مصطلحات إسلامية: العسر واليسر

#مصطلحات_إسلامية: #العسر و #اليسر
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
هذان مصطلحان إسلاميان بامتياز، ولم يرد الربط بينهما جدليا إلا في التشريع الإسلامي.
المعنى اللغوي للعسر هو الحالة التي يمر بها الإنسان فيها شدة وضيق، واليسر هو نقيض تلك الحالة أي الانفراج والمسرة، وبديهي أن تحقق أحد الأمرين للمرء ليس بإرادته، بل نتاج عوامل متداخلة، أغلبها ليس له يد فيها، إذ لا يمكن أن يتمنى الانسان لنفسه غير اليسر الدائم، وبلا أي لحظة من العسر، لأنه سينغص عليه معيشته ويقلبها شقاء ومعاناة.
قبل أن تستكمل التشريعات السماوية للدين بنزول الرسالة الخاتمة، كان الاعتقاد البشري بأنه لا ترابط بين الحالتين، فلكل موجباتها واستحقاقاتها، وأن الحظ هو ما يلعب الدور الأكبر في الحالين.
لكن القرآن علم الإنسان ما لم يعلم، ومن أهمها ما أراده الله أن يجلّيه له من علم الغيب، والذي ما كان يمكنه أن يتعلمه بوسيلته الوحيدة وهي العقل، عن طريق البحث والتجريب.
ومنها أن الآجال والأرزاق قدرها الله تعالى، ولم يوكلها للخلائق لمنع بغيها على بعضها فتفسد الحياة، فجعلها مقسومة، وفق حكمة لا يمكن أن نعلمها، لكنها منظمة بدقة من قبل الخبير العليم.
ومما علمه الله للإنسان واكتشفه بالتجريب والملاحظة فيما بعد، أن النظام الكوني بأجمعه، بجماداته وكائناته الحية، يسير جميعه وفق نظام الثنائية (Binary system).
فلأجل تكاثر الكائنات الحية بأجيال مختلفة ومتطورة عن سلفها أوجد الثنائية التوافقية، وهو خلق المخلوقات بصورتي الذكر والأنثى المنفصلين للكائنات الذاتية الحركة كالحيوانات، أو المتقاربين للكائنات غير المتنقلة كالنباتات، ولتلك وحيدة الخلية كالبكتريا جعلها وحيدة الجنس فتتكاثر بالإنقسام.
أما الجمادات كالعناصر والمركبات والهواء والماء، فكل شيء خلقه لوظيفة يؤديها، فقد خلقها بحيث لا تفنى، لذا لا ضرورة لتكاثرها، ولكن قد تتحول بحالاتها الفيزيائية الثلاث: الصلبة والسائلة والغازية، وفق معادلة توازن دقيقة.
وعندما تعرف الإنسان على دقائق تركيبها وجد أن وحدتها البنائية لها جميعا هي الذرة، وفيها جميعها النظام الثنائي البنائي تكون نواة فيها الشحنة الموجبة ودقائق أخرى وحولها تدور الكترونات سالبة الشحنة، ووجد عناصر فلزية ومقابلها عناصر لا فلزية،..الخ من عدد كبير من التقابليات الثنائية.
حتى في الأمور غير المادية كالطباع والصفات والأخلاق والأفكار، جميعها تخضع لنظام الثنائية الضدية، الذي يستند على أنه بضدها تعرف الأشياء، فلولا المرض ما عرفت قيمة الصحة، ولولا البخل ماعرف فضل الكرم، ولولا ضرر الكذب ما عرفت مزية الصدق، ولولا المصاعب ما أحس الإنسان بنعمة السهولة،..وهكذا.
ولما كانت حياة الإنسان الدنيوية بقصد ابتلاء الإنسان، إيمانا وعملا، لذلك فلا يعقل أن تبقى معيشة الإنسان تسير بيسر وسهولة، فلو كانت أرزاقه تأتيه غدقا على الدوام ما عمل ولا تكلف جهدا في طلبها، لذلك شاءت حكمة الله أن يتعرض الإنسان في حياته الى مختلف الثنائيات الضدية: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ” [البلد:4]، لكنه تعالى محبة بالإنسان ورحمة له، ربط بين العسر واليسر، أي جعل اليسر نتيجة حتمية لكل عسر.
وجاء ذلك مؤكدا في قوله تعالى وهو يخاطب سيد المرسلين وأحب الخلق اليه: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” [الشرح:5]، فجاءت فاء السببية لتعيّن علة زوال العسر لأن اليسر ملازم له ويأتي معه، ثم جاء التأكيد في الآية التالية: “إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” بلا تعليل بل على المطلق، لطمأنة الإنسان أنه مهما تعددت طرائق العسر وأمده ونوعه، فسوف يأتي الفرج من الله دائما بزواله، لكن أوان ذلك وكيفيته يقدره الخالق، ولحكمة يريدها، إنما في جميع الأحوال، فهذا التلازم الذي تفيده استعمال (مع) يؤكد المعية وليس التتالي، وأن الفرج حاضر قريب ولن يتأخر، لأن تلك الملازمة سنة كونية ثابتة.
وهذا يفسر الروح المعنوية العالية التي يتمتع بها أهل القطاع الصامدون، وفشل كل أساليب المعتدي الوحشية في كسرها، فالمؤمن مطمئن لقرب الفرج، راضٍ مهما أصابه من كروب ومحن، كمثل المريض الذي طمأنه الطبيب بأن هذا العلاج سيشفيه، فرغم أن الألم ما زال، إلا أنه مرتاح مطمئن طيلة فترة انتظار الشفاء، بالمقابل فالمكذب بالدين كمن أخبره الطبيب أنه لا علاج لمرضه، فهو هلوع لما يصيبه، لأنه قانط يائس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى