لحظات الندم / سهى عبدالهادي

( لحظات الندم )
يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا

في الحياة نمر بخبرات وأشخاص نعتقد أننا معهم سوف نعيش سعادة العمر كلها ، هم لم يعدونا بذلك ولكننا من تخيل وبنى قصورا في الهواء ، وشيدها قلاعا من سراب مكانها التراب الذي لا يلبث أن يتطاير سريعا مع اي نسمة خفيفة

نستهل المعركة الطويلة بالدفاع المستميت عن حرية خيارنا ، نحارب من حولنا ونعتقد اننا نحارب من أجل هؤلاء الأشخاص ، لكننا في الحقيقة نحارب من أجل هويتنا التي بدأت حديثا بالتشكل ، هويتنا التي ينقصها العلم والخبرة والتي تتسلح فقط بالتعنت والعناد القائم على الجهل في ركائز الحياة الحقيقية

نبدأ بالوقوف في وجه اقرب الناس الينا ، من افنوا عمرهم بحبنا ورعايتنا ، تضيق نظرتنا لنتهمهم ولو بالسر بأنهم لا يريدون لنا ما نريد ومن نحب ، تصطدم جهودهم الحثيثة لفتح أعيننا لكي نرى ما يرونه بجدار من صخر صوان غير قابل للإختراق ، نغلق أعيننا ونصم آذاننا بكل سذاجة ، ولو سنحت صدفة ما لرؤية ما يصفونه ، عملنا سريعا على إغفالها والتغاضي عنها بحجة عدم أهميتها ، أو لعل جهلنا ورغبتنا الشديدة الى المضي في ما نريد هو السبب الحقيقي وراء إهمالنا لكل الإشارات والعلامات التي كانت تدعونا للتمهل والتفكر فيما نحن مقدمين عليه

مقالات ذات صلة

وتمر الأيام وتتحول الإشارات التي تعمدنا بعفوية طفولية ساذجة عدم رؤيتها بالظهور من جديد ، وتصبح سلوك يومي يحتاج إلى التعامل معه بحكمة وروية ، وهنا تتحكم بنا عاداتنا وقيمنا التي تربينا عليها من وجوب القبول لما اصبح واقعا لنا ، وما توهمنا بأننا إخترناه بكامل إرادتنا ، وفي هذه المرحلة لا ينفع الإعتراض أو الرفض ، على العكس فالواجب الآن هو تقديم الدعم لهؤلاء الأشخاص الذين اخترنا أن ندافع عنهم رغم عدم معرفتنا الكامله لهم في ذلك الحين ، لكنهم اليوم اصبحوا كل حياتنا ومن الطبيعي أن نستثمر كل قوانا وجهودنا للدفاع عن حياتنا التي إعتقدنا في لحظة ما أننا أحسنا إختيارها

وبعد فترة زمنية ما ، نصبح أصلب وأقدر على التعايش مع الظروف الجديدة ، ومع الوقت تمسي هذه الظروف التي وضعنا أنفسنا فيها جزءا من صيرورتنا ، بمعنى أننا نراها ونشعر بها ولكننا نتقن إخفاءها ببراعة عن أعين الناس كافة ، والأقربون المحبون خاصة ، وعن أنفسنا بالذات ، فهذا أكثر شئ نهابه ونخشاه

ويباغتنا سن النضج عنوة ، ولا يبقى لنا مفر من مواجهة أنفسنا وما عملنا دهرا على الهروب منه وتعمدنا بإصرار غريب على نكرانه ، ولكن لعل الأوان قد فات فقد خارت قوانا وطاقتنا كلها بعد أن استنفذناها دفاعا عن جهلنا ، ومظاهر عنادنا وتعنتنا الذي فرضه علينا صغر سننا ونقص خبراتنا ، ولم يتبق لنا غير لحظات ندم يمر طيفها على ارواحنا في كل حين ، مصحوبا بمشاعر ألم ، وعبرات وغصة مخنوقة متشنجة ، نحاول فيها أن نهمس لمن دوما أحبونا بكل كيانهم ، وكانت أقصى أمانيهم التي عاشوا من أجلها أن يروننا سعداء … يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى