ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الرابع عشر

ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الرابع عشر
بقلم #فراس_الور
كان مبنى ميلاب MILABمؤسسة عسركية مملوكة بالكامل للجيش #المصري، و لكن كان يدار بمساعدة مؤسسة انترناشيونال بيوتك سولوشنز رشا السوفيتية IBSR (اي بي اس ار) بإتفاق مبرم بين الطرفين منذ اولى سنين نشأته، و كان يعمل لصالح الشركة خمسة اخصائيون مدنيون متخصصون بعلوم الصيدلية و الأحياء الدقيقة مع كادر من ضباط #الجيش، كانت مهمتهم تتمحور حول بحث و تطوير اسلحة بيولوجية لصالح الجيش المصري بسرية تامة و رفع تقارير مفصلة عن آخر المستجدات لمكتب اللواء سامي السريطي، و كان المبنى يتألف من اربعة طوابق كبيرة تحت الأرض تضم طابقين للمختبرات و البحوث العلمية و طابق كامل للمكاتب الإدارية، كان مؤسس بالكامل ليستوعب نسمة قدرها خمسون شخصا فكانت اجهزة ضخ الهواء المشبع بالأكسيجين تعمل على مدار الساعة و اجهزة تكيف للبيئة ليكون ملائم لعمل البشر به و كانت هنالك اجهزة تكيف و تدفئة تعمل عند اللزوم، كان الطابق الرابع يضم خدمات المبنى حيث تمر به تمديدات الكهرباء الرئيسية التي تغذي المبنى بالكامل و ايضا مضخات المياه التي توفر المياه للمختبرات و للحمامات و المطابخ و غرف الطعام، و كان به تمديدات للصرف الصحي حيث كانت موصولة الى قنوات رئيسية للصرف الصحي بالمدينه قريبة من المبنى، كانت تصله الكهرباء عن طريق مولدات كبيرة تعمل في نفس الطابق فكان هنالك مولد رئيسي يعمل ليلا و نهارا لتغذية غرفه العديده بالطاقة اللازمة، و كان هنالك مولدين اضافيين كبيرين للطوارئ في حال تعطل المولد الرئيسي، كانت هذه المولدات تعمل على وقود الديزل و كان هنالك من يرعى المولد الرئيسي ليتأكد ان الوقود لا ينفذ منه و ان هنالك ما يفي من وقود لتعمل باقي المولدات عند اللزوم،

كانت طوابق المبنى موصولة باربعة مصاعد داخل المبنى، و كانت غرف مكاتبه فسيحة مؤثثة بالكامل بمكاتب و مياكن تصوير و اجهزة فاكس و هواتف ارضية و لاسلكية و ماكنات طباعة كهرابئية و اجهزة تلفاز تبث كافة القنوان المصرية و اطقم كنب كأي مكاتب عصرية فاخرة في القاهرة، و كانت مختبراته مجهزة بمعدات عصرية وَفًرتها شركة روسية رائدة في مجال البحوث المخبرية، كان ميلاب مبنى عصري كأي مجمع تجاري فوق الأرض الا ان سريته فرضت بناءه على مسافة كليومتر كامل تحت الأرض لتكتم كافة اعماله على مدار الساعة، كان جيمع موظفينه من ضباط و عسكر و مدنيين يصلونه عن طريق ثكنة من ثكنات الجيش المصري، فبعد ان يتم التأكد من هويات الداخلين كان الجمع على فترات في الصباح يتوجهون الى مبنى اسمنتي صغير يتضمن مصعدين كبيرين يتسع كل منهما الى ستة اشخاص، و كان ينزل بهم الى مسافة مئة متر تحت الأرض حيث كانوا يمرون بساحة كبيرة يصعدون من خلالها الى قطار كبير، كان القطار يقلهم على سكة حديد نزولا لمسافة كيلومتر بإتجاه ميلاب، كان المدخل في بهو كبير حيث يصطف القطار على مقربة منه لينزل الموظفين و يسيرون الى مدخله الرئيسي،

كان العالم كونستانتين غريغوري في الاربعين من العمر، و كان طويل القامة ذو جسد رشيق و بشرة بيضاء كثلوج كوانين النقية، و كان يغطي رأسه شعر اشقر كثيف يعلن عن اصوله الأجنبية بصورة صارخة، و كانت وسامة اطلالته و وجهه تتكلل بعيون خضراء تعطيه لاحة بأنه اصغر من عمره، فكان الناظر اليه يظنه في منتصف العشرينيات من العمر، نظر بترقب كبير الى الفئران و الكلاب الذي حقنها منذ يومين بالفايروس الذي اكتشفه منذ سنة في سايبيريا، كان عددها خمسة فئران و عشرة كلاب من نوع دوبرمان و جرمن شيبرد و كانت في اقفاص بزاوية من زوايا مختبره الكبير بالطابق الأول بميلاب، كانت هنالك انثى حامل جرمن شيبرد مما زاد شغفه لمعرفة نتئج تجربته الحساسة، كانت اول تجربة متكاملة فعيلة يجريها على كائنات حية و بشرية بعد الإكتشاف الذي حققه بمختبره في شركة اي بي اس ار بالإتحاد السوفيتي قبل تعاقده مع ميلاب، كان يلزم للفايروس فترة حضانه استثنائية قدرها يومين ليبدأ بالتكاثر في جسم الكائنات فلذلك كان يتوقع ظهور علامات التعب عليها بأي لحظة، تفحص كل الحيوانات بمختبره لعلامات التعب فتأكد انها غير ظاهرة عليها بعد، اتجه مطمئنا نحو باب المختبر و وضع الرقم السري، غادر الغرفة و سار بالممر الأبيض الطويل الذي كان يفصل بين المختبرات و اتجه نحو مختبر بحوث البشر، ادخل الرمز المطلوب للباب الأول ففتح امامه، اقترب من الباب الثاني و وضع الرقم السري الثاني ففتح و دخل الغرفة، كانت غرفة مصفحة بثلاثة طبقات من الزجاج المقوى فكان يمكن مراقبتها من الممر، كانت الغرفة هادئة لا يسمع بها الى دقات جهاز قياس خفقات القلب و كانت مجهزة بشتى انواع الأجهزة الطبية و المستلزمات لإجراء العمليات الجراحية، اتجه نحو الإمرأة التي كانت مستغرقة بالنوم بالسرير الطبي من مفعول المخدر الذي تلقته، كانت شابة حامل بالشهر الأول بالثلاثين من العمر ذات شعر اسود طويل و بشرة بيضاء، كانت ذات خصر نحيل و جذاب و كانت ترتدي ثوب مستشفى يغطيها من الأمام بالمكامل، كان موصول بذراعها مصل وريدي عن طريق قسطره تغذيها بالسوائل، لم يبدو عليها علامات تعب او توتر اطلاقا فحقنها بالفايروس منذ ثلاثة ايام اي يوم قبل حقن الحيوانات به، نظر اليها بتمعن فكان يفترض ان تظهر عليها علامات تعب و ارهاق بسبب نشاط الفايروس في جسدها، فبعد تكاثر الفايروس لن يستطيع اي مخدر تسكين الأوجاع التي ستشعر بها، كان بحوزته مسكنات قوية و لكن يجب ان ينتهي مفعول المسكن الذي بجسدها قبل ان يعطيها جرعات من مسكنات اقوى، كان اسمها سمية السواحلي، كانت من مدينه الأسكندرية و كانت من صفوف الصاعقة بالجيش المصري، طلب منها التطوع لصالح ميلاب مقابل مبلغ مالي كبير مما شجعها على قبول العرض، و لكنها لم تكن ملمة بكل تفاصيل التجربة، فلم تكن تعلم انها قد تخسر جنينها بسبب فايروس مجهول عاش منذ الاف السنين في بيئة تختلف عن بيئتهم الحالية، جلس بجابنها وكشف رحمها، دهنه بمادة لزجة ثم اشعل تلفاز السونار بجانبها و ابتدأ يراقب وضع الجنين، فجأة لفت انتباهه امر غريب، حرك الجهاز الذي بين يديه على كافة ارجاء رحمها ليصدم مما كان يراه على الشاشة، اين ذهب الجنين؟ لم يكن في رحمها ما يشبه الجنين، صدم مما رآه فأحدق النظر بالجهاز جيدا بحثا وراء الجنين، فجأة تجمدت الدماء بعروقه، علم على ما كان ينظر اخيرا، كان يتحرك وسط سوائل الرحم كالسمكة في حوض الماء، كان كبيرجدا و مختلف عن اي جنين بشري، كان له رأس يتحرك كالزواحف و كانت له اربعة قوائم و اربعة يدين طويلة كالأخطبوط، ماذا كان يجري في رحم هذه السيدة؟ صرخت افكاره متسائلة ماذا تَكَوًنَ في جنين هذه الإمرأة في ثلاثة ايام؟! فجأة انهى فحص السونار و غطى السيدة من جديد، وقف مذهولا مما رآه فلم يكن يشبه اي كائن بشري على الإطلاق، شعر بالرهبة من تجربته للمرة الأولى منذ ابتدأها منذ عام و تيقن أخيرا بأنه يعبث بعناصر بيولوجية اقوى منه، من الواضح ان الكائن الذي يتكون بأحشاء السيدة سيخرج عما قريب بتاريخ يجهله و قد تقتل هذه السيدة بسببه فلم يكن بداخلها بشر اطلاقا، عاد الى مختبره حيث الحوانات و هو يفكر بأولى ايام تجربته و الآمال التي كانت تتدفق في داخله، فجأة شعر برغبة بإنهاء ما كان يفعل، و لكن خشي ان يكون قد فات الآوان، خرج من المختبر البشري و اتجه الى آخر الممر نحو المصاعد، داس زر الطابق الثاني فتحرك به المصعد الكبير الى الطابق المنشود و هو يفكر،

اكتشف الفايروس بالصدفة و هو يفحص عينات عشوائية اخذها من فيلة الماموث المتجمدة التي عاشت منذ تقريبا ثلاثين ألف عام ، فحينما قام بإذابة الجليد عنها اكتشف هذه الكائنات في الإنسجة التي فاق حجمها الفايروسات المعروفة لدى الإنسان المعاصر، فكان يستطيع قياس حجمها بالمايكرون…بل حينما راقبها بالمجهر الإلكتروي كانت بنفس حجم كائنات الأميبا، فبعد عدة تجارب ناجحة بإعادة احياء بكتيريا عالقة بعنبر من اميريكا عمره آلاف السنين عظم الآمل بقلبه ان يعيد نفس التجربة مع كائنات دقيقة آخرى من انسجة فيلة الماموث ليثري اكتشافاته العلمية بها و لتكون جزء من تجاربه لإنتاج اسلحة بيولجية لصالح ميلاب، فكان التطوير على هذا العلم الذي مازال في بداياته هدف له كعالم كي يرى مدى فاعليته ببحوثه،

كانت اوامره واضحة من ميلاب، و هو العمل على تطوير اسلحة بيولوجية فتاكة لتكون بنفس الدمار الشامل لأسلحة يوم القيامة، و لكن بالماضي عمل جاهدا هو و شركة اي بي اس ار على بيع اكتشافه للذي يَعْرِضْ عليه تمويل تجاربه العلمية، و ريثما اتاه شاري لإكتشافه قام و هو في مختبره بروسيا بحقن الفايروس بأجسام كلبين من اصل اربعة كلاب و فئرين من اصل اربعة فئران ليراقب تصرفها مع اصابتها بالفايروس بأقفاصها، كانت هذه الكلاب اليفة جدا من نوع جرمن شيبرد و كان يربيها و يطعهما في كل يوم في مختبره منذ سنتين فكانت تعرفه هو و مساعده تمام المعرفة، و بعد فترة حضانه سريعة دامت يومين ظهر التعب سريعا على الكلبين و الفئرين، وفي اليوم الثالث حدثت الفاجعة الكبرى، فأبتدأت الكلاب تتصرف تصرفات عدوانية مخيفة كالنباح بإستمرار و التخبط بقضبان الحديد التي كانت في داخلها، و سرعان ما انقضت الكلاب المصابة على الكلبين السلمين و عقرتهم بأماكن مختلفة من اجسامهم، و ظهر على الفئرين التعب و الوهن منذ اليوم الثاني و من ثم اصبحت عدواينة تتخبط بقضبان قفصها و كأنها تريد الخروج منه، و انقضت بأسنانها على الفئرين السلمين و اصابتها بعدة اماكن في جسمها، بعد يومين اضافيين ظهرت علامات الإصابة جلية على ثلاثة فئران و الأربعة كلاب و اصبح حجزها بقفصها امر مستحيل من شراستها ففتح مساعده قفص الكلاب بلحظة حيرة من تصرفها بهدف مراقبت تصرفها عن كثب فقفزت بخفية غير مسبوقة و انقضت عليه، ابتدأت بمهاجمة مساعده و تمزيق لحمه بأنيابها الحادة مما افزع كونستانتين جدا، نظر الى مساعده بهلع و خوف و الكلاب تأكله فلم يصدق ما كانت تفعله اكثر الحيوانات اخلاصا له و لمساعده، أخذ سلاح من مكتبه و ابتدأ بقتلها واحدة تلو الآخرى الى ان مكثت على الأرض من دون حراك، طلب سيارة اسعاف لمساعده تم نقله الى مستشفى و فتح تحقيق بالذي جرى، اخذ كلب خلسة في سيارته الى منزله من الأربعة كلاب لكي يُشَرِحْ جثته و ترك الثلاثة كلاب في المختبر ريثما اتته الشرطة و فتح تحقيق بالحادثة، بعد بضعة ايام خلص المحققون على انها حادثة وفاة في مختبر الشركة ناتجة عن كلاب مسعورة اضطر الى قتلها على الفور و أُقْفِلَ التحقيق على هذا الأساس، و لكن الصدمة الحقيقية لكونستانتين كانت حينما شرح جثة الكلب بمختبره الثاني في منزله، فاكتشف ان دماغ الجرمن شيبرد كانت مشوهة من شدة تكاثر الفايروس فيه، دماغ الكلب هو مركز اساسي لنشاطه الجسدي فتكاثر الفايروس على عدة محاور من الدماغ بظرف يومين اربك الكلاب و دفعها لتصرفات عدوانية مريبة كمهاجمة اصحابها، كان منظره طبيعي من الخارج فلم يتغير عليه شيئ و كانت اعضاءه سليمه من الداخل و لكن كان دماغه يعاني من التآكل بسبب الإنتشار الحاد للفايروس، اثبتت عملية تشريح الفئران المصابة نفس الشيئ فكان الفايروس قد دمر اماكن مختلفة من الدماغ مما دفعها للتخبط بالقفص و لمهاجمة الفئران السلمية، اما الفأر السليم فأثبتت فحوصاته ان جسمه نجح بإنتاج مضادات للفايروس، فبقي متعبا من هجوم الفئران المصابة ليوم كامل و لكن سرعان ما تعافى و عاد الى طبيعته،

تلقى كونستانتين اتصال عمره عندما اجاب هاتف منزله في ليلة شتاء باردة في روسيا بعد حادثة وفاة مساعده بشهرين، كان جالسا في صالة منزله يشرب كأس من الويسكي و يستمتع بدفئ منزله حينما رن هاتف منزله، كان كونستانتين وحيدا و لم يتزوج بعد وفاة والديه حيث اراد التفرغ لبحوثه و حياته العملية فلذلك استغرب من رنة هاتف منزله، فنادرا ما كان يسأل عليه احد، اجاب على الفور ليتفاجئ بمدير عام شركة اي بي اس ار يبلغه عن ارادت مدراء ميلاب استخدام خبرات شركتهم،

انقلبت حياة كونستانتين بين ليلة و ضحاها رأسا على عقب بعد هذا الإتصال، فتبعه زيارة الى السفارة المصرية و ابرام عقود عديدة مع الملحق العسكري المصري بالسفارة، و تعرف على اللواء سامي السريطي الذي حضر خصيصا الى روسيا بمناسبة ابرام العقود، و سرعان ما اعد حقائب سفره و سافر الى القاهرة ليبدأ عمله في ميلاب، و شحن معظم اغراضه بواسطة السفارة المصرية ليتفادى اجراءات التفتيش اثناء السفر في المطار في روسيا، و وفرت له ادارة ميلاب كل ما يلزم ليبدأ بحوثه فور وصوله الى القاهرة، فتفاصيل ما فعله الفايروس بالحيوانات بزمن قياسي اثار فضول سامي السريطي جدا، بل طلب منه تطوير بحوثه لتشمل متطوعين بالباشر،

خرج كونستانتين من المصعد و هو مستغرق الفكر ببحوثه لدرجة انه لم يلاحظ الجندي بلباس دموية و هو يجري بالطابق صوبه، اصطدم به ليصحو فجأة من افكاره العميقة، نظر اليه و هو يسرع الى المصاعد و صرخ بوجهه “انت تعلم الاوامر، ممنوع الجري بالممرات!!!”

فجأة تنبه الى الدماء التي لطخت ثوبه الأبيض من الرجل، شعر بالصدمة من منظرها فجرى ورائه صارخا “توقف!!! من انت!!!” و لكن الرجل صعد الى المصعد بسرعة و اغلق الباب، راقب الارقام في اعلى المصعد فعلم انه صعد الى الطابق الأول، فكر في ذاته قائلا “من عساه ان يكون و لماذا هو جريح هكذا،”

اسرع الى مختبر محمد عبدالتواب حيث كان يريده بخدمة و ادخل الرقم السري للباب الألكتروني، دخل المختبر ليتفاجئ بالدخان يملأ المكان و يصعد من مكتب المجهر الكهربائي بمكتبه، تفاجئ من منظر رجل مشوه ملقى وسط بقعة دماء كبيرة، صرخ بالممر بالإنجليزية “عصمت اين انت!!!” و لكن لم يجبه احد، فجأة تفاجأ باربعة من رجال امن ميلاب برشاشاتهم يجرون مع عصمت صوب غرفة محمد، دخلوا رجال الأمن الى الغرفة بينما سأل عصمت بالإنجليزية “ماذا حل بمحمد عبدالتواب!!! و من هو الرجل المصروع على الأرض!!!”
اجابته بالإنجليزية و هي ترتجف من الخوف “جان هاجمه حينما اكتشف عينه دماء موبؤة بمادة زرقاء غريبة!!!”
“جان؟ ماذا تقصدين؟!”
صرخ احد رجال الأمن “عصمت اين الرجل الذي ابلغتي عنه؟!”
تذكر كونستانتين الرجل الذي اصطدم به للتو فصرخ بالإنجليزية “اصطدمت برجل مريب جدا منذ قليل اخذ المصعد الى المختبرات بالطابق الأول!!!” نظر الى عصمت و سأل “هل هذا هو الجان الذي تقصدينه؟”
بقي اثنين من رجال الأمن بجانب جثة عبدالتواب و هرعت عصمت مع كونستانتين و رجلين الأمن المتبقين صوب مصاعد الطابق، دخلوا المصعد ليجدوا جدرانه و ازراره ملطخة بالدماء، ضغط رجل من رجال الامن زر الطابق الأول فصعد بهم المصعد الى الاعلى بينما نظر الجمع برعب كبير الى الدماء التي تغطي المصعد بالكامل، قالت عصمت بالإنجليزية بصوت عالِ و الدموع تملأ عينيها “لو رأيت ماذا فعل بمحمد، انه كائن مرعب جدا!!!”

أجاب كونستانتين “هل انت متأكدة انه ديمون (جان) يا عصمت، هذه الكائنات خرافية و لا وجود لها بالواقع!”

فتح باب المصعد و هي تقول “انا متأكده مما رأيت، انه كائن مؤذي!” خرجوا من المصعد و ساروا بضعة خطوات في الممر لتعلو بالطابق اصوات تكسر عالٍ، توزعت بالممر الأبيض من حولهم ثمانية مختبرات كبيرة، اربعة الى اليمين و اربعة الى اليسار، استمرت الضجة العالية لتتخللها اصوات صرخات استغاثة بشرية مكتومة، قال لهم احد رجال الأمن بالإنجليزية “لا تتكلموا، سيروا بصمت ورائي،”
قال كونستانتين “في مكتبي مسدس بكره مع طلقات، سأحاول الذهاب الى مختبري لإحضاره،”
اجاب رجل من رجال الأمن “يفضل بقائك معنا لأجل سلامتك، سنصل الى مختبرك بعد ان نتأكد من مصدر هذا الضجيج،”
صمت الجميع لبضعة لدقيقة و هم يحاولون معرفة مصدر صوت التكسر الذي استمر بلا انقطاع، ارتفعت فجأة اصوات نباح عالية فصرخ كونستانتين مذعورا “هذه كلاب التجارب من مختبري؟! يبدو انها حرة طليقة!”

صرخت عصمت “اي تجارب و اية كلاب، انا لا افهم شيئ،”
اشار رجل الأمن بيده الى زميله و توجهوا نحو مختبر كونستانتين بهدوء، كان بابه الإلكتروني مكسور و كان الزجاج يملأ ارض الممر امامه، فجأة ازدادت اصوات الصراخ و تبين لهم انها تصدر من معظم المختبرات من حولهم، امسك رجال الأمن الرشاشات بيديهم بحالة تأهب، و لكن فتح احدهم باب المختبر المقابل لمختبر كونستانين و خرج منه ثلاثة ضباط و هم يصرخون من الخوف، صَوًبَ احد افراد الأمن السلاح على مدخله مترقبا ما يحدث، فجأة خرج كلب دوبر مان كبير و هو يعوي على احد الضباط الهاربين، اطلق الأمن الرصاص صوبه و لكن خفة حركة الكلب جعلت اصابته صعبة، انقض الكلب على ذراع احد الضباط بينما هم اثنين منهم بالهروب صوب المصاعد في آخر الممر الطويل، وقع الضابط الشاب على الأرض و هو يصرخ بشدة، استمر الكلب بعقر يده بشراسة فحاول فرد من افراد الأمن اطلاق النار على الكلب، أصابت طلقة احد قوائمه و لكن الكلب استمر بالقفز و الهجوم على يد الضابط متفاديا باقي الرصاص بخفية تامة، قطع قطعة من لحم يده و ابتعد عنه، تساقطت الدماء من فم الكلب ليصدم الجمع من ما يحدث، حاول الأمن اطلاق النار عليه مرة ثانية و لكنه وثب على احد افراده و اوقعه على الأرض، حاول الرجل ابعاده عنه الا ان الكلب عقر رقبته و شل حركته بثوان معدودة، اطلق زميله النار عليه و نجح بإصابته و لكن الطلقات اخترقت جسده من دون ان يتأثر كثيرا، صرخت عصمت من المشهد و هربت نحو المصاعد في آخر الممر، فجأة فتح مصعد منهم بابه و خرج منه اثنين من العلماء المدنيين، كانوا منهميكين بالكلام مع بعض فصرخت اليهم عصمت و هي تجري بجنون “عودوا الى المصعد!!! هنالك مشكله بالطابق!!!”

صدم الرجلين من منظر الجريحين وسط برك الدماء الكبيرة في منتصف الممر، فجأة توجه احد الرجلين الى ذراع صغير كانت موجوده للطوارئ و سحبها الى الأسفل، ثم عاد الى المصعد مع رفيقه و عصمت و غادروا الطابق، ارتفعت بكافة ارجاء ميلاب صفارات الإنذار، توجهت المصاعد اوتومايتيكا الى اقرب طابق لها حرارته طبيعية و فتحت ابوابها كي لا يعلق الناس فيها، عطلها بعدها الحاسوب المركزي و اشعل تسجيل امر كل الموظفين باستخدام ادراج الخطر في آخر الممرات بجانب المصاعد و الخروج من ميلاب بإتجاه المدخل الرئيسي، فتحت ابواب كل المختبرات اوتوماتيكيا ليتنسى للموظفين الهروب، بقيا كونستانتين و فرد الأمن امام مختبره و التوتر يملأ كيانهم من الأحداث الأخيرة، فكانوا يعلموا انهم امام فاجعة كبيرة، قطع كونستانتين فطعة من ثوبه الأبيض و لف يد الضابط فخف النزيف بعض الشيئ، نظر الضابط اليه و قال له بصوت ضعيف “ما نوع التجارب الذي تجريها ايها العالم هنا؟ ما هذه الكلاب المسعورة التي هاجمتنا؟ كانت حركاتها عشوائية و لكن رشيقة جدا؟”

اجاب “كانت غلطة عمري، حافظ على هدؤك و ستصل الأسعاف قريبا،”
نظر كونستانتين الى فرد الأمن المتبقي و قال له يجب ان ندخل مختبري،” اقترب الأمن من زميله و امسك يده ليلتقط نبضه، قال بحسرة “ايها العالم انه متوفي، قد نزف كثيرا من رقبته،”

“ليس باليد حيلة فقد نفقد المزيد من الموظفين،” فجأة سمعا صراخ إمرأة على الأدراج في المدى البعيد، صرخت “النجده!!! ساعدوني!!!” كانت تصرخ بشدة من الألم، شعر كونستانتين بالرغبة في الهروب من المكان فبدقائق قليلة تحول الى الجحيم حقيقي، و لكن كيف ان يعيد الزمن الى الوراء فقد انتشر الفايروس بين موظفين ميلاب و ها هو يهدد حياتهم و قد ينتشر بالقاهرة التي كانت فوقهم بكيلومتر واحد بأي وقت مع كل اسف، دخل مع الأمن الى المختبر و الخوف يزلزل كيانه، لهث لسانه مما شاهده فكانت المعدات مهشمة بالكامل، الأمصال التي كان يجري تجارب اللقاح عليها و الأوعية الزجاجية و كافة ادوات مختبره كانت قد تكسرت جميعها على الأرض، ضرب كفا بكف حينما ادرك ان حتى اوعية المختبر التي تضمنت الفايروس كانت ملقاة على الخزائن مهشمة مما يعني ان الهواء من حولهم قد يكون ملوث بالفايروس، كان على يقين ان الفايروس ينتقل بواسطة اللعاب و السوائل اللأنفية و لكن لم يكن يعلم امكانية انتشاره بالهواء و كم يستطيع العيش بالهواء الطلق، ذهب الى جهاز حاسوب في غرفته، وفتح برنامج المدير، اعطاه البرنامج امرا بإدخال كلمة السر، فقام بإدخالها، ثم ادخل امر الإنتحار، فجأة تبدلت صفارات الإنذار الى موجات اعلى و اغلق مدخل و مخرج ميلاب الرئيسي بالكامل، ارتفع صوت نداء قائلا “ابواب المختبرات ستغلق من جديد بعد دقيقة واحده،”

قال له موظف الأمن “هذا الأمر سيحول ميلاب الى ثكنة حديدية مغلقة، ماذا فعلت! ماذا يحدث يا كوستا؟”
“ستسمع الآن!” اخذ لاسلكي من على الأرض و فحصه إن كان لا يزال يعمل، تكلم قائلا “من المدير الى المدير العام اجب!”
سمع صوت سامي السريطي و هو يتكلم بالأنجليزية “نعم يا كونستانتين، ما هو الحال عندكم!”
نظر الى اقفاص الكلاب التي كُسِرَ ابوابها و نظر الى قفص الفئران التي بات مفتوحا و قال لسامي “سيد سامي حصل معنا حالة طوارئ، الحيوانات التي كنت اراقب نشاط الفايروس بها…كل الكلاب و الفئران التي حقنتها بالفايروس هي حرة طليقة تعقر الناس، اقفاصها كسرت بالكامل و لا استطيع تاكيد لك انها بفعل فاعل، اما عن الفئران لا اعلم و لكن هنالك فرصة كبيرة اننا قد لا نجدها، فأنت تعلم انها قد تكون تسللت الى مجاري ميلاب و هي موصولة مع قنوات مجاري الصرف الصحي بالقاهرة، الفوضى تعم اكثر من مختبر هنا من بينهم مختبري فهو مهشم بالكامل و كل تجاربي على اللقاحات باتت على الأرض، جتى انابيب المختبر كسرت بالكامل و قد يكون الفايروس منتشر بالهواء الطلق فلا استطيع تأكيد شيئ، لدينا وفيات و ضحايا، هذه الكلاب ليست كباقي الكلاب فالسيطرة عليها اصعب مما تتخيل…”

قال سامي السريطي بنبرة عصبية “سيد كونستانتين حينما ابتدأت بتجاربك قلت لي ان كلها ستكون تحت السيطرة، و رغم ذلك سلحت ميلاب بالأمن و بالمعدات اللازمة و الأقفاص الفولاذية ليبقى موظفين المبنى بمأمن عن هذه الحيوانات و تجاربك، و وعدتني بأنك لديك الخبرة الكافية لتسيطر على تجاربك، فبماذا تفسر لي ما يحصل، ماذا عساي ان اقول لمدير عام القوات المسلحة!!! و هذه الفئران ان اصبحت تسبح بمجاري الصرف الصحي بالقاهرة ماذا سيحصل بالضبط!!!”

“سيد سامي الكارثة اكبر مما تتخيل، بعد التقاط العدوى بالحيوانات و البشر فترة حضانة الفايروس القصوى هي ثلاثة ايام، و خلالها يهاجم بالذات خلايا الدماغ و الأعصاب ليصبح حامل الفايروس فاقد لرشده و عرضى لآلآم فظيعة، الكلاب المصابة به هاجمت بعض و عقرت بعض من دون رادع و كذا الفئران، و هذا ليس كل شي!! المرأة الحامل اتتذكرها…”
“نعم السواحلي، ماذا حدث لها!!!”
“الفايروس نجح بالتدخل بعملية الـCELL SPECIALIZATION او عملية انقسام الخلايا و كَوًنَ كائن بشع في رحمها…”
“اكاد ان اجن!!! اشعر و كأنني بفيلم خيال علمي…ملعون ابو الساعة التي اتيت بك و بفايروسك الى القاهرة!!! قسما بالله ان لم تعطيني لقاح فعال لهذه الكارثة سأقتلك بطلقة واحدة من مسدسي…اتعلم لماذا!!! لأن مهنتي كلواء بالجيش انتهت على يدك!!!”
“اللقاح الوحيد الذي سيضمن نتائج بنسبة 75 الى 80 بالمئة لغاية هذه اللحظة نظرية مكتوبة على الورق، اسمه بلازما المتعافين، الملف موجود بجرار بمكتبي بالمختبر!!! ساعطيك اياه حال خروجي من ميلاب!!!”
“فَعِلْ برنامج انتحار ميلاب!!!” انا قادم مع فريق مسلح اليكم، سأضربك يا يابن العاهرة ضربا مبرحا…تبا لك و للساعة التي اتيت بها الى القاهرة…”
“فعلت البرنامج!!! و لكن لا تشتمني يا حضرة اللواء!!! انت كنت تعرف الكثير من التفاصيل و وافقت عليها!!!”
“و انت من ادرت العمليات جميعها!!!”
“نحن امام كارثة!!! سنتعامل معها ثم سنرى عواقب الأمور!!! تعامل مع ميلاب كثكنة عسكرية موبؤة سيد سامي!!!”
وقف موظف الأمن امام كونستانتين و اشهر رشاشه بوجهه قائلا “اريد ان اعلم كيف تُقَيِمونْ الامور، ما هو معدنك انت و اللواء سامح السريطي!!! ما جو جنسكما!!! قد اطلقت وحش لا يشاهد بالعين المجرده ليعبث بأجسام البشر!!! اشعر و كأنني اريد قتلك هنا و لن تفرق معي الأمور كثيرا فليس عندي يقين انني سأخرج حياً من هنا!!!”
نظر كونستانتين الى الشارة المعلقة على القميص العسكري الذي يرتديه الرجل، كان شاب مفتول العضلات ذو بشرة سمراء و شعر اسود كثيف، كان عابس بوجهه و عيناه العسليتان تتراقص بهم الشرار من الغضب، قال له بخوف “اقتلني ان اردت يا مينا!!! و لكن بعد ان نعلم ما هو حل هذا الشيئ الواقف عند الباب!!!”
نظر مينا الى الباب مفزوعا، وقفت عنده إمرأة عارية تماما ببطن مشقوق و احشاءها الداخلية بارزة منه، كانت تسير ببطئ ممسكة رأسها و كأنها تعاني من صداع عنيف، كانت الدماء تلطخ جسدها و تجري كالنهر من رحمها، جرت نحو جدار من جدران المختبر و هي تصرخ “أأأخ خ خ!!! أأأه ه ه ” و ارتطمت فيه،
صوب الرشاش نحوها بترقب و هو يأخذ مع كنستانتين بضعة خطوات الى الوراء بعيدا عنها، راقبها بهلع و هي تركع نحو الأرض متألمة، بقية لبرهة من الزمن على الأرض تتلوى من عذابها فظن مينا انها تحتضر من النزيف الشديد التي كانت تعاني منه، فجأة رق قلبه عليها فحاول الإقتراب منها، و لكن نهاه كونستانتين قائلا “لا تقترب منها، فبجسدها الفايروس القاتل!”
“حتى البشر لم يسلم من شركم يا هذا!!! هيا قم معي و حاول مساعدتها!!!”
دفع مينا كونستانتين نحو الإمرأة و سارا بخطوات حذرة صوبها، رفعت رأسها و هي تتأوه من حين لآخر و راقبتهم بتمعن، اقتربا منها و سألها مينا “سنساعدك، هيا انهضي معنا!” اخذ مينا سترته التي يرتديها و غطا عريها،
فجأة نظرت اليهما و قالت بصوت مرهق”هل رأيت يا دكتور ما خرج من احشائي؟”
“لا و لكنني رأيته على السونار،”
اجابت و تعابير عدم الرضا على وجهها “كان بشع و كاسرا لدرجة انه شق احشائي و خرج منها بعنف شديد! كان يشبه كل شيئ ما عدا البشر، حينما اتيت اليك الى ميلاب لم اكن اعلم انني حامل حتى، صحوت من المخدر على اوجاع في بطني! بعد فقط بضعة ايام كيف يخرج من رحمي هذا الكائن البشع! أنتم قوم لا معبد واضح لكم و لا رب لديكم! لعنكم الله!” اشارت بيدها على الباب ثم لفظت انفاسها الأخيرة،
وقفا مينا و كونستانتين بترقب الى ما كانت تشير اليه، كان يقف على اربعة قوائم على المدخل كالزواحف، و كان له اربعة يدين طويلة كيدين الأخطبوط طول كل منها متر بأكمله، كان رأسه من فوق يشبه البشر و لكن له فك من الأسفل كالزواحف، كان يبرز اسنانه الحادة من حين لآخر و كأنه يهددهم بالهجوم عليهم، كان طوله متر بأكمله و كان يغطي جسده جلد كجلد الأفعى، اطلق صوت كالصفير العالي ارتجف جسد كونستانيتن و مينا منه، ابتعد الرجلين عن الباب و الكائن الغريب يسير الى داخل الغرفة، نظر من حوله و كأنه يبحث عن شيئ و لكن سرعان ما عاد للنظر اليهما، فجاة قفز بخفية تامة على جدار من جدران الغرفة و انطلق نحو هدف كان في آخر المختبر، نظرا اليه مينا و كونتستانتين بخوف كبير و هو يسير على الجدار بكل سهولة، توقف فجأة و قفز الى منتصف الغرفة و توقف بالهواء و كأنه انقض على شيئ خفي، اطلق الكائن صفير عالي لينكشف أخيرا ما كان يهاجم، فجأة انجلا امامهم رجلا بزي عسكري ملطخ بالدماء، صرخ كونستانتين “هذا الجن الذي كانت عصمت تتكلم عنه!!!”

اجاب مينا باللغة الإنجليزية “Now I know who let the dogs out!!!” فجأة صوب رشاشه صوب المعركة و اطلق وابل من الرصاص و هو يصرخ “يا اولاد القحبة ستموتون انتم و سنعيش!!!”

اصابت الرصاصات الجان بشدة، انتفض جسده و صرخ من شدة اللألم من الرصاص، كان يحاول الأفلات من براثن الكائن فامسك بيديه قوائم الكائن و لكن كانت يداه الطويلة تحيط بجسده بقوة، حاول ابعاد وجهه عنه و لكن سرعان ما فشل مع آلآم الرصاص و غرز الكائن اسنانه في وجهه المشوه، قفز الجان من شدة الوجع و وقع على ظهره على طاولة رئيسية في منتصف المختبر ليصبح الكائن فوقه، صرخ الجان و الكائن يغرز اسنانه الحادة في وجهه و يمتص دماءه الزرقاء فسالت من حوله و لطخت الطاولة و الارض من حولهم، هرع كونستانتين الى مكبت صغير كان في زاوية المختبر و فتح جراره، اخذ مسدس بكره منه و صوبه على الكائن، و لكن فجأة رأها تتحرك، نظر الى يمينه فتجمدت الدماء بعروقه من الرعب، تحولت ساقيه الى كتل اسمنتيه و هو يراها تقف في مكانها، كانت المرأة العارية شاحبة الوجه و عيناها مفتوحتان و تعابير وجهها عاضبة توحي بأنها تنظر اليه بتوعد، جرت نحوه فصرخ من شدة الرعب و حاول اطلاق الرصاص عليها،
نظر مينا اليه و صرخ “اقتلها يا كوستا!!!”
صرخ بعرب “انني اقتل إمرأة ماتت من قبل!!!”
اصابتها الرصاصات فتراقصت في ممكانها بعض الشيئ و لكن سرعان ما استعادت عافيتها و اكملت المسير نحوه، حاولت الهجوم عليه و الإنقضاض على رقبته و لكنه ابتعد بالوقت المناسب عن دربها، رقد الجان بين براثن الكائن كالفريسة السهله فأستسلم اليه اخيرا و بات من دون حراك، حاول كونستانتين و مينا الهروب الى باب المختبر و لكنهم توقفوا فجأة، وقف في الباب بثيابه الملطخة بالدماء، كانت في منتصف رقبته فجوة كبيرة رأوا الجدار و راءه من خلالها، كانت حركاته غير متوازنه فتقدم اليهم ببطئ شديد في بادئ الأمر، تراجعا الرجلين الى الوراء بعض الشيئ، صرخ مينا لزميله “يونس انا احبك كثيرا!!! لا تفعل هذا بي!!!، ابتعد عني و الا سأطلق النار!!!”
صرخ كونستانين اليه “زميلك لا يفهمك!!! انه قد مات!!!”
“تبا لك يا كوستا!!! انت و سامي السريطي من وضعنا بهذا الجحيم!!! ماذا اطلقت في عالمنا!!! اشعر و كأنني سأقتلك عما قريب بيداي!!!” فجأة نظرا الى اليمين فرآ الكائن يسير على الجدار، فتيقن انه اجهز على جسد الجان بسهولة، نظرا الى اليسار فكانت المرأة تسير نحوهما و احشاءها مفتوحة و الدماء تسيل من جسمها بمنظر ببشع كالذي يراه بافلام الرعب، فجأة راى الضابط الذي كان قد عقره الكلب بساعده يسير وراء يونس زميله، كانت الدماء تلطخ ثيابه و فمه، تيقن انه كان يتغذى على جثة احدهم فالدماء كانت تلطخ ثيابه بأكملها، صرخ كونستانين “نحن محاصرون يا مينا!!!”

فجأة سمعا صراخ إمرأة بالممر تقول “ابتعد عني و الا قتلتك!!!” سمعا طلقات متتالية من مسدس دَوًتْ بارجاء المكان بالكامل، صرخ مينا اليها “من انت، نحن هنا بالمختبر!!!” اطلت المرأة و اطلقت بضعة رصاصات على محمود و يونس اسقطتهما ارضا!!!” اسرعا اليها و المدخل آمن فتبين انها الدكتور عصمت عبدالمجيد، صرخت عصمت “كوستا!!! مينا!!! الكلاب عقرت معظم موظفين ميلاب، اكاد لا ادخل مختبرا الا و ارى ادواته مهشمة و الموظفين يسيرون بطريقة مريبة، بعضهم يتخبط بجدران المختبر و بعضهم يهاجمني، حتى زملائي الذين يعرفونني عن كثب ينظرون الي و كأنهم لا يعرفونني و يهاجمونني!!! ماذا حدث يا كوستا!!!”
نظر الجمع الى الممر فابتدأ قوم من المصابين يتكاثرون به، ضرب مينا رمز رقمي لمختبر كان قريبا منهم ففتح بابه، و لكن صرخت عصمت قائلة “لن ينفع ان نبقى هنا، سيحطمون الأبواب و سيدخلون علينا!!!”
اجاب مينا “المكان كله موبوء،”
اجاب كونستانتين “ليس عندي يقين بشيئ، الفايروس ينتشر بأجساد المصابين بسرعة اكبر مما تخيلت، كسرت كل الانابيب في مختبري، حتى الهواء الذي نستنشقه يمكن ان يكون موبوءا بالفايروس،”
فجأة سمعت عصمت اصوات تمزق بالمدى القريب، كانت ممزوجة مع اصوات زمجرة خشنة، نظرت مع مينا و كونستانتين الى داخل المختبر، كانت الأوصات الموحشة تأتي من داخله بقوة، فجأة تحرك كلب الى قرب الباب و في فمه يد إنسان منزوعة عن جسده، كانت تنزف منها الدماء بشدة، فجأة سمعوا اصوات شيئ يزحف على الأرض، نظر الجمع الى الكلب الذي بادلهم نظرات غاضبة، تحرك رجل بثياب مدنية و ثوب ابيض ملطخ بالدماء على الأرض و توقف بجانب الكلب، نظرت عصمت برعب شديد الى ذراع الرجل اليمنى التي افتقدت الى نصفها تقريبا، كان الرجل الزاحف ينزف بشدة فنظر اليهم و تعابير الهلع و الألم تملأ وجهه و قال “اهربوا من هذا المكان” ثم اسلم الروح، صرخت عصمت مذعورة و عادت الى الوراء بينما حاول مينا وضع رمز اغلاق الباب، تحرك الباب و اقفله نظام الحاسوب بالكامل الا ان الكلب ابتدأ بالهجوم عليه، ارتطم به بقوة فأبتدأت اجزاء منه بالإنهيار، فجأة اصطدمت عصمت بشيئ خلفها فاستدارت لتجد يونس امامها مرة ثانية على مدخل مختر كونستانتين فتحول صراخها الى عويل و هي تهرب من المكان، فجأة هوى جزءا من الباب الى الوراء و اطل الكلب برأسه و حاول الخروج الى الخارج ، هرب الجمع من الممر وراء عصت بينما لحق بهم يونس و الضابط مع المرأة المشوهة، صرخت عصمت قائلة “انها لا تموت!!! انها تسير و هي من دون روح!!!”

توقف الجمع امام المصاعد و لكن تذكر مينا انها لا تعمل، فجأة استدار الى الوراء و اطلق وابل من الرصاص بإتجاه الجثث التي اقتربت منهم، تراقصت في مكانها و رصاص الرشاش يفتك بها و تقطعت بعض اوصالها، هَوًتْ الثلاثة جثث الى الارض بينما حاول الجمع التفكير بمكان يلجأوا اليه، فجأة قالت عصمت “هيا لننزل الى المكاتب، فربما يكون هنالك احياء تحت!!!”
اجاب مينا “قد فكرت بهذا الأمر و لكن خفت ان يكون الوضع في الأسفل سيئ من طوابق المختبرات!!!”
قال كونستانين “لننزل الى تحت و نرى!!! يجب ان لا نتكهن بهذه الظروف!!!”
اتجه الجمع الى الأدراج و هموا بالنزول الى الطابق الثاني، ارتفعت من جديد اصوات ضوضاء و تكسر الزجاج حينما وصلوا الى الطابق، نظر الجمع الى الممر فكان مليئ بالجثث الملطخة بالدماء، فجأة فتح احدهم باب مختبر من مختبرات الطابق و ارتفع نباح الكلاب من جديد، نهضت جثة كانت على الأرض و سارت ببطئ نحوهم، نادت عصمت قائلة “هل انت بخير؟!” نظر اليها ثم جرى بسرعة صوبها ، اطلق كونستانين رصاصة من مسدسه اصابت كتفه، اهتز قليلا ثم اكمل المسير نحوهم، قال مينا “لا نستطيع مساعدة احد، لا نعلم من يحتاج مساعدة و من المصاب منهم!!!” اكملوا نزول الأدراج الى الطابق الثالث حيث المكاتب، وقفوا على المدخل فجأة و نظروا بصدمة كبيرة الى المكان،

كان الطابق في فوضى عارمة، كانت اطقم الكنب و الطاولات مهشمة بالكامل و المكاتب ملطخة بالدماء، كانت اوراق الملفات ممزقة و منثورة على الارض بصورة عشوائية، امتلأ الطابق بالجثث المشوهة و الملطخة بالدماء فكان بعض منها ملقاة على الأرض و البعض الآخر على المكاتب، بعضهم كان ضباط و بعضهم كان باللباس المدني، لم يكن احد على قيد الحياة بالمكاتب الإدارية التي فاق عددها خمسة عشر مكتب، كانت اجهزة الفاكس و الطابعات مهشمة و ملقاة على الأرض و كأن اعصار كاسر قد ضرب المكان،
سأل كونستانين “ما نوع المذبحة التي حدثت هنا؟”
قالت عصمت “ما هذا!!!”
فجأة سمع الجمع نباح من بين المكاتب، ارتفع صوت تمزق للٍحْم ارتجفت ابدان الجميع له، لمح مينا ظهر كلب و هو يسير بين المكاتب ببطئ و كأنه يسحب شيئا على الأرض، صوب رشاشه نحو الحركة و قال ابتعدوا قدر المستطاع الى الوراء الآن،” فجأة تحرك صوبهم اربعة كلاب من اماكن متفرقة، كان اثنين منهم يسحبا إمرأة بثوب مدني على الأرض، كانت جثتها مشوهة بالكامل و كانت ثيابها ممزقة يظهر من خلالها لحمها الممزق، صرخ كونستانين لدى رؤية المذبحة “ما هذه الأشياء!!!”
كانت الكلاب سوداء من نوع دوبرمان، كانت ملطخة بالدماء و كان عظم قفصها الصدري ظاهر بعدة اماكن من جسدها و كأن لحمها يتأكل عنها، انهمكت الكلاب بأكل الجثة ريثما راقبها الجمع بحذر،
قالت عصمت “نحن في كاوبس مروع! متى سنستيقظ منه يا مينا!!! اصفعني على وجهي كي أعلم انت كنت في كابوس ام في واقع!!!”
اجاب مينا “كلها بسبب ابحاث هذا الإنسان، ابتعدي يا عصمت الى الوراء فسنحاول الذهاب الى الطابق الرابع، هنالك سنمكث ريثما تصل المساعدة!”
نظرت الى كوستا و تعابير الغضب تشع من وجهها، سألت “ما نوع الأبحاث التي كنت تجريها يا كونستانتين الكلب!!!”
اجاب مينا قبل ان يفتح فاه العالم “كان يحاول دراسة تأثير فايروس مجهول على الكائنات الحية…”
اجابت عصمت “فايروس مجهول؟! و بأمر من قمت بتنفيذ هذه التجارب؟! و لما لم اكن بالصورة عنها؟!”
“كانت اوامري من اللواء سامي السريطي و شركة اي بى اس ار ان اكتم امر ابحاثي، مع الأسف كنت اتقاضى اجور كبيرة على عملي،”
فجأة تنبهت الكلاب الى وجودهم، ابتدأت بالنباح و الأقتراب منهم، قال مينا لعصمت اهربي الى مصعد الطابق و انا سأهتم بهم، فجأة اخذ من جيب كونستانتين اللاسلكي و قال “عندي فكره، فالذخيرة تكاد تنفذ مني و لكن سأشتت انتباه الكلاب عنا بك!!!” دفع مينا كوستا نحو الكلاب، صرخ من شدة الذعر و هو يسقط على الارض بالقرب منهم، توالت صرخاته و هو يقول “ساعدوني…” و لكن لم يكمل جملته، فأبتدأت الكلاب بالتهام جسده، تحول صراخه الى عويل و هي تعقره و تمزق لحمه، صرخت عصمت “لماذا فعلت هذا به!!! كنت يجب ان تتركه للعدالة!!!” جرى مينا و عصمت صوب المصاعد مستفيدين من التهاء الكلاب بالعالم و ضغط مينا زر الطابق الرابع، قال ميناء “كان في مختبره فئران و هربت من اقفاصها، اين سنجدها بهذا المبى العملاق، ان لم تكن قد شقت طريقها نحو الصرف الصحي بالقاهرة و هي تحمل هذا الوحش في داخلها،” صعقت عصمت من كلام مينا، كانت تعلم ان هذه الفئران قادرة على نشر الفايروس خلال ايام قليلة بالقاهرة، شعرت بإختناق فظيع من هذه الأحداث المرعبة التي كانت تتوالى من دون رادع، توقف المصعد بهم بالطابق الرابع، فتح بابه و خرجا منه، كان مليئ بالمواسير و مجموعة خزنات ماء ضخمة و مضخات للمياء وغرف كبيرة تحتوي على مولدات كهربائية كبيرة، كان الطابق كبيرا جدا، فجأة توقف مينا مصدوما من امر، سأل عصمت “نظام ميلاب اوقف المصاعد، فكيف عملت للتو؟”
“لا اعلم، و لكن هنالك ايدي من وراء ظهري تعبث بهذا المختبر كثيرا،” اخذت عصمت اللاسلكي و سألت مينا “هذا الجهاز يتصل بمن بالضبط؟”
“انه لاسلكي خاص بين كوستا و اللواء سامي السريطي،”
نادت به “اللواء سامي السريطي…اللواء سامي السريطي اجب!”
اجابها صوت غاضب من المتكلم…”
“انا النقيب الدكتور عصمت عبدالمجيد المدير التنفيذي لميلاب، اليس عيب يا دكتور ان تأمر بتنفيذ بحوث بيولوجيه حساسة من دون اخطاري او موافقتي! هل انا ساق طاولة او قطعة اثاث هنا امامك!”
“تكلمي بتهذيب معي، انا المدير العام لهذا المختبر و اوامري تنفذ دون الرجوع الى من هم اداريا اقل مني…”
“تفضل يا سيادة اللواء هذه الكارثة، الفايروس الذي بحث بأمره المرحوم كوستا حَوًل كل الكائنات الحية و البشرية الى مسوخ، حتى الإناث المصابة به ينولد منها مسوخ تشبه اي شيئ الا البشر…” مكث اللاسلكي من دون جواب لبرهة من الزمن، ثم اجاب سامي “انا سأتصرف يا عصمت، كوستا عنده اللقاح و سيتم انتاجه و سأرسل قوة لتتحري معن اذا حدث هنالك و سيتم تطهير المكان من الفايروس،”
“و كيف ستفسر للمجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية ماذا جرى، انت لا تفهم يا هذا!!! هنالك وفيات و ناس تسير و هي متوفية هنا، هل تفهم معنى الكلام!!!”
“لا تصرخي بوجهي، انا سأتصرف!!!”
“من الواضح ان تسليم بحوث مخبرية لمسؤلين غير مختصين كارثة كبرى، تطهر ماذا؟ هنالك فئران موبؤة تسرح تحت الأرض بكل راحة بميلاب، ما هي الضمانات انها لاتزال بميلاب، انها قد تكون في طريقها لأوكار عديدة لفئران و جرذان عبر الصرف الصحي، يا تافه القاهرة مهددة بإنتشار هذا الفايروس بها خلال فترة اقصاها بضعة ايام بسرعة انتشار الطواعين…هل تفهم ماذا يعني آلآف من الجرذان و الفئران في مجارير و ضواحي القاهرة موبؤة بفايروس لم ننتج له لقاح بعد، اسمعتني جيدا، القاهرة مهددة بكارثة كبرى…”
“اعطيت اوامري لفرقة من المختصين بفتح ميلاب و تعقيمه من محتوياته الملوثة، اما القاهرة فليس هنالك يقين ان الفايروس سينتشر بها، هذه فئران مختبرات و قد تكون ببيئة غير بيئتها…”
“انت قبلت مقامرة قذره بأرواح البشر،!!! انت امام القضاء ستتحمل اية تبعات ستعاني منها القاهرة!!! انا لم امضي على اية اوراق تسمح بهذه التجارب بميلاب، انا ساكون اول شاهد ضدك، اتمنى ان يكون نهايتك حبل المشنقة يا كلب!!!”
فجأة سمعت عصمت ضجة عالية على اللاسلكي، و كأن شيئ وقع على الأرض بقوة، بقية الموجة مفتوحة، سمعت صوت طلقة رصاص يصدر منه، ثم سمعت شيئ مكتوم ثقيل يقع على الأرض، نظرت الى ميناء و رأت في عينيه الجواب، قال لها “هذه الرتب قد تنهي خدماتها بسجل مشرف لبلادنا فالشرفاء منها كثيرون، اما من يسيئون الأمانة لبلادنا فهم قليلون و غالبا يأخذون ارواحهم بيدهم لما قد يترتب على قراتهم من مسؤليات خانقة،
اجابت عصمت “اصبح عند ربه، اصبح بمحكه لا يعبث به لا نفوذ بشر و لا خبثهم،”…يتبع

*اتقدم بالشكر للطبيبة الببطرية الفاضلة ريتا الجبالي على المعلومات التي قدمتها ليكون هذا الجزء من الرواية ممكنا،
*اتقدم بالشكر للممرضة الفاضلة زينه برجوس على المعلومات التي قدمتها ليكون هذا الجزء من الرواية ممكنا،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى