي والتخلص من تلك العادات التي تعد فعلاً خطرًا على المنظومة الاجتماعية برمتها.

أما أنت أيها الشاب العربي فعليك أن تعي بأن لكل مجتمع في هذا العالم تقاليده وقيمه وأعرافه التي تنظم حياته وتخدم مصالحه الشخصية كما تصب في المصلحة العامة ونحن في العالم العربي لا نختلف عن نظرائنا في الغرب أو الشرق فنحن أيضًا مجتمعات لها ارث ثقافي متمثل في العادات والتقاليد وهي جزء كبير من هويتنا العربية والانقلاب عليها بهذه الطريقة العبثية سيكون مدمرًا للمجتمع طامسًا للهوية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى