في الربيعِ الثامنِ، اذكرُ أبي.

في الربيعِ الثامنِ، اذكرُ أبي.

جمال الحداد

قد يذرفُ القلبُ دماً في ذكراه، ويمرُ شريطُ ذكراه كاحداثِ قصةٍ كانت في #الماضي وانتهت، والدي صاحبُ الستةِ والاربعينَ عاماً اكتبُ عنهُ بِعَبراتٍ تحمدُ اللهَ وتحنُ لوالدها. توفي #والدي في الثامن من ابريل عام 2015 في حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا، ومنذ تلك اللحظة الى الان يعزّ على نفسي نسيانه ولو يوما واحدا ،اعجزُ عن وصفه ،او اكمالِ صورته في الحديثِ عنه ،ولكن كم تمنيتُ لو ورثتُ نِصفَ صِفاته او بعضها. صاحبُ اللحيةِ السوداءِ والشعرِ الكثيف الخالي من البياض ، ذو القوامةَ القائمةَ التي لا انحناءَ فيها والعيونُ الحادةِ ذو السوادِ اللامعِ والابتسامة الساحرة .
اما عن منطِقه وطَلاقَتِهِ في الكلام فقد امتلك دقةً في القولِ وتوازناً في الصوتِ و النبرة، كلامه يغمرهُ الانصافُ بكلِ زواياه، راْيه لا عبثَ فيه، جادٌ في كلامهِ، صادقُ في حديثهِ ،كلماته كأنها وجَدت في كتابٍ غَمَرتهُ البلاغةُ والدقةُ و الفائده ،تتدفقُ كلماته باتزانٍ وكأنها مصفوفةٌ كما لوكانت مثل قواعدِ الشطرنج كلُ كلمةٍ لها موقعها ووظيفتها، عجيب! في الحقيقة هو الغنيمةُ االاكبر التي قد امتلكتها ولم تلبث الا ان فقدتها .. هذا الرجل قلّ نظيره بين الرجال فقد كنتُ اراه وهو في قمةِ المه وهو صابر يحمد الله لما هو عليه .
كنتُ اتعجبُ كلَ العجبِ وانا طفل صغير والان وانا في الرابعةِ والعشرين من عمري يكانُ عقلي يطير وانا مذهول من ما كانَ يمتَلكهُ من صحةٍ نفسيةٍ قوية وتوازن وتصالح مع ذاته، وقد اكاد اضحكُ بشدةٍ من شدةِ اعجابي بهذا الانسان ، يمر شريطُ ذكراه في عقلي. احببتُ ان اراه بزاويةٍ غير الزاوية التي يراها الابنُ لابيه، اما عن رجولتهِ وثباته تمنيتُ كل الاماني اني لو ورثتُها كُلها.
لا شكَ بأنَ الاب ثروة، واذا فُقِدت لا يمكنُ ابداً ايجادُ كيانٍ يقعُ مكانها، ولا بد للابناء من استغلالها استغلالاً يليقُ بمكانةِ هذة الثروة، ولا شكَ ان من فقد هذه الثروة تضاعفت اخطائه، وزادت عواقبه وتحدياته، فالاب هو نعيمُ هذة الحياة فبه لا يمكن للإنسان ان ينكسر او ينحني، وقد يكثر غزاةُ البيتِ الذي فقدَ الابُ منهُ .
وعلى هامشِ الحديثِ اقول ، ان المنظومة الحياتية تمتلكُ ثلاثة تحديات تقفُ امام كل انسان؛ الاولى اننا لا ندركُ حقيقة نعيم الاشياء بصورتها الكاملة الا حين فقدها، والثانية انه لا يمكنُ لشخصية الانسانِ ان تصقلَ بالراحةِ او النعيمِ، بل لا بد لها من الشعورِ بالالمِ ومرورها بخبراتِ الفشلِ و حتى المصائب، و ان تُغمَرَ بكدّ الحياةِ وشقائها، إننا لا نكتسب علماً او خبرةً الا بالم او بعد تكرار الخطأ، والثالثة ان السعادةَ والرضا تكمنُ في التغافلِ والتجاهلِ واحيانا التغابي و التسامي و الترقي .
وأيضاً في الحديثِ عن الابِ، فهو ذخيرةُ الابناءِ وسلاحهم ، وهو ايضاً ا كيانٌ وقاعدة ، لتخريج ابناء رائعين اسوياء يُقبِلونَ على الحياةِ بالارتكازِ عليه والاستنادِ فوقه دون خوف او قلق من مطبات ومنغصات الحياة، فهو موجهَهُم وصانعُ خطاهم وهو الحياة باكملها.

واخيراً أبي هو قدوتي التي لن تتكررَ او تتبدل ، فهو اخر ما اقّتَدت به نفسي، واول من خطّ المعاني في روحي، كأنه حي في روحي.
رحمهُ الله، وعليه كامل الرحمات والغفران، عزيزي والدي منصور الحداد.

alhaddadjamal440@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى