مدينة الحسين الطبية وأزمة مواقف السيارات
موسى العدوان
بداية أتقدم بالشكر والعرفان للقائمين على هذا #الصرح #الطبي العظيم، أطباءَ وكوادرَ فنيةً وإداريةً، لما يقدمونه من جهود حثيثة، في خدمة ذوي الحاجات العلاجية من #العسكريين والمدنيين. وبما أن الكمال صفة تتجاوز قدرات البشر، فلابد من ظهور بعض نواحي النقص أو التقصير في إدارة أي مؤسسة رسمية أو خاصة، مما يستوجب الإشارة إليه من أجل إصلاحه.
وعلى هذا الأساس سأتحدث في هذا المقال مع بداية العام الجديد، نيابة عن مختلف المراجعين، عن ناحية إدارية واحدة من نواحي التقصير، ألا وهي توفر #مواقف #السيارات في #المدينة #الطبية، متجاوزا بقية النواحي الفنية والإدارية.
لقد بُنيت هذه المدينة عام على 1973 على ربوة غرب عمان بتوجيهات من جلالة الملك حسين طيب الله ثراه، لتقديم الخدمة العلاجية والتمريضية للعسكريين وعائلاتهم، وقد أقيمت عليها المنشاءات اللازمة في ذلك الحين. وفي وقت لاحق أسندت للمدينة الطبية مهمة معالجة المدنيين مقابل الثمن، بعضها على حساب الديوان الملكي، والبعض الآخر على حساب الحكومة، وكثيرا ما تم التخلف عن دفع تلك الحسابات.
على ضوء ذلك جرت توسعة المستشفيات وأضيفت أقساما جديدة، وأدخلت أجهزة طبية حديثة في الخدمة، ولكنها بقيت أقل من الاحتياج المطلوب. شمل موقع المدينة المؤسسات التالية : مديرية الخدمات الطبية، مديرية مدينة الحسين الطبية، مستشفى الحسين، مستشفى الملكة رانيا للأطفال، مستشفى الأمير حسين، كلية الأميرة منى للتمريض، مركز فرح للتأهيل، مركز القلب، مركز الطب النووي وغيرها، مما خلق اكتضاضا غير مسبوق في البشر وفي وسائط النقل.
وإذا ما اضطر المنتفع لمراجعة المدينة الطبية هذه الأيام، فإن أول ما يخطر بباله ليس معرفة القسم المختص، أو الطبيب الذي سيراجعه، بل هل سيجد موقفا لاصطفاف سيارته قريبا من مقصده ؟ عندها ينتابه قلق وكابوس يضغط على أعصابه، ويجعله يتردد في مواصلة الرحلة، لتلقي العلاج المطلوب له أو لأحد أفراد أسرته، أو قد يضطر لمراجعة مستشفيات مدنية، إذا كانت لديه إمكانيات مادية.
وإذا ما جازف وتغلب على هواجسه وشرع ( برحلة العذاب هذه )، فسيشاهد آلاف السيارات قد سبقته لدخول المدينة منذ ساعات الصباح الباكر، بعضها للمرتب وبعضها الآخر لطالبي العلاج أو الزوار، والتي يستمر سيلها متواصلا طيلة النهار وحتى ساعات المساء.
وكلما تقدمت بالدخول في عمق المدينة، كلما شاهدت الساحات والمواقف المحدودة والشوارع الرئيسية والجانبية والأرصفة، تعج بالسيارات من مختلف الأنواع، مما يخلق صعوبة ليس في اصطفاف السيارات فحسب، بل وحتى في الحركة على الشوارع، التي قد تعرقل وصول سيارات الإسعاف.
سبق وأن كتبت وتحدثت مع مسؤولين سابقين في القيادة العامة وفي مديرية الخدمات الطبية حول هذا الموضوع، وشاهدت بعدها معدات لفحص التربة داخل المدينة، قيل أنها لبناء مواقف للسيارات فتفاءلت خيرا، ولكن المشروع المنظر لم يظهر إلى حيز الوجود لسبب لا أعرفه.
وقبل أيام قرأت خبرا بان هناك تعاونا بين إدارة المدينة الطبية ووزارة الأشغال العامة لتنفيذ هذا المشروع الذي أصبح حلما للمنتفعين، وآمل أن لايكون مصيره كمصير سابقه. قد تكون العقبة في الوصول إلى حل لهذه العقدة هي عدم توفر التمويل المالي، وهو موضوع يمكن حله إذا خلصت النوايا.
فمواقف السيارات يمكن اعتبارها مشروعا استثماريا، خاصة مع توفر المساحات الأرضية في منطقة المدينة الطبية. وفي هذه الحالة يمكن طرح عطاءا لمستثمرين محليين وأجانب، بحيث يتم بناء مواقف سيارات متعددة الطبقات، يجري تزودها بكافة المعدات اللازمة لمساعدة المرضى في التنقل، على أن تتصل بالمستشفيات المطلوبة من خلال أنفاق، أو ممرات مغلقة مزودة بأحزمة كهربائية متحركة، لاستخدام المرضى والزوار في الوصول إلى مقاصدهم. أما مواقف سيارات المرتب وكبار الزوار فيوضع لها ترتيب خاص إذا كان ذلك ضروريا.
وبحسبة بسيطة لنفرض أنه يدخل إلى المدينة الطبية أكثر من 10,000 سيارة يوميا، وفُرض على كل سائق سيارة ربع دينار رسما للموقف، لكانت الحصيلة حوالي 250,000 دينار يوميا، أي75,000 دينار شهريا، وبما يعادل 900,000 دينار سنويا. وهذا استثمار مجدٍ ويوفر الراحة للمراجعين والإدارات الطبية.
ويمكن ترك ساحة أرضية دون بناء في منطقة مناسبة لمن لا يرغب بدفع الرسم المطلوب. وإذا ما إذا عجز المعنيون عن تطبيق هذا الاقتراح، فيمكنهم استيراد بعض الخبراء من دول جنوب شرق آسيا أو شمال إفريقيا، ليحلو أحجية المواقف المستعصية.
أعلم أن هذا الاقتراح لا يجهله المسؤولون في هذا الصرح الطبي المهيب، ولكن عدم تنفيذه قد يعود لعدم توفر الإرادة والإقدام على العمل. كما أعلم أيضا بأن الاقتراح لن يجد أذنا صاغية لدى المسؤولين، ولن يجد طريقه إلى التنفيذ كما جرت العادة، لأن الراسخون بالعلم والإدارة لا يتلقون النصيحة من أحد، لأنهم مقتنعون بأن ما يفعلونه هو عين الصواب، رغم أن جلالة الملك عبد الله الثاني أكد في توجيهاته العديدة، على ضرورة خدمة العسكريين المتقاعدين بشكل خاص، وهم الأحوج لمراجعة المدينة الطبية.
في الختام . . أود أن اذكّر بنقطة هامة، وهي أن الدول المتقدمة لا تستخدم الأطباء للقيام بالوظائف الإدارية، كإدارة المستشفيات والمؤسسات الطبية الأخرى. فمثل هذه المهمة تُسند لمن يحمل تخصصا في إدارة المستشفيات، بينما يُستغل الأطباء للاستفادة منهم في ممارسة مهنهم الطبية، لاسيما وأن معظمهم يكونوا قد اكتسبوا خبرات طبية عالية. أقول هذا وأنا لا انتقص من قدرات أطبائنا في الإدارة، ولكنني أفضّل استغلالهم لما فيه المصلحة العامة ومصالحهم المهنية.
التاريخ : 23 / 8 / 2021