مستقبل العرب بيد إسرائيل

مستقبل العرب بيد إسرائيل: الوضع الاستراتيجي القادم
د.لبيب قمحاوي

الشعوب مقموعة والأمة مقهورة والتطورات تتسارع والأحداث تتلاحق والمستور في العلاقات العربية – الاسرائيلية إبتدأ ينكشف بشكل متتابع وملحوظ ، في الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب الى موقف عربي مُوَحَّد لمجابهة النصر الاسرائيلي الصهيوني الذي تم مع صفقة القرن والذي وضع الأساس للإمبراطورية الاسرائيلية القادمة والقائمة على أشلاء العالم العربي . كل ذلك يؤشر على حقبة سوداء قادمة تُنهي بشكل كامل أي أمل في إستنهاض الحالة العربية ، وتؤكد أن الأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية لم تَبِعْ نفسها فقط للإسرائيليين ، إنما باعت روحها لهم أيضاً مع أن الجسد بلا روح لا قيمة له .
يسعى الحكام العرب الى الإلتفاف على مشاعر شعوبهم الرافضة لتطبيع العلاقات مع اسرائيل بإتباع نهج ممارسة التطبيع دون الاعلان عنه بالضرورة ، مع أنه تم السماح مؤخراً بتسريب بعض أشكال هذا التطبيع بصورة علنية ومتزايدة والى الحد الذي يجعل منه تدريجياً وبالنتيجة أمراً طبيعياً لايستدعي ردود فعل شعبية. و بذلك يفعل الحكام العرب الآن بشعوبهم تماماً كما فَعَلَت أمريكا وإسرائيل بالفلسطينيين والعرب من خلال تنفيذ وتطبيق أسوأ ما في صفقة القرن قبل الإعلان عن تلك الصفقة وجعلها أمراً واقعاً مثل : الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل والإعتراف بسيادة إسرائيل على المستوطنات ورفض حق العودة واعتبار اللاجئين مشكلة انسانية وليس سياسية ناهيك عن الإعتراف الأمريكي بالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري العربي…. إلخ .
الصدمة الحقيقية التي بدء العرب الآن في المعاناة منها هي درجة التفاني التي تُبديها بعض الجهات العربية المرتبطة بأنظمتها والتي بدأت بالتنظير والإقرار بحق اليهود التاريخي في فلسطين وأن الفلسطينيين هم الغاصبون لأرض فلسطين اليهودية متناسين أن الخطر الصهيوني سيصيب الجميع بالنتيجة .
من المستحيل تبرير هذه الزندقة السياسية والتاريخية وقبول هذه الدرجة من الانحطاط السياسي والأخلاقي التي قد تصيب بعض العرب في سعيهم لركوب موجة “العصر الصهيوني” الذي تحاول أمريكا فرضه على العالم . ولكن الحقائق، وللأسف، تتكلم عن نفسها ولا جدوى من الإنكار أو التجاهل في وقت نشهد فيه إنهيار الموقف العربي على كافة الأصعدة وبشكل يكاد يكون يومياً . فالحكام العرب ليسوا في طريقهم فقط إلى الصلح والاعتراف وتبادل السفراء والقبلات والتطبيع الشامل مع إسرائيل، بل هنالك ماهو اكثر من ذلك . الحكام العرب في طريقهم للإعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية أي لا حقوق لغير اليهود فيها (الفلسطينيين) وقد يكونوا في طريقهم للإعتراف بالقدس عاصمة لتلك الدولة الإسرائيلية اليهودية.
عندما تستسلم روح أي أمة تستسلم إرادتها بالضرورة ، وهذا يعني أن النتيجة الحتمية لهذا المسار العربي هي الهيمنة الاسرائيلية وقيادتها للأنظمة المتهالكة المستبدة الحاكمة لمعظم دول العالم العربي ، وبما يجعل الإقليم العربي منطقة تحت نفوذ وقيادة إسرائيل وخاضعة لها . وهكذا فإن الحلم الصهيوني “من النيل الي الفرات” قد لا يعني بالضرورة الإحتلال العسكري لتلك المنطقة بقدر ما يعني إستسلامها الطوعي لإسرائيل وخضوعها لها ولمخططاتها ووقوعها تحت نفوذها كدول تابعة تسبح في المحيط الاسرائيلي.
الثروة والقوة والنفوذ التي يسعى الحكام العرب الى الحفاظ عليها ، كلُّ بطريقته الخاصة ، لن يتم في ظل الاوضاع الراهنة و القادمة الا برضى وموافقة إسرائيل وبالكيفية وبالقدَر الذي تريده ، علماً أن الثروة العربية ومنها النفطية سوف تكون في النهاية ملكاً إمَّا لأمريكا أو لإسرائيل أو لكليهما معاً ، والأنظمة العربية الحاكمة سوف تتحول من أنظمة سيادية الى أنظمة تابعة تدور في فلك إسرائيل ومنها بالطبع السلطة الفلسطينية إن بقيت موجودة .
الحقبة المقبلة لن تشهد انسحاباً أمريكياً من المنطقة العربية كما يُشاع ويُقال ، ولكنها سوف تشهد تسليم مقاليد العالم العربي لإسرائيل باعتبارها امتداداً للمصالح الأمريكية وقاعدة نفوذها في المنطقة . ثقة أمريكا بالعرب ، وخصوصاً أنظمتهم الحاكمة التابعة لها تكاد تكون معدومة ، وأمريكا تعاملهم بإستخفاف ، وفي الغالب بإحتقار يكاد يكون علنياً ومباشراً وعلى وسائل الاعلام المختلفة دون مواربة ، وبإستسلام ملحوظ من قبل اولئك الحكام إما على مضض ، أو عن خضوع ، والنتيجة على أية حال واحدة .
إدارة ترامب ونَمَطِها وعقيدتها هي المستقبل الذي سيحكم أمريكا والعالم ، وهي ليست حالة طارئة كما يحلو للعرب أن يفكروا، فهذا منطق الضعيف الذي يرغب بالتعلق بقشة منعاً لِغَرَقِه . إسرائيل إستوعبت وبسرعة مؤشرات وعوامل التغيير ولَعِبت عليها ومعها وعَمِلَت على استغلالها والإستفادة منها من خلال المزيد من التأكيد على أهمية و تناغم المصالح المشتركة بينها وبين امريكا . والحكام العرب عملوا في المقابل على إستجداء دعم تلك الادارة من خلال المزيد من الاستسلام السياسي والاغداق المالي وقبول أولويات إسرائيل كأولوية عربية مثل عداء اسرائيل لإيرَان و لبرنامجها النووي الذي يُشكل تحدياً استراتيجياً لإسرائيل من خلال كسر إحتكارها للخيار النووي في منطقة الشرق الإوسط . الاستسلام العربي لن يؤدي إلاَّ الى مزيد من الاستسلام ، وأمريكا قد قامت بتجييرالإستسلام العربي لها بتحويله الى إستسلام لإسرائيل . وتَبِعات هذا الإستسلام قد بدأت بالظهور خصوصاً في الخضوع لإجراءات إسرائيل وامريكا الاخيرة في تدمير الأسس التي تستند إليها القضية الفلسطينية وبالنتيجة في موقفها الخانع المستسلم تجاه صفقة القرن ، تلك الصفقة التي إمتازت بوقاحتها في تزوير التاريخ والعمل عل إختطاف مستقبل هذه الأمة خطوة خطوة تبدأ بإبتلاع فلسطين ارضاً ووطناً وبشراً وتاريخاً ، ومن ثم الانتقال الى الاردن وهو الهدف الثاني للقضم والهضم بعد فلسطين ، ومن ثم باقي الدول المجاورة لفلسطين قطعة قطعة وهلمجرا . فالقضم والإبتلاع والهضم ثم القضم والابتلاع و الهضم مجدداً هو محور السياسة الاستعمارية الإحلالية لإسرائيل منذ البدايات.
في ظل هذه الأوضاع البائسة ، ماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا ؟
الاوضاع العربية الحالية والقادمة تشير ليس فقط الى استحالة تحرير أي جزء من فلسطين بالقوة المسلحة بل الى إنعدام الارادة والرغبة لدي الأنظمة العربية لفعل ذلك واستسلام ارادة السلطة الفلسطينية وتبعيتها لإسرائيل . وبناءاً عليه لا يبدو أن هنالك أي خيار أمام الفلسطينيين سوى العمل من داخل فلسطين على تحرير الانسان الفلسطيني وتمكينه من إستعادة حقوق المواطنة ، خصوصاً السياسية . التحرير في المرحلة المقبلة قد لا يعني القدرة على تحرير الارض الفلسطينية بقدر ما يعني وجوب العمل على تحرير الانسان الفلسطيني وتحويله من مقيم على أرضه الي شريك فيها بالرغم من ملكيته التاريخية والوطنية الكاملة لها ، وذلك بحكم معادلة ميزان القوة السائد والمنظور ، خصوصاً وأن العالم مقبل على مرحلة جديدة تستند الى حق القوة وليس إلى قوة الحق.
حديثنا اليوم لا يهدف الى تهبيط العزيمة وزرع اليأس بقدر ما يهدف الى التذكير والتحذير وإلى ايجاد مخرج للفلسطينيين في ظل الاوضاع العربية والفلسطينية البائسة السائدة والمرشحة لمزيد من التدهور . وقد يأتي يوم القيامة المشؤوم قريباً عندما نرى الحكام العرب يتناوبون علي تقديم القرابين لإسرائيل ، وعندما يفتحوا سفاراتهم في القدس الموصومة قهراً كعاصمة لاسرائيل ، ولا داعي لتذكير العرب بالحكمة الموروثة ” أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ” والثور الأبيض هو فلسطين والفلسطينيون .
” انتهى الجزء الأول ”
Ikamhawi@cessco.com.jo
10/02/2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى