.وطن "الرمّان"

[review]

الخميس 22-9-2011

لم أكن أعرف اسماء الفصول بعد ،لكنّي كنت أعرف قوامها الممشوق فوق حلمي الطفولي .. ففي الخريف مثلاً لم يكن يشغلني ،سوى مراقبة اسراب «ابو سعد»المهاجرة جنوباً..أجلس على درجة بيتنا الطيني وارفع رأسي عالياً عالياً اتابع بدهشة كيف ترسم تلك الكائنات السماوية دوائر محكمة في الهواء ، كيف لا تصطدم،كيف لا تدوخ، كيف لا تهبط،كيف لا تتوه..تدغدغ زرقة السماء عيني..فأدمع رغماً عني..ثم اضع كفي فوق جفني واتابعها من جديد…ترى هل تراني؟..هل ترى كاس الألمنيوم المعلّقة في يد خابيتنا؟…انتصب على ساقي قليلاً وارفع عالياً «لفيفة» السكّر في محاولة لأغراء غيمة الريش المتكّبرة للهبوط وتذوق حلاوة اصابعي..لكنها لا تأبه بي ،تظل دقائق تمارس الحوم الشاهق والصامت ثم تجتاز بيتنا الصغير دون اكتراث..

أُحبط من جديد فأنا انتظرها منذ عام ويزيد ،اطأطيء رأسي امسح عينيَّ الدامعتين بزرقة السماء الشاغرة ، اتبرّع بسندويشة «السكّر» لسرب نمل قريب يشبه سرب «ابو سعد» لكنه اكثر تواضعاً..ثم امضي بطريقي الى «الرمّانة» الغربية..كان يواسيني قليلاً الندى المتجمع على الصخرة الملساء والواقعة بين مثلث الظلال؛ رمانة وزيتونة ودالية..كنت اغمس بناني بثقوب الصخرة الممتلئة ماءً شفافة ثم ارسم طيراً شاهقاً هاجر جنوباً للتو..امدّ ذراعي النحيل بين اغصان الرمانة الوارفة، اختار حبّة نحاسية كبيرة..افلقها على نتوء قريب..ثم ابدأ بتسبيح حباتها في يدي الصغيرتين..آكل بنهم تلك الحبات الباردة المحشوة ماء حلواً..ازيل الغشاء الاصفر بين طبقات الحب المرصوص..ثم انبش جدار الياقوت الشهي ..كانت تشاركني ديوك صغيرة متعة التقاط الحب الواقع في حوض الدالية ..كنت أتقاسم وتلك الكائنات السرقات والوقت.. احد لا يعرف مكاني او مكانها، وأحد لا يعرف موعدي اليومي مع وطن الرمان المحشو سكّاناً ومحبة…

مقالات ذات صلة

تغير كل شيء ، ألان أعرف اسماء الفصول جيدا،لكني لا المح قوامها..ونادراً ما ارفع رأسي نحو السماء، وان فعلت ،اجدها شاغرة باهتة ،حتى «ابو سعد» صار يحجز على «الفيرست كلاس» من بلاده..وسرب النمل اصيب بالسكري وصار يتعاطى»جلوكوفاج»..لا ندى على الصخرة، ولا انا..حتى الرمان صار يأتيني مفروطاً بصحن زجاجي تعلوه «ملعقة» فوق طاولة مكتبي..

تغير كل شيء ،فلا تسبيح بيدي الصغيرتين، ولا ماء حلوا ولا سرقات ولا جدار ياقوت.. حتى الديوك الصغيرة لم اعد اراها …لا شيء في حينا سوى دجاجات «وحدانيات» .. وأرامل.

ahmedalzoubi@hotmail.com

احمد حسن الزعبي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى