لِبعضِ الأوسلويينَ ، قابليةٌ خَصْبَةٌ لِلْتخاذُل / د . سمير أيوب

لِبعضِ الأوسلويينَ ، قابليةٌ خَصْبَةٌ لِلْتخاذُل
رياح سُمومِهِمْ تُعَرْبِدُ في كل ما تبقى من فلسطين
كُلَّما أمعنت التبصر ، في قراءة كوابيس فلسطين في ظلال اوسلو ( وطنا وقضية وحلما ) ، تَظْهَرُ لي مُرتَكزاتُ الصراع على العُموم ، جَليةٌ .
فكل صراع إنساني أياً كانت عناوينه ، هو صراع مصالح متوحشة . لها اقدامٌ وعضلاتٌ وأنياب . تسعى بها لتنهب مع ما تسرق من ناسها ، الهويات والموروثات والأحلام والأوجاع والآمال . سواء كان هذا الصراعُ الناهِبُ عابراً للحدود ، او كامنا في الأرحام القُطْرية .
ويندرجُ الغزو الأوسْلَوِيُّ لفلسطين ، تحت هذا العنوان . فعُهْرُ اوسلو ، لم يكن إجتهاداً سياسياً بريئاُ أو ساذجاً . بل أداةٌ ناعمةُ الملمس ، في صُلبِ مسلسل السيطرة والنهب . خططت له قِوى معسكر العدو ، ونفذته بتمويهٍ ساذجٍ ، تحالفاته المحلية ، العلنية منها والمستترة .
عبر مساراتِ هذا الزمن الأوسلوي البشع ، وما حفل به من تأتآت مُضَلِّلَة ٍ، وتجلياتِ أوهام السلطة ، ورشاوى المصالح وأصداء العصا ، تم تهميشُ فلسطين ، وطنا وقضية وبشرا وهوية . وتم إختزال صراع الوجود مع العدو ، وجَرِّهِ الى مستنقعاتِ جُزئياتٍ هامشية ، وشكليات دونكيشوتية ، مشبعة كلها ، بالوهم العاجز العاري ، لتكون بديلاً عن التحرير .
كانت بداياتُ التلاشي الوطني ، للبعضِ مُبَكرةٌ و كانت بالتقسيط . فمنذ البسملاتِ الأُوِلْ للثورة الفلسطينية المعاصرة ، كان واقعها مائجاً ، يَعُجُّ بالمنضوين تحت ألويتها ، من كل حدبٍ وصوب . واقعٌ كانَ بالتَّعَمُّدِ مُفَخَخاً بمنظوماتٍ من مُتَسوِّلي النضال ولصوصِ البطولات . أُرْكِبَ كل من كانت قابِلِيَّتُه خصبةً للتخاذل ، خِلْسةً وعلانية بعض سلالم النضال ومَراقِيه الخلفية والأمامية .
والآن وفلسطين حبيسة ليل اوسلو وعتمها ، تظهر امام كل متابع منصف ، مواكب طويلة من اقمار ونجوم ، تُزين سماء الجبارين ، ممن ناضلوا بشرف ، وضحوا بشرف لفلسطين . وبموازاتهم حثالةٌ ، إمتطت الوهم والمغامره . وجَرَّتِ النضالَ الى حقول ألغام . وبعضهم إجتَذَبَتْهُ بعيدا عن الخنادق ، اضواء الفنادق ولذيذ طعامها وخمرها . وبعضهم أغواهُ عطرُ ودفءُ فِراشِ تسيفي ليفني ، ومثيلاتها من الغواني .فاستقرت جُثثهم وأبدانُهم في مُستنقعاتِ التخاذل والتفريط ومزابلِها . ضَحُّوا ويًضَحونَ بنذالة وَخَسَّةٍ لا يُحْسَدون عليهما ، بكل نبيل في فلسطين .
منذ ما قبل سيِّئَةُ السُّمْعَةُ ، مُحاضرةُ هاني الحسن في لندن ، لم يكن انتقاء العدو لكبار الأوسلويين وتابعيهم ، عشوائيا او صدفةً عابرة . بل إختيارٌوانتقاءٌ يتم بعنايةٍ ، وفق معايير تخدم مصالحه الأستراتيجية . وبعد ان تم إخلاءِ الميادينَ الفلسطينيية ، من كبار المُعيقين المُحْتَملين لِمَصالِحِه ، قرر إبراز أوقحَ مُريديه ، بلا براقع الى مُقَدِّمَةِ المسارح ، وفق مواقيت وتدابير وأسانسيرات ، تم اعدادها بعناية وبتطاول زمني مسبق .
الآن ، وبعد أن تلاشى الأمل بالأوسلوية ، وبات عُتاتُها جزءا عضويا من منظومة موقِعي الأذى المُتَعَمَّدِ بفلسطين ، من يحتل المشهد الان منهم ، أو من ينتظر خارجاً إجلاسَهُ وريثا فيه ، صارعلى كل مخلص ، مُتنَصدرِ للعمل الوطني العام ، مُواجهة حقيقة وتبعات هذا العهر ، بتحويلِ الغضب ضده ، الى عملٍ بَناَّءٍ يُبقي جَذوَةَ النضال مُتَّقِدَة .
وهنا ، بعيدا عن اي أوهام حول المشاق والمخاطر ، وفي ظل موازين القوة غير المتكافئة ، التي يواجهها النضال من اجل تحرير فلسطين ، نرى في مواجهة هياكل اوسلو ، أن من الأنسب ، التعجيل في التركيز على جهد فكري وتنظيمي حثيث ، جماعي علمي ، متقن وخلاق . ليُسرِّعَ في ترحيل قسري لهؤلاء ، عن منصات المشاهد اليومية في الحياة الفلسطينية . لعلَّ بعد إقتِلاعِهِم ، مواكبُ أشبالِ وزهراتِ فلسطين ،تنجحُ في إستكمال تحريركل فلسطين . وأظن أن هذا الجهد والحمد لله ، قد بدء يسابق الزمن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى