#دافعيةٌ_مُستَنزَفَة / نسرين طه الفقيه

#دافعيةٌ_مُستَنزَفَة
في مَهدِ الطُّفولَةِ تُراوِدُنا الأَحلامُ، وتُرسَمُ طُموحاتُنا بِريشَةِ شَخْصيَّاتٍ بارزةٍ في حَياتنا، لِتَتَعدَّدَ الهتافاتُ في قَرارَةِ أَنْفُسِنا: “عِندَما أَكبُرُ، أُريدُ أنْ أُصبِحَ
كَـ (….) طبيبًا، مُهَندِسًا، حِرَفِّيًّا…”
وفي كُلِّ مَرحَلَةٍ يُزرَعُ طُموحٌ جَديدٌ، وما إن تَنتَهي المَرحلَةُ الجامعيَّةُ، نَتَقَدَّمُ لِخِطبَةِ الوَظيفَةِ حامِلينَ لَها المَحْصولَ مَهرًا، نَنتَظِرُ قُبولَها شَغَفًا، تَتِم المُوافقَةُ فَتَغْمُرُنا البَهجَةُ آمِلِيين، لكِنَّ أَصْحابَها يَفرِضونَ شُروطًا قاسِيَّةً بِطَريقَةٍ تَجَبُّريَّةٍ تُرغِمُ المُوَظَّفَ على التَنفيذ دُونَ نقاشٍ، فَعَلامَةُ الاستِفهامِ أَداةٌ مَحجوبَةٌ، والاعْتِراضُ خَطيئةٌ فِيها إدانةٌ؛ يَنتَصِرُ التِكرارُ، ويُهزَمُ الابتِكارُ، تُهدَرُ الطَّاقاتُ؛ فَيَسودُ الجَفافُ بِفِعلِ المُحبِطاتِ، ومَع هذا وذاك يُذَمُّ بِعَنجَهيَّتِهِم المُفرِطَة وبِأنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ الأَفْضَل.
….
كَـ مُوَظَّفَةٍ مُعايِشَةٍ لِمُسَلسَلِ الواقِعِ، أرى أنَّ الظُّلمَ الوَظيفِيِّ مَشهَدٌ من مَشاهِدِهِ الدَّامِسَة، والذي بِدَورِهِ قَد ساهَمَ في نَتاجِ مُشكِلاتٍ من أبرَزِها الهِجرةُ مُعتَقِدينَ أنَّ في الهُروبِ نَجاةً، فَتَأخُذُنا دَوَّامَةُ الغُربَةِ بِلا عَودَة، أَو نَتَشَبَثُ أماكِنَنا في تلك المَقطورَةِ التي تَزدادُ سُرعَتَها بَيْنَ الحينِ والآخَرِ، فَنضطَّرُ لِرَميِّ الأمتِعةِ جانِبَ الطَّريقِ تَجَنُبًا للسُّقوط، ونَتنازَلُ عَنْ مَبادِئِنا فَحَملُها أصبَحَ شَقاءً، وما إِنْ تُتَاحُ الفُرصَةُ يَدوسُ أحَدُنا على ظَهرِ مَن كانَ دونَهُ وكأنَّ ظُهورَهُم دَرَجَاتٌ في سُلَّمِ الوُصول، فَكُلَّما زادَ عَدَدُ الضَّحايا ارتَفَعَتْ المَكانَةُ، وكُلَّما زادَ الاحباطُ زادَ الإنحِطاطُ.
إنْ كانَتْ تِلكَ هِي المعادَلَة، فَمَنْ المَسؤولُ عَنْ ضَبْطِ مَعاييرِها..!؟
وهَل الفَسادُ مَولودٌ أُنجِبَ مِن خاصِرَةِ المُحبِطات..!؟
وإنْ تَوَجَهَتْ لَنا تُهمَةُ التَخَلُّفِ وتَمَّتِ المُطالَبَةُ بالتَّقَدُمِ نَحوَ التَّقَدُم، أَيَكونُ بِتَعزيزِ الانتماء..!؟
وكيفَ لِلانتماءِ أَنْ يَتَحَقَقَ إنْ كانَ مُستَوى الدَّافِعِيَّةِ دُونَ الصِفر..!؟

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى