في_الواقع

#في_الواقع

د. هاشم غرايبه

بدأنا نسمع مؤخرا عن مطالبات دولية وعربية لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية (كريم خان)، بتقديم أركان قيادة الكيان اللقيط الى المحاكمة بتهمة القيام بجرائم حرب، قد ترقى الى مستوى كونها الأفظع في التاريخ البشري.
المعروف أن هذه المحكمة لم تقم تاريخيا بأي تحقيق من هذا النوع إلا بطلب من الغرب، وعندما كانت تجبر على القيام بتحقيق في تجاوزات يغطي الغرب عليها، وذلك إن تقدمت بالطلب أكثر من خمس دول أعضاء، كان التسويف والمماطلة في إظهار النتائج هي الممارسة المعتادة.
رغم أنه لم يبق في العالم دولا تمارس جرائم عنصرية وجرائم حرب ضد المدنيين بشكل ممنهج، غير الكيان اللقيط، فأن جرائمه الساطعة لم تستوقف المدعي العام يوما ما، فلم يبادر بحكم واجبه في أية مرة لإجراء تحقيق.
وعندما كان مرغما على ذلك، بناء على طلب خمسة دول، فقد كانت نتائج التحقيق لا تدين المجرم إلا وتدين الضحية معه، فلكي تضيع الجريمة تكتفي المحكمة بتوصيات ضابية، فلم يقدم أيّاً ممن أدينوا من ذلك الكيان الى المحاكمة، بل لم تتم التوصية بملاحقتهم وتوقيفهم (كما حدث مع البشير أو بوتين).
المخزي في هذه المرة أنه لم يجرؤ نظام عربي على تقديم طلب رسمي بذلك، ولا حتى السلطة الفلسطينية، بل اكتفوا بمطالبات إعلامية، للإستهلاك المحلي ليست إلا.
فمن تقدم بالطلب فعليا هي جنوب أفريقيا، وتمكنت من أقناع أربعة دول بالانضمام إليها لأجل جمع الأصوات الخمسة المطلوبة، وهي بنغلادش، وبوليفيا، وجزر القمر، وجيبوتي.
في واقع الأمر، لا يمكن أن تكون ممارسات هكذا كيان أنشأه الإرهاب، وأدامه وحماه الاستعمار إلا جرائم.
وفي الكتاب الذي عنوانه: (State Of Terror) للكاتب الأمريكي”توماس سواريز”، يصف بدقة كيف خلق الكيان اللقيط كدولة فرضت على منطقة الشرق الأوسط بهدف تمزيق الأمة الإسلامية وادامة ضعفها.
تكمن أهمية الكتاب في اعتماده على وثائق بريطانية أصلية، وليس على الروايات والتصريحات، وقد أورد منها ما يكفي أية محكمة محايدة للحكم بعشرات المؤبدات على جميع قادة الحركة الصهيونية والكيان الوليد، على أعمال تعتبر عين الإرهاب، استهدفت الفلسطينيين وسلطة الإنتداب البريطانية وديبلوماسيين غربيين وحتى اليهود الرافضين للفكرة الصهيونية.
سأتجاوز عن الأعمال البشعة التي قاموا بها ضد الفلسطينيين وسكت المجتمع الدولي عنها والتي يعددها الكتاب، والتي تتجاوز أفعال داعش كيفاً وكمّاً بعشرة أضعاف، بالمقابل نندهش من ضخامة ردة الفعل على أعمال داعش، حيث احتشد العالم بأكمله ليدمر خمسة دول تماما ويخرب اقتصاد عشرة أخرى ويقتل ويشرد الملايين من المدنيين بلا ذنب اقترفوه.
لكني سأشير الى موضوعين هامين يحظر الغرب تناولهما، وقد جرؤ الكاتب على إيرادهما: الأول دور الصهيونية في الهولوكوست، فقد هاجم “بن غوريون” في عام 1938فكرة (كندرترانسبورت) لانقاذ أطفال اليهود بإرسالهم الى بريطانيا، قائلاً:”من الأفضل أن يذبح نصفهم على يد النازيين من أجل أن يذهب النصف الباقي الى مشروعه الإستعماري لفلسطين”.
ويكشف الكتاب كيف تم كسر مقاطعة أوروبية لألمانيا في عام 1933عندما وافق المؤتمر اليهودي العالمي على ابرام اتفاق “الهافارا” الذي يتيح لليهود الأثرياء المهاجرين نقل أموالهم بشكل بضائع ألمانية، وظل التنسيق قائما حتى عام 1937 حينما زار “أيخمان” فلسطين برفقة مسؤول عصابة الهاجاناه “بولكيس”.
بعد نشوب الحرب عام 1940 سعى “شتيرن” الى عقد حلف (نازي- ليهي) مع ألمانيا، ونجح “وايزمن” بعقد محادثات مع “موسيليني” كورقة ضغط على البريطانيين، وظلت الوكالة اليهودية تعارض انضمام اليهود لقوات الحلفاء حتى رأت تغير موازين القوى عام 1942.
الموضوع الثاني: يتعجب الكاتب كيف ظلت قوات الإنتداب البريطاني تتلقى هجمات اليهود وتخسر جنودها، ولا تلاحق المعتدين بل على العكس كانت تزودهم بالعتاد، بالمقابل تقوم بإعدام العربي إن ضبطت معه سلاحا.
كما يستغرب السكوت على تفجير مقر القيادة البريطاني في فندق الملك داود، واغتيال الكونت برنادوت، ونسف سفينة الشحن البريطانية “س.س. أوشن فيغور، ونادي الضباط، ونسف القطارات ومحطات التلغراف ..الخ.
مما سبق يخرج المرء باستنتاج مؤلم: وهي أن من يعول من العرب على الوصول لحل عادل للقضية من خلال تطبيع أو صداقته أو تحالفه مع الغرب، او قرار محكمة أو هيئة دولية هو إما أبله أو عميل.
الحل بالجهاد.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى