لماذا كل هذه الكراهية؟

لماذا كل هذه الكراهية؟
ماهر أبو طير

اللافت للانتباه بيننا ان منسوب الكراهية بات مرتفعا جدا، وتتجلى هذه الكراهية بكل هذه التعليقات بحق بعضنا البعض، او من خلال التعبير عن موقف من قضية ما.
أنا لا أتحدث هنا عن حرية النقد المحترمة، ولا عن حق الانسان في تقييم أي موقف، لكن أتحدث عن طبيعة المفردات التي يتم استعمالها، والميل الكبير لتصغير الآخرين، والتشكيك بهم، وإهانتهم، والتجريح، وهذا الحنق الذي نراه بين بعضنا البعض، وضد بعضنا البعض، حتى امتد إلى القضايا الكبرى، والملفات التي من المفترض ألا نختلف عليها وان تسبب توحدا، لا انقساما بين الناس.
خذوا التعليقات مثلا على الأسيرة هبة اللبدي، والكم الهائل من تعليقات الكراهية ضدها، بعد أن كانت معتقلة، تارة عبر الغمز من اتجاهها السياسي، وكأنها الوحيدة في هذا البلد التي تتبنى هذا الاتجاه، وتارة عبر تكذيب خبر إضرابها بذريعة أنها تبدو بصحة جيدة، مع عدم تفهم أحد ان هناك معتقلين أضربوا لشهور أطول وخسروا قليلا من الوزن ولم ينهاروا تماما، لكننا في قصتها كنا نقرأ هذه الطبيعة الغريبة المستجدة، أي ترميزها وتعظيمها والدفاع عنها، ثم الانقلاب عليها بطريقة جارحة، والذين ينقلبون يتناسون أنهم أساسا يشيعون ثقافة الشك في كل من يضحي، ويقدمون خدمة لمن اعتقلها، عبر تحطيمها.
خذوا أيضا عودة الباقورة والغمر، إذ إن هناك من فرّغ كل حقده على الأردن، بوسائل مختلفة، ولو قامت دولة عربية ثانية باسترداد متر واحد من الاحتلال الإسرائيلي لصفقوا لها ليل نهار، لكن بعضنا في قضية الباقورة والغمر، أبى إلا أن تفيض كراهيته، فهو لا يريد ان يعترف لهذا البلد بشيء، فهو بنظره كيان عميل للاحتلال، ولا يمكن ان يسترد مترا من ارضه، وتجلت التعليقات بكل الوان الكراهية المبطنة والعلنية، تارة حول الدونمات المباعة للوكالة اليهودية في الباقورة العام 1926، وكأن الأردن وحده شهد ظاهرة بيع الأرض لليهود في العالم العربي، ثم عبر اتهام الأردن بكونه سيعيد تأجير الأرض لإسرائيل عبر واجهات أردنية أو عربية او اجنبية مستثمرة، وتنهمر التعليقات، من اجل تعزيز ثقافة الكراهية، فنحن نكره الدولة، ونكره أنفسنا، ونكره حاضرنا، ومستقبلنا أيضا، ولا نثق بأنفسنا ليوم واحد.
مع الحالتين السابقتين خذوا التعليقات على توزير هذا او ذاك، فقد يكون فلان غير مؤهل، ولا يستحق الوزارة، لكن طريقة معالجة الموقف تؤشر على نفسية غريبة، وكأننا نستمتع بنتف ريش من امامنا، هذا على الرغم من ان كل القصة يمكن معالجتها بكلام محدد، أي ان الوزير مؤهل او غير مؤهل، والتساؤلات حول توزيره تبقى طبيعية، مادامت لائقة ومؤدبة ولا تهزأ بالناس، ولا حتى بصورهم، مثلما نرى هذه الحالة عبر الاستهزاء بقصة شعر هذه الوزيرة او تلك، او مظهر فلان او علان، ويراد إقناعنا ان هذا مجرد نقد، لكنه بصراحة يعبر عن كراهية تتعاظم وتتجلى بتعبيرات مختلفة.
خذوا قصة قديمة للاعب احمد أبو غوش، بطل الأردن الذي حاز ذهبية أولمبية في التايكوندو، الذي حظي بتهليل كبير، وتصفيق شعبي، لكن عند اول خطأ وقع به، يتعلق بدوامه في الجامعة، وحدوث إشكالات، انهمرت على رأسه مئات آلاف التعليقات قامت بحرق سمعته، واستباحته، وكأنه كفر، وكنا امام حالة غريبة من الكراهية والثأرية، وكأننا نأكل انفسنا، ولا نقبل بطلا، ولا نحتمل وجوده.
شيوع الكراهية، والاحقاد الصغيرة، بين بعضنا البعض، والاستمتاع بقتل الآخر، بات ممتدا، من إيذاء الأفراد العاديين لبعضهم، وصولا إلى إيذاء الأسماء المعروفة، مرورا بالتطاول على بلد بأكمله كما في قصة الباقورة والغمر، ويراد حرمانه من حقه بالبهجة ورأسه مرفوعة، والبحث عن ثغرة لطعن سمعته او احتفاليته، وانتقاصه، وهذه حالة مرضية بحق، تتفشى يوما بعد يوم، ولن يكون غريبا ان نصحو على واحد فينا يؤسس صفحة باسم مستعار على فيسبوك، يستعملها في مهاجمة نفسه على صفحته الاصلية، بعد ان باتت الكراهية، ثقافة، وممارستها شجاعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى