ما مر عام مثل هذا العام… حنين إلى عمي منصور النجار

ما مر عام مثل هذا العام… حنين إلى عمي منصور النجار.
الدكتور ظاهر محمد الزواهرة – الجامعة الهاشمية
ربما سيأتي من يحاكي قصيدة السياب أنشودة المطر،بعد أن جفت السواقي، وكثر الجدب والقحط، وإذا كان السياب يشكو مصارع اللصوص والخونة، ونهب خيرات الوطن، ما مر عام دون مطر وحين يعشب الثرى يجوع، في مفارقة صارخة مع الخير جوع ،فإن الجوع اليوم لم يعد هاجساً لحزين يرقب ضياع آمال أجيال كانت تتوق إلى بلاد العرب أوطاني، ويزرع فيها بذور البطولة والثبات، وعزة النفس والإصرار، فقد غلب الوقت النوى!
وتجاوزت الويلات أحلام الهوى، ولم يعد المبيت على الطوى أمرا مستغربا، فقد مادت رواسيها، وعز على كاتب كلمات قد أنشدت يوما، فغدت ذكرى لناسيها، والجرح منذ ستين عاما ويزيد يتسع وجعا، ويؤلم جدا، وإن ما لجرح بميت إيلام!
قبل خمس وعشرين سنة من اليوم هاجني ذلك الألم الغريب، وغلبتني عناصر اليأس، وكأنها جند مجندة تبحث عن كل مكان لي فيه جرح ينزف، أو دمع يحرق، وما أكثر الشامتين! ومن على وجعي يعزف! نفس المكان،ونفس الحال، وإن تغير الزمان، فمازال الحزين الغريب في وجدان التوحيدي يبحث عن جبل نجاة من غربة واغتراب، وتموت الآمال،وتصفر الطموحات، وتصبح زهرة من ورق، كلما مر عليها لهيب حزيران أو آب مات نصفها، وما تبقى لنا سوى الذكريات.
هو الوقت يمزقنا، فلا تيأس، فلعلنا نمزق الوقت يوماً، ولعل الغريب يجد مكاناً بعيدا عن بلاد الشمس فيها ليست هي الشمس، ولا النجوم، والبحر يتسع لكل الهاربين من ظلم البشر.
ما مر عام مثل هذا العام، الفرح فيه تبدل، ولذة العلم لم تكن، وتجمدت كل المراكب للسفر، ومر رمضان كأن لم يكن،والعيد ليس العيد، حتى الموت تغير، ومراسم الدفن، وما زال جاهل يذر الرماد في العيون، ويشوه فوق اللوحات بخط أسود، والطريق إلى عسقلان بعيدة!
وينادي الغريب : يا بني : هي غربة أقسى من الكفن، والموت موتان، حين تكون بعيدا عن الوطن، وأنا وأنت ،وكل الحالمين بغد لا نملك تغيير الزمن، انظر إلي،لقد هدني التعب، ودب في العظم الوهن، قم ، فقد سرقت ناقة امريء القيس ، وما بقي إلا الرسن، ومعلقة قيل كتبت بماء الذهب ،وعلقت على أستار الكعبة، واليوم تجد ألف طاعن بصحتها وخلقها، وحتى قداسة كعبتها، وعادت عبارات السلف في الخلف: للكعبة رب يحميها!
يا بني: أعرف كم هي قسوة الزمن، ومرارة الفقد، وظلام اليأس، وأعرف كم هي محطات القلق والخوف ، وكم هي طرق التشرذم والتعب،لكن قلت ابتسم وإن جرعت العلقما، قلت ابتسم في فم الحياة حتى لا يدركها الموت وهي خضراء يانعة، واترك صفحة هذا العام لعام آخر إن بقي في العمر بقية.
لا تقف تنظر إلى الوراء إلا لتأخذ عبرة، وإلا فطريق الهزيمة سهل ميسر للناظرين إلى الهوان، ومؤلم مميت للناظرين إلى العز والرفعة، فمن لم يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
يا بني : هي جولة تغير فيها كثير قوانين، وتبدلت كثير مبادىء، وعلى أسوار القدس صرت ترى ما يبكيك دما، وقد بذلنا عليها لأجلها الدماء، فمن العاقل الذي يترك ثأر أبيه؟ أو يتنازل عن حق مسلوب؟ أو يقبل غير العزة والنصر؟ وغير النصر ذل يتبع صاحبه للهوان، بل فاسقني بالعز كأس الحنظل.
هي جولة ستمر ، فقد مرت جولات للباطل ثم اضمحل، إن الباطل كان زهوقا، وإن رأيت ما رأيت،فقد ترى كل ذميمة ترتقي،وكل غريب قريبا،وكل ممنوع مدركاً،فلا تقل هي الحقيقة،ولا تقل هذا هو الصواب، فنحن في زمن يحتاج إلى صبر وعزيمة ، وإلى فكر وروي، وإلى ثبات في معترك المتغيرات، وحنين إلى عمي منصور النجار!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى