الرصيف الآخر..

مقال الخميس 16-6-2016
النص الأصلي
الرصيف الآخر..
الأطفال والباحثون عن جمال الحياة غير معنيين كثيراً بالبرتوكولات واجراءات السلامة والاحترازات الأمنية..هم غير معنيين بأهداف ونتائج الزيارة بالمجمل…ما يعنيهم من الحياة أن السماء صافية ، وان هناك كمية كافية من الريح ستحمل طائراتهم الورقية إلى ارتفاعات شاهقة ، خيوطها ابتسامات حقيقية ومقودها ضحكات من القلب في عطلة نهاية الأسبوع…
قبل أسابيع زار الرئيس الأمريكي “اوباما”لندن ،حيث منعت كل مظاهر الفرح الطفولي في يوم وصول سيّد البيت الأبيض ،فُحظرت عن أجزاء واسعة من سماء لندن الطائرات الورقية والبالونات والمظلات الصغيرة وطائرات التحكم عن بعد وأي جسم طائر يزيد وزنه عن 2 كغم ،حتى لو أن “غراباً” متخماً يزيد وزنه عن الوزن المسموح سوف تخرج مقاتلة وترديه قتيلاً…

زيارة أوباما..ذكّرتني بأشياء مشابهة حدثت في إحدى الدول العربية..عندما قرر زعيم تلك الدولة زيارة إحدى المدن وتفقّد أحوال مواطنيه هناك ، منذ الإعلان عن الزيارة عبر القنوات الرسمية من رئاسة الحكومة إلى الوزارة إلى المنطقة إلى البلدية ، والكل يعمل على قدم وساق مواصلين الليل بالنهار…فجأة بدأت آليات تعبيد الشوارع تعمل على مدار الساعة ، وطلاء أعمدة الإنارة وتعليق الصور ،ومدّ أحبال الزينة المضاءة في الشارع المتوّقع ، وزرع الأعلام على النوافذ ، وتجديد الرايات فوق الدوائر الحكومية ، وأثناء انهماك عمّال البلدية بزرع الورود في الجزيرة الوسطية وعلى جانبي الرصيف ،جاء خبر بأن الزعيم ولحسابات أمنية لن يمرّ من هذا الشارع وإنما من الشارع الموازي …مباشرة حمل جميع العمال أدوات التنظيف والصيانة وعبوات الدهان ليذهبوا للرصيف الآخر بينما عاد بعض عمال الزراعة التي أوكلت إليهم مهام زراعة الورود على الأرصفة..بخلع الأشتال المزروعة للتوّ وحملها بشروشها وجذورها للرصيف الثاني ، ليترك الشارع بخلطات أسفلته المدلوق وحفره الترابية ونصف زينته ،كعروس تأجل زفافها..
في الشارع الآخر بدأ العمال بالتنظيف والترميم ،وطلاء بلاط الرصيف وأحجار الجزر الوسطية كما كانوا يفعلون بالشارع المتوقع الذي أكل تعبهم وجهدهم ،بينما بدأت صهاريج الماء تلحق بفرق الصيانة لتشطف الشارع وتسقي الزرع الجديد، وفي خضمّ العمل الجاد..جاء أحد أعضاء لجان الاستقبال بنبأ عظيم أن الزعيم…قد حطّ بمروحية في مركز المدينة قبل خمس دقائق وسيغادر منها كذلك بعد ربع ساعة …فرح “السوبر فايزر” بالخبر وقال: الحمد لله…لا يوجد في السماء أرصفة ..فترك الجميع مهامهم المستعارة…واعتبروها عطلة رسمية لهم ولمعاولهم…

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotamil.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. لو عرف السوبر فايزر بالخبر قبل ان تحط الطائرة في المدينة لعمل على دهن الهواء بالوان الشفق احتفاءا بوصول المسؤول الكبير .. او لعمل على تزيين الهواء بالبلالين المتطايرة ترافق المسؤول حال وصوله وحال مغادرته … لكن الحمد لله انه الامور بقيت على الرصيف والرصيف الآخر .. لانه كله بالاخر من جيبة الشعب

  2. تعال شوف وضع البنيه التحتيه في بلد الاسفلت التي تعد من مخلفات تكرير البترول .. بلد الشركه الاضخم في تاريخ للبترول .. اقسم بالله ما فيه شارع فرعي إلا فيه حفر و تصدعات تكاد تجزم انك في السودان …. بلدان ناخرها الترهل و الفساد و المحسوبيات … الله ساترها و الامور داحله لكن لا أعتقد بعد كسر حواجز الصمت في خريف أعمار الدول أن يأتي الشتاء بالمطر المعتاد .. الامور اصبحت بشكل نسبي لا تطاق فالزمن يتسارع و خالق الزمان و المكان يدبر الامور و هو أعلم بالمستقبل … الله يستر من القادم

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى