ازدواجية الجنسية في الميزان . . ! /موسى العدوان

ازدواجية الجنسية في الميزان

بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2016 أصدرت الحكومة الجزائرية مشروع قانون جديد، يُقصي مزدوجي الجنسية من المناصب المدنية والعسكرية العليا في البلاد، واشترط لتولي تلك الوظائف، أن يكون مشغلها متمتعا بالجنسية الجزائرية دون سواها. وحدد ذلك المشروع الذي سيعرض على البرلمان في وقت لاحق لإجازته، المناصب التي يسري عليها المنع ومن أهمها مناصب : رئيس الوزراء والوزراء، رئيس مجلس الأمة، رئيس المجلس الدستوري، محافظ بنك الجزائر، رئيس أركان القوات المسلحة، مسئولي الشرطة، وغيرهم.

كما ينص مشروع القانون الجديد على : ” ضرورة تقديم المرشح أو المعين في مسئولية عليا في الدولة، تصريحا يشهد بموجبه تمتعه بالجنسية الجزائرية دون سواها “. وعند مصادقة البرلمان وتوقيع رئيس الجمهورية عليه، تُمنح فترة انتقالية مدتها 6 أشهر، لمن يشغلون مسئوليات عليا حاليا في الدولة، لتصويب أوضاعهم بما يتفق ونص القانون الجديد.

وعندما اعترضت الأحزاب على مشروع القانون، بدعوى أنه سيُقصي شريحة كبيرة من الجزائريين، أصحاب الكفاءات المقيمين خارج البلاد عن خدمة بلدهم مستقبلا، رد عليهم رئيس الوزراء عبد الملك سلال قائلا: ” إن الأمر يتعلق بوظائف سامية في الدولة، ووظائف حساسة تمس الأمن القومي والأمن المالي، على مستوى جد عالٍ يتطلب شروطا هامة لشغلها، كما هو معمول به في عدة دول متقدمة “.

مقالات ذات صلة

هذا الإجراء الحكيم يتم من قبل دولة مغربية، بعيدة عن الأطماع الصهيونية – في المرحلة الحالية على الأقل – أما في دولة مشرقية مثل الأردن، والتي هي مستهدفة بالمشروع الصهيوني، ومحاولة العبور إلى مفاصلها الحساسة، وإقامة الوطن البديل، فيجري عكس ذلك تماما. لقد أقرت الحكومة الأردنية ومجلس الأمة بشقيه في وقت سابق، السماح لمزدوجي الجنسية بإشغال أي من الوظائف العليا والحساسة في الدولة، بخلاف ما هو منصوص عليه في الدستور الأردني منذ عام 1952 وحتى منتصف هذا العام.

وهنا يَطرح السؤال الهام التالي نفسه : هل هناك في الجزائر الدولة الإفريقية أمن قومي يتطلب السرية والحفاظ عليه، ولا يوجد في الأردن أمن قومي يتطلب السرية والحفاظ عليه، فتتركه دولتنا الموقّرة مشاعا لمن اقسم يمين الولاء لدولة أجنبية ؟

والأمن القومي لمن لا يعلم هو أحد أهم أسرار الدولة الذي يجب أن يحاط بسرية شديدة، لأنه يتعلق بديمومة البلد وسلامة كيانه، ولا يجوز الإطلاع عليه إلاّ من قبل المعنيين به. وتأكيدا لذلك على سبيل المثال، ما نواجهه في الدورات العسكرية التي كنا نحضرها كطلاب
احتراف عسكري في الدول المتقدمة، حيث أن بعض المحاضرات والدروس المتعلقة بالأمن القومي لتلك الدول، يُمنع الطلاب الأجانب من حضورها. ولذلك كانوا يطلبوا منا مغادرة الغرف الصفية لدراسة مواضيع أخرى مختلفة.

في مقال لي بعنوان ” لن تخدعنا يا دولة الرئيس ” نشر بتاريخ 19 / 4 / 2016، وقبل إقرار قانون ازدواجية الجنسية، بينت به بعض النماذج من قسم الولاء، الذي يؤديه كل من يكتسب جنسية بلد معين. إلاّ أن حكومتنا الرشيدة وما يسمى بمجلس الأمة، أقرا القانون بكل بساطة ودون أن يرفّ لهما جفن. ولفائدة من لم يطلع على ذلك المقال في حينه، أقتبس فيما يلي بعضا مما كتبتُ عن قَسَم الولاء ( OATH ) في دول أجنبية محددة، لكي يبقى ماثلا في الأذهان :

1. الولايات المتحدة الأمريكية . ينص القَسَم على ما يلي : ” أعلن هنا وعلى القسم أنني أمتنع مطلقا وبشكل كامل عن الولاء أو الإخلاص لأي أمير أو ملك أجنبي أو دولة أجنبية أو أي جهة سيادية كنت في السابق من رعاياها أو مواطنيها. أقسم بأنني سأدعم وأدافع عن دستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة جميع الأعداء أجانب ومحليين. . وسأكون مخلصا حقا لكليهما، وأن أحمل السلاح دفاعا عن الولايات المتحدة وسأؤدي المهام غير القتالية في قوات الولايات المتحدة . . وسأقوم بأداء الأعمال ذات الأهمية القومية وفق التوجيهات المدنية إذا ما تطلبها القانون. إنني أقدم على هذا الالتزام بكامل وعيي وإرادتي دون أي تحفظات عقلية أو أي قصد، فساعدني يا إلهي على ذلك “. وهناك خمسة مبادئ أساسية ينبغي أن يلبي من يؤدي الولاء للولايات المتحدة الأمريكية متطلباتها وهي :
أ‌. مطلق الولاء والإخلاص لدستور الولايات المتحدة.
ب‌. التخلي والامتناع عن موالاة أي بلد أجنبي ، كان مكتسب الجنسية يكن له ولاء قبل ذلك ( أي وطنه الأصلي ).
ت‌. الدفاع عن الدستور الأمريكي في مواجهة الأعداء.
ث‌. التعهد بالعمل في القوات الأمريكية المسلحة قتاليا أو غير ذلك.
ج‌. التعهد بأداء ما يُكلف به من مهام مدنية ذات أهمية قومية.

2. المملكة المتحدة ( بريطانيا ) . ينص القَسَم على ما يلي : ” أنني ( يذكر الاسم كاملا ) أقسم بأن أكون وفيا ومخلصا حقا لصاحبة الجلالة الملكة إليزابت الثانية وأبناءها وأحفادها ومن يخلفها وفقا لما يمليه القانون، فأعنّي يا إلهي على ذلك “.

3. كندا . ينص القَسَم للحصول على جنسيتها أو حق المواطنة فيها ، وهو حق ملزم قانونا ويؤدى شفاهة ، ثم يتم التوقيع عليه كتابة لتأكيد تعهد المواطن الجديد بطاعة القوانين وتقاليد البلاد الجديدة ، لكي يمارس حياته كمواطن كندي : ” إنني هنا أقسم بأن أكون وفيا وكامل الولاء والإخلاص ، لصاحبة الجلالة الملكة إليزابت الثانية ملكة كندا ولأحفادها ومن يخلفها، ووفيا لقوانين كندا، وأن أؤدي واجباتي كمواطن كندي”. ويحق للآباء التوقيع عن أبنائهم تحت سن الرابعة عشرة.

4. ألمانيا . من أهم شروطها التنازل عن الجنسية الأصلية ، وإتقان اللغة الألمانية ، والإقامة في البلاد لمدة لا تقل عن 8 سنوات ، وأن يكون مقتدرا ماليا .

لقد علمتنا التجارب السابقة في بلدنا، أن لكل حكومة ومجلس أمة مهمة إستراتيجية محددة، يقومان بتنفيذها ثم يغيبا عن المسرح إلى عالم مجهول. ولكن نحن الشعب من سيبقى حاضرا على المسرح يكتوي بنار أفعالهما، ويصيبنا الحزن عندما نرى أن دول العالم تحرص على أمنها القومي، بينما نكشف نحن أمننا القومي لأصحاب الولاءات الأجنبية دون تحفظ، بدعوى الاستفادة من خبراتهم. فإن كان هذا هو دافعهم الحقيقي ونحتاج فعلا لخبرات البعض منهم، فيمكن استخدامهم بعقود خاصة ولفترات محددة، دون السماح لهم بتبوء مراكز قيادية حساسة.

قد يقول قائل : وما هي الأسرار التي يجب أن نخفيها، طالما أن أمريكا وبريطانيا تطّلعان على الكثير من أمورنا الداخلية والخارجية ؟ وأردّ عليه بالقول : أن لكل دولة خصوصيتها وأسراها المتعلقة بأمنها القومي، والتي يجب ألاّ يطّلع عليها غير المختصين من أبنائها وبأضيق الحدود. فالدولة التي تعرض أسرارها للغير هي دولة فاشلة ولا تستحق الحياة، لأن صديق اليوم هو عدو الغد، وصاحب الجنسية المزدوجة سيكون ولاءه لجنسيته المفضلة التي سعى جاهدا للحصول عليها.

وبهذه المناسبة لعلني أستبق الحدث القادم، وهو انتخاب مجلس النواب الثامن عشر، فأوصي بأن تكون مهمتهم المقدسة على قمة جدول أعمالهم، هي إعادة النظر بقانون ازدواجية الجنسية. تلك الخطيئة التي اشترك في ارتكابها بحق الوطن، كل من حكومة النسور ومجلس النواب السابع عشر غير المأسوف عليهما. أما إذا سلك المجلس الجديد أسلوب سابقه في تأييد سياسات الحكومة دون تمحيص، ووافق على استمرارية العمل بقانون ازدواجية الجنسية، وعدم الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة، فلا أمل لدينا في الإصلاح الذي نطبّل ونزمّر له ليل نهار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى