لأول مرة في تاريخ #تركيا، يضطر المترشحون للانتخابات الرئاسية إلى خوض #جولة_ثانية لحسم اسم الرئيس الذي سيقود البلاد مطلع قرنها الثاني، ما يعكس ضراوة المنافسة السياسية وشراستها، بين الرئيس رجب طيب #أردوغان، الذي يحكم البلاد منذ عقدين، وكمال #كليجدار أوغلو، المدعوم من تحالف الطاولة السداسية ومن ورائهم حزب الشعوب الديمقراطي الداعم للأكراد.
فنسبة المشاركة في هذه الانتخابات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وبلغت 88.92%، وهي أشبه باستفتاء مصيري سيحدد #مستقبل_تركيا في الأعوام الخمسة المقبلة.
أردوغان، الذي سبق أن فاز في جميع #الانتخابات_الرئاسية السابقة من الجولة الأولى، وتجاوز عتبة الـ50% ولو بنسب بسيطة، إلا أنه هذه المرة أفلت حسم النزال من الدور الأول، وبأقل من نصف نقطة مئوية.
ففي رئاسيات 2014، فاز أردوغان بـ51.79%، وفي رئاسيات 2018، رفع نسبة التصويت لصالحه بنسبة 52.38%.
لكن انتخابات 2023، كانت الأصعب بالنسبة لأردوغان، بعد أن عقدت #أحزاب #المعارضة بأيديولوجياتها المختلفة العزم على إنهاء 20 عاماً من حكمه، وتغيير النظام الرئاسي والعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني.
غير أن أردوغان، المدعوم من تحالف الجمهور، تمكن بصعوبة من الفوز بالمرتبة الأولى بنسبة 49.51% من أصوات الناخبين، وفق الأرقام الرسمية المعلنة، تلاه في المركز الثاني كليجدار أوغلو الذي حصل على 44.88%، ليصعد معه إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، المقررة في 28 مايو/أيار الجاري.
بينما حقق سنان أوغان، مرشح تحالف الأجداد، القومي المتطرف، مفاجأة عندما حلّ ثالثاً بنحو 5.2%، فيما كانت نتائج سبر الآراء لا تمنحه سوى 1 إلى 3% من الأصوات، مستفيداً من انسحاب المرشح محرم إنجه، زعيم حزب البلد من السباق الانتخابي.
ويسعى أوغان إلى أن يلعب دور بيضة القبان أو شعرة الميزان لترجيح كفة مرشح على آخر، وبذلك يصبح صانع الرئيس القادم، لذلك يحاول فرض شروطه على أردوغان وكليجدار أوغلو، للحصول على أكبر قدر من المغانم السياسية والحقائب والمناصب الوزارية
والمرشحان الرئاسيان الصاعدان إلى الدور الثاني يدركان أهمية أوغان، خاصة بالنسبة لكليجدار أوغلو، للفوز بالرئاسة.
2.6 مليون صوت احتياطي
لم يفصل أردوغان عن الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى سوى أقل من نصف نقطة مئوية، لكن هذا لا يهم في الدور الثاني، الذي ستقتصر فيه المنافسة عليه وعلى كليجدار أوغلو.
فالرقم الأهم في الجولة الثانية للرئاسة، هو 2.6 مليون صوتٍ الذي يسبق به أردوغان منافسه كليجدار أوغلو، أو ما يعادل 4.63%، وهي نسبة تكاد تعادل ما حصل عليه المرشح الخاسر سنان أوغان (5%).
ونظرياً يكفي أردوغان أن يتفوق بصوت واحد فقط على كليجدار أوغلو، للفوز بولاية رئاسية جديدة من 5 أعوام، بينما يملك في رصيده 2.8 مليون صوت إضافي.
تأثير نتائج الانتخابات البرلمانية
المفاجأة الحقيقية لم تكن ذهاب الانتخابات الرئاسية إلى جولة إعادة، فأغلب المحللين كانوا يقرون بصعوبة تحديد الفائز في هذه الانتخابات مسبقاً، لكن فوز تحالف الجمهور، الداعم لأردوغان، بأغلبية المقاعد البرلمانية شكّل صدمة للمعارضة المتحالفة.
فالناخب المتأرجح يميل إلى الاستقرار، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ولا يحبذ أن يكون الرئيس غير متجانس مع الأغلبية البرلمانية، ما سيتسبب في عدم استقرار سياسي بالبلاد، التي عرفت نماذج مزعجة من هذا النوع من الصراع.
وفاز تحالف الجمهور، الداعم لأردوغان، بـ326 مقعداً برلمانياً، وفق النتائج الأولية من إجمالي 600 مقعد، أو ما يعادل 54.33%، وفق حسابات “عربي بوست”.
ويضم تحالف الجمهور كلاً من حزب العدالة والتنمية (269 مقعداً)، والحركة القومية (52 مقعداً)، وحزب الرفاه من جديد (5 مقاعد)، والاتحاد الكبير (بدون مقاعد).
بينما حصل تحالف الأمة، على 214 مقعداً أو ما يعادل 35.66%، وفق حسابات موقع عربي بوست
ويضم تحالف الأمة كلاً من حزب الشعب الجمهوري (168 مقعداً)، والحزب الجيد (46 مقعداً)، إضافة إلى حزب السعادة، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم، وحزب الديمقراطي، والتي قدمت مرشحيها ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري.
ففوز تحالف الجمهور في الانتخابات البرلمانية بنسبة تصل إلى 50.65% من الأصوات، وفق النتائج الأولية، يعزز من حظوظ أردوغان، في الفوز بالدور الثاني من الرئاسيات، ويشجع الناخبين الذين منحوا أصواتهم لتحالف الجمهور دون التصويت عليه في إعادة النظر في خيارهم
زوال سحر نتائج سبر الآراء
كشفت النتائج شبه النهائية للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عدم دقة بل زيف كثير من نتائج سبر الآراء التي توقعت فوز كليجدار أوغلو، من الدور الأول وبنسب مبالغ فيها وصلت في إحداها إلى 60%، وفي أخرى بفارق 10 نقاط مئوية متقدماً عن أردوغان.
فنتائج سبر الآراء التي منحت فوزاً مريحاً لمرشح المعارضة، لم تكن سوى جزء من حملة انتخابية لإيهام الناخبين المترددين بأن كليجدار أوغلو سيصبح رئيس تركيا القادم، ومن طبيعة الناس أن تنحاز للمرشح الأقرب للفوز.
لكن نتائج الدور الأول من الانتخابات أزاحت سحر مؤسسات سبر الآراء عن الناخبين المترددين وأظهرت تفوق أردوغان بفارق ليس بسيطاً.
وبعد زوال غشاوة نتائج سبر الآراء المضخمة، من المتوقع أن تعيد فئة من الناخبين، الذين منحوا أصواتهم لكليجدار أوغلو في الدور الأول، النظر في تصويتهم، ومن المرجح أن يمنح جزء منهم أصواته لأردوغان، لأنه أقرب للفوز، أو كتصويت عقابي ضد من غلطوهم في الجولة الأولى من الانتخابات.
انقسام المعارضة
نتائج الانتخابات العامة أظهرت أن كليجدار أوغلو لم يستفد كثيراً من دعم الأحزاب الصغيرة المحافظة، ممثلة في حزب السعادة بقيادة تمل كرامولا أوغلو، وحزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم (دواء) برئاسة علي باباجان.
فنسبة 44.88% من الأصوات التي حصل عليها كليجدار أوغلو، جاءت بفضل حزبه الشعب الجمهوري (24.49% في الانتخابات البرلمانية) والحزب الجيد (9.97%)، و تحالف العمل والحرية الداعم للأكراد (9.49%)، أو ما مجموعه 43.95%.
وإذا فرضنا أن الناخبين الذين صوتوا للأحزاب الداعمة لكليجدار أوغلو صوتوا له في الرئاسيات، فإن نصيب كل من أحزاب السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم، إضافة إلى الحزب الديمقراطي لا تتجاوز 0.93%.
بالمقابل، تتحدث وسائل إعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عن خسارة حزب الشعب الجمهوري لـ14 مقعداً لصالح الديمقراطية والتقدم و11 مقعداً لحزب المستقبل، و10 مقاعد لحزب السعادة، و3 مقاعد للحزب الديمقراطي، بالنظر إلى ترشح ممثلين عن هذه الأحزاب تحت عباءة حزب كليجدار أوغلو، بناءً على اتفاق مسبق.
وإذا صحت هذه الأرقام، فإن حزب الشعب الجمهوري خسر 38 مقعداً أو ما يمثل 17.75% من إجمالي مقاعده لأحزاب لم تجمع له سوى أقل من 1% من الأصوات في الرئاسيات.هذا الأمر أثار غضباً داخل قواعد حزب الشعب الجمهوري قبل الانتخابات وبعدها، فالأحزاب المحافظة لن تكون نصيرة لحزب الشعب الجمهوري في القضايا أو القوانين المتعلقة بالأسرة مثلاً، رغم تحالفها معه، ما سيضعف تأثيره في البرلمان أكثر، خاصة إذا خسر كرسي الرئاسة.
الانتخابات التركية
ومن شأن هذا الوضع المستجد أن يضعف تحالف الأمة، أو يؤدي إلى تفككه، وربما عزوف فئات من قواعد حزب الشعب الجمهوري عن التصويت لكليجدار أوغلو في الجولة الثانية من الرئاسيات رفضاً لخياراته، وقد يصل الأمر إلى تصويت عقابي ضده.
لكن من جهة أخرى، رفع حزب الشعب الجمهوري عدد مقاعده من من 146 في برلمانيات 2018، إلى 168 في انتخابات 2023، أي بزيادة 22 مقعداً، من شأن الأحزاب الصغيرة المتحالفة معه أن تجادل بأن هذه الزيادة كانت بفضلها.
بين القوميين والأكراد
الفرصة الوحيدة أمام كليجدار أوغلو للفوز بالرئاسة أن يضمن دعم المرشح الخاسر سنان أوغان، له في الدور الثاني.
فكليجدار أوغلو، أمام مهمة مستحيلة لإقناع القومي المتطرف أوغان، الذي تتحدث وسائل إعلام عن أنه اشترط عليه فك تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الداعم للأكراد، مقابل الوقوف إلى جانبه في الدور الثاني.
وإذا تمسك أوغان بهذا الشرط، فلن يدعم كليجدار أوغلو في الدور الثاني، لأن الأخير لن يتخلى على نحو 9.5% من أصوات الأكراد من أجل 5.2% من أصوات القوميين المتطرفين.
ولكن كليجدار أوغلو، سبق أن نجح في الجمع بين المتناقضين، عندما ضمن دعم حزب الجيد القومي رغم تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي، ولكن دون ضم الأخير إلى الطاولة السداسية.
يمكن لكليجدار أوغلو أن يغري أوغان بكثير من المناصب والوعود، لكن ذلك لن يضمن تصويت كامل القاعدة الانتخابية لمرشح تحالف الأجداد لصالح مرشح تحالف الأمة.
فمن المرجح أن تنقسم قاعدة القوميين المتطرفين المعادين للاجئين السوريين بين دعم كليجدار أوغلو (قد تكون الشريحة الأكبر)، ونسبة أقل لصالح أردوغان، والبقية ستفضل الامتناع عن التصويت أو التصويت بورقة بيضاء.
المعارضة في تركيا
رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كليجدار أوغلو / رويترز
بينما يحتاج كليجدار أوغلو لكل ناخب صوّت لصالح أوغان، وهذا أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً.
أما محرم إنجه، فسبق أن دعاه كليجدار أوغلو إلى نسيان خلافات الماضي والانضمام إليه عقب انسحابه من السباق الرئاسي، لكن مرشح حزب البلد رفض دعم أي مرشح، واتهم المعارضة بأنها ساهمت في نشر الفيديوهات التي وصفها بالمفبركة.
ولا يوجد أي سبب يدفع إنجه إلى دعم كليجدار أوغلو، إلا إذا تعرض لضغوطات أكبر من طاقة تحمله، كتلك التي أجبرته على الانسحاب في الأمتار الأخيرة من السباق الانتخابي.
فكليجدار أوغلو بحاجة إلى تدارك أخطائه في الجولة الأولى للرئاسيات لإقناع الناخبين حتى الذين صوتوا لأردوغان، بمنحه الثقة ليكون رئيساً للبلاد.
لكن المعطيات المتوافرة قبيل نحو أسبوعين من الجولة الثانية للانتخابات تصب في صالح أردوغان، الذي ليس من المستبعد أن يفوز بنسبة أعلى من تلك التي حصل عليها في رئاسيات 2018، خاصة إذا حصل على دعم أوغان.