ما الذي صنع #توهين_التعليم، ومَن حماهُ؟
#حلول و #مقترحات
بقلم: د. #ذوقان_عبيدات
ناقشتُ في المقالتين السابقتين مظاهر التوهين في مختلف روابط #التعليم، وضعف بعض العلاقات بين عناصره، أو غياب هذه العلاقات في جوانب أخرى! والأكثر من ذلك بناء العلاقات على أساس هرَمي وسلطوي!! جاءت حادثة الطالبين: “صبح، والعمري” مؤشرًا قويّا على عمق التوهين، وعدم وجود ما يقنع #الطلبة بالانجذاب إلى التعليم المدرسي؛ لإحساسهم بأنه تعليم يقود إلى طريق مسدود.
فما الذي صنع التوهين؟ ومن الذي صنعه؟ وما الحلول ؟
أولا: ما الذي صنع التوهين ؟
إن #التوهين حدث بفعل فاعل، لكن نتحدث عن الفاعل الإنساني بعد الحديث عن (الفواعل) شبه الإنسانية ، (والفواعل) غير الإنساني:!
1- إن نظام المدرسة نشأ بشكل صارم، وبقواعد وممنوعات متنوعة، وهذا أوجد بيئة ً مدرسية قاهرة: دوام مبكرّ يحرم من الراحة والنوم؛ وانضباط دقيق؛ دوام في المدرسة؛ وواجبات في المنزل، ما حرَم الطلبة من الإحساس بِــ “أنسنة” النظام المدرسي! والكل يعرف أن المعلمين كانوا يعاقبون الطلبة الذين يرونهم في الحارات، والشوارع خارج أوقات الدوام. فالمفروض أن يبقى الطلبة في منازلهم يحلون الواجبات، ويحفظون الدروس. لقد ولّد هذا السلوك مقاومة شعورية، ولا شعورية للمدرسة امتدت إلى الأطفال الذين لم يبلغوا سنّ المدرسة بعد! فلو سألنا طفلًا: من هؤلاء الأطفال، لأعطانا جوابًا واضحًا.
يُروى عن طفل روضة رفض أن يردد لفظ الحرف – س – في حين ردّده جميع زملائه، حاول المعلم إقناعه فرفض. حوّلوه إلى المدير، ثم المرشد النفسي، لكنه رفض أن يتكلّم، وينطق ذلك الحرف اللعين! أبلغوا الوزارة بذلك، فشكّلت لجنة وزارية لزيارة المدرسة وإقناع الطالب. رفض الطالب أن ينطق! يئست اللجنة، وغادرت الصف، ولكن فضولًا عند أحد أعضائها دفعه للحديث مع الطالب، وقال له: يا شاطر قل هذا الحرف، وارتَح واخلص؛ بدلًا من هذه الضغوط عليك! قال الطالب: القضية ليست الحرف “س “، إذا قلت: س، غدا سيطلبون منّي “ج “وما يليها.
نعود من هذه القصة إلى إحساس ذلك الطالب بعبثية الدراسة، وطولها وامتدادها، فأراد أن يختصر الطريق!! فالأطفال اختزنوا انطباعاتٍ سالبة منذ وقت مبكّر، نمَت هذه الانطباعات مع ملاحظاتهم لقسوة النظام المدرسي، وبعد التعليم عن حياتهم، فمناهج التعليم قضية أخرى!
2- يفرض نظام التعليم مساواةً غير عادلة إطلاقًا حين يعلم الطلبة مواد دراسية موحّدة، وواجبات موحّدة وامتحانات موحّدة غالبًا ما تكون لصالح أقلية من الطلبة تُسمى ظلمًا بـــ “الشاطرين” مقابل أغلبية أقنعناهم بأنهم”التيوس”!! فالنظام المدرسي بتحيزاته كان عامل توهين لعلاقة غالبية الطلبة بمدارسهم، حيث تتم معاملة”التيوس” بفوقية وازدراء! ولعلنا نتذكر أن المعلمين كانوا يتلذذون بإهانة “التيوس” حتى من قبل زملائهم “الشاطرين”! فأي علاقة، وأي مشاعر يختزنها معظم الطلبة لمدارسهم؟ يُضاف لذلك نظام العلامات والدرجات العنصري التمييزي!
3- أما المناهج، فهي العامل الأقوى في توهين العلاقات، إذ لا يربط مؤلف الكتاب بين مادته، وحياة الأطفال؛ لذلك، لا يجد معظم الطلبة معنّى فيما يدرسون، فنراهم كارهين للاستماع والاستجابة، وغير مهتمين بالسؤال إلّا بمقدار ما يوفره من علامة، يدرسون ويحفظون ويتألمون، ويمتحنون ثم ينسون، وكأن النسيان هو الهدف النهائي للتعلم! فقد يكون هناك هدف لفهم المعلومة، أو حتى لحفظها، لكن الطلبة لا يشعرون ولا يعرفون هذا الهدف!
حلمنا بعد المركز الوطني للمناهج بإدخال تطوير ما، ولكن ذلك كان نادرًا جدّا! فما صدَر من مناهج حتى الآن هو مزيد من غمس الطلبة في الماضي، حتى الرياضيات، والعلوم صرفت الطلبة بعيدًا عن المستقبل! فما بالك بمناهج اللغة العربية، والدين والعلوم الاجتماعية والفلسفة؟؟؟ هل هي ما ستنقلنا إلى المستقبل؟ إذن؛ كانت المناهج فاعلًا في توهين العلاقات المدرسية!
4- وأخيرًا قسوة المعلم الذي استخدم سلطته القانونية والعلمية والمجتمعية – من علّمني حرفًا- في إلزام الطلبة بالانصياع إلى الثقافة والقيم المدرسية! هذه العوامل وغيرها هي ما أسهم في توهين العلاقة. هناك من يرى أن العولمة ساهمت في تفكيك العلاقات وتوهينها، بل هناك من اتهم كتاب: الرجل الغني والرجل الفقير بذلك، وهكذا كما كتبت سابقًا صرنا كمن يتهم ميكافيللي بأنه سبب فساد المسؤولين في الأردن!! هذه إجابتي عن سؤال: ما الذي صنع هذا التوهين!
ثانيا: من المسؤول عن التوهين؟
طبعًا هناك مسؤوليات لم يقم بها أصحابها، وهناك مسؤولون لم يقوموا بمسؤولياتهم، ما أدى إلى التراكمات العديدة مثل: عدم السعي لتحويل التعليم إلى مهنة، لها إطارها الفكري، ومرجعيتها العلمية وأخلاقياتها وقواعدها التي كتبت عنها مرارًا. أضف إلى ذلك التقصير في بناء فلسفة تربوية، وثقافة يلتزم بها المعلمون ، ونقابة ترعى شؤونهم، وتطوّر مهامهم! هناك تبلّد في الحس التربوي لدى قيادات التعليم، وهنا أبرز ما يأتي:
1- عدم اكتراث واضح في اختيار وزراء تربية من طراز أصحاب الرؤى، الذين يختارون بسبب رؤاهم، ما جعل أيّا كان مرشحًا لمنصب وزير.
2- عدم اكتراث باختيار مجالس التربية وفق معايير تربوية، فالمجالس غالبًا حوَت من لا علاقة له، أو غير المهتم، أو تربوي”آدمي”، وبالمناسبة لا يتم اختيار “غير الأوادم”، وهذه سياسة برع فيها العقل الأردني المسؤول في اختيار قادة بمستوى موظف.
ثالثا: حادثة ترك المدرسة
لم ننس بعد حادثة ترك الطالبين : “صبح والعمري” مدرستهم”المتميزة”؛ لأنهما رأيا فيها أُفقًا مسدودًا! مع أنها لم تلامس ضمير المسؤولين، الحادثة لخّصت مفهوم التوهين وأسبابه ونتائجه. لم يهتم أي عضو مجلس تربوي في دراسة التوهين الذي دفع الطالبين إلى ترك المدرسة ، لقد اكتفوا بتحليل طبيب نفساني قال لهم: لقد ترك الطالبان المدرسة بسبب كتاب “الرجل الغني والرجل الفقير” وهو كتاب -لا يساوي قيمة الحبر المهدور به – تخيلوا هذا وصف لكتاب مليوني الانتشار ومتعدد اللغات! أما السبب الثاني لترك المدرسة، فهو اعتماد الطالبين على حديث نبوي ضعيف أورده الإمام الشافعي!!
إذا كان أطباؤنا يقاربون الأمر هكذا، فماذا نتوقع من قيادات مسؤولة؟! لم أسمع من أي مسؤول تعليقًا
سوى إعلامي قال: إن المدرسة ليست مسؤولة – بما معناه – عن شؤون المستقبل ومهارات الحياة!
وأغلب الظن ستُقيّد القضية ضدّ مجهول! لقد تم حل القضية على الطريقة الأردنية: ألقينا القبض على الطالبين الفارّين!
رابعَا: مقترحات
إن توهين العلاقات بين أطراف العملية التربوية يتطلب حلولًا عاجلة وحلولًا آجلة، تتمثل الحلول الآجلة بوضع خطط إصلاح التعليم، ووصف التعليم بأنه قضية وطنية. أما الحلول العاجلة، فتتمثل في وقف النزوة والارتجال في الاجتهاد التربوي، وعقد ورشة شاملة لبحث سبل تمتين العلاقات بين:
-طالب وكتاب ،لا يعني عنده سوى آلام الحفظ الغبي والامتحان الغبي.
- طالب ومعلم، لم يرَ من المعلم إلّا وجهًا سلطويّا.
- طالب ومستقبل، بدأ يدرك الطلبة أنه ليس واعدًا.
- معلم وإشراف وإدارة تعاني من حرب باردة وساخنة.
- معلم وسلطة لم تعترف حتى بنقابته.
- معلم ومجتمع لم يتفهم مكانته وحاجاته إلى العيش السويّ!