قراءة هادئة لوثيقة حماس / المحامي محمد عودات

قراءة هادئة لوثيقة حماس

الأيام القليلة الماضية كانت زاخرة بالحديث عن الوثيقة ما بين ثناء ونقد وبين تبرير وتخوين ، لكن ماذا يعني أن تفك حماس ارتباطها بتنظيم الإخوان المسلمين ؟، وماذا يعني قبول حماس بدولة على حدود 67 وبنفس الوقت تطالب بفلسطين من النهر للبحر ؟، ولما أعلنها خالد مشعل مع انه في نزعه القيادي الأخير ؟، ولماذا لم تلغي الوثيقة ميثاق حماس التأسيسي الصادر عام 1988 ؟ ، ما انعكاسات الوثيقة على الداخل الفلسطيني؟ ، هل الوثيقة جاءت بضغط تركي قطري ؟، هل ستحقق الوثيقة لحماس انفتاح سياسي على محور الاعتدال العربي والغرب ؟.
(1) في شكل الإعلان
ظهور خالد مشعل في الأول من مايو يعلن وثيقة حماس السياسية قبل رحيله بأقل من أسبوع ، إذ قرأ البعض إعلان خالد مشعل بأنه أراد أن يتحمل جميع التبعات وخصوصا العلاقة مع إيران فالوثيقة تظهر وثيقة مشعل والعلاقة مع إيران التي سوف تغضبها الوثيقة سيأتي من يجددها من غزة الحريصة على مصالحها مع إيران ، كما أن الوثيقة سوف تسمح للقائد الجديد هنية مساحة اكبر في حوار الغرب وأمريكا، فيما تم قراءة إعلان مشعل للوثيقة من جهة أخرى على أن هناك حالة تعبيد للطريق أمام مشعل لقيادة السلطة الفلسطينية إذا ما دخلت حماس مسار التفاوض وهذه القراءة يمكن أن تكون بعيون الفتحاوية المتوجسة من الوثيقة .
فيما ظل اختيار توقيت الإعلان غامضا إذ لم يأتي بأي مناسبة أو حدث معين إلا أن التفسير الوحيد لهذا التوقيت أن الحركة كانت تقصد أن يعلنها مشعل وليس القائد الجديد الذي سيخلفه .
لا شك بان أحداث تموز في مصر كانت بمثابة الزلزال السياسي في المنطقة إذ ترتب عليه كثير من التحولات في المنطقة والتي صبت جميعها في غير صالح المقاومة الفلسطينية ، حماس تعلن وثيقتها في وقت يجتمع علي خصومتها الجميع، فهي تعاني من مقاطعة أوروبية كما أنها تعاني من حصار داخلي إسرائيلي فلسطيني وعدم رضا من محور الاعتدال العربي وjضيق مصري بشكل كبير للتطويع بذات الوقت فان ما يسمي نفسه محور المقاومة إيران حزب لله سوريا العلاقات تشهد حالة فتور كبير وخصومة سورية واضحة بسبب موقف حماس من الأزمة السورية التي انحازت بها حماس لتطلعات الشعب السوري
الإعلان جاء بعد أن أجرت تركيا تحولات كبيرة في سياستها الخارجية في المنطقة وتحاول أن تجد لها مسار أخر بعد الانقلاب العسكري الذي فشل في تركيا إذ تحاول تركيا أن تعيد ترسيم علاقاتها مع الغرب وبذات الوقت تتوجه نحو الروس بعد أن وجدت أن الغرب وأمريكا كانوا يسعوا لتوريطها في الملف السوري دون أن يقدموا لها ما يساعدها على ذلك ، المتبقي هو الحليف القطري الذي يدر ضرعه غزيرا في الصحن الحمساوي لكنه حليف يعاني أزمة مع جواره بسبب قربه من حماس كما انه يريد أن يبرهن أن تحول حماس السياسي يكون بالاحتضان لا بالخصومة والعداء .
الوثيقة جاءت خالية من النص على إلغاء ميثاق حماس الأول الصادر عام 1988 ميثاق يتعارض في مجمله مع هذه الوثيقة الجديدة وخصوصا في توصيف طبيعة الصراع وموضوع إعادة تعريف الحركة لنفسها، عدم النص على إلغاء الميثاق القديم يتم قراءته على أن هناك جاء بضغط كبير من التيار التربوي داخل الحركة الذي مرر الوثيقة لكنه تمسك بالميثاق القديم ، فيما قراه البعض الأخر على أن الميثاق القديم أصبح ملغي بالحكم العملي وان حماس أرادت أن يكون تحولها بدون زوابع سياسية داخلية خاصة أن الميثاق كان مبني على أسس دينية يجب أن تبقى حاضرة في الصراع ولو على المستوى الشعبي والداخلي لحماس .

(2) هل الوثيقة استدراج

من يعيد قراءة برنامج النقاط العشر الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطيني في عام 1974 بزعامة ياسر عرفات يجد انه احتوى على لغة أكثر تشدد من الوثيقة التي أصدرتها حماس في الأول من مايو إذ نص صراحة بميثاق النقاط العشر بان المنظمة تناضل وعلى رأس نضالها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية واصفا سلطة الشعب الفلسطيني بأنها مقاتلة ، كما نص صراحة أن المنظمة تناضل ضد أي مشروع لكيان فلسطيني سيكون ثمنه الصلح والاعتراف والحدود الآمنة للكيان الصهيوني ، وان المنظمة تناضل من اجل السلطة الفلسطينية في سبيل استكمال تحرير كامل التراب الفلسطيني .

مقالات ذات صلة

هذه النقاط بصياغتها المتشددة لم تحمي منظمة التحرير من الإغراق في التكتيك ونسيان الإستراتيجية ومن ثم تحول التكتيك إلى إستراتيجية وتحويل التنازلات إلى تكتيك تنازلات قادتها حركة فتح داخل منظمة التحرير الفلسطيني إلى أن وصلت حد التنسيق الأمني الذي تصفه السلطة بأنه عمل مقدس .

من يقرا الأحداث يدرك بان الوثيقة جاءت نتيجة قرب قيادة حماس المباشر واللصيق من الغنوشي وتأثرهم بطرحه بشكل كبير كما أن الوثيقة بلا شك جاءت بطلب تركي وقطري وان لم يعلن ذلك إذ أن مثل هذه الوثيقة أراحت حلفاء حماس في تركيا وقطر لكنها وثيقة وضعت قدم حماس على أول درجة في سلم الاستدراج الهادئ كما يراه البعض ، إلا أن التنظيم الهرمي لحماس والذي يتحكم به الجانب الديني ويُحكم أصحاب المدرسة التنظيمية والتربوية السيطرة على مفاصل مهمة في اتخاذ القرار الحمساوي يدرك بان انزلاق حماس إلى ما انزلقت إليه منظمة التحرير بقيادة فتح يبدو مستبعد جدا وان أي انزلاق للقيادة السياسية سيكون هناك الجناح العسكري بالمرصاد كما أن الجناح التربوي قادر على أن يحجم الجناح السياسي إذا ما بالغ في البراغماتية السياسية ويضع له الحد الفاصل بين التكتيك وبين الوقوع في فخ الانزلاق إلى حيث القاع مع حركة فتح

(3) أهم التعديلات

جاءت وثيقة حماس على درجة عالية من السبك اللغوي وانتقاء العبارات إلا أن الإيضاحات التي قدمها رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل على الوثيقة تبدو الأهم وتشير إلى أهم التحولات في الوثيقة : –

• فك الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين :- أكد مشعل على أن الحركة تعتز بانتمائها الفكري للاخوان المسلمين إلا أنها أعادت تعريف نفسها على أنها حركة تحرر وطني فلسطيني لا ترتبط بأي تنظيم ولا تتبع لأي جهة .

البعض قرأ فك الارتباط على انه تنصل من العقبات التي أصبحت تواجه اسم جماعة الإخوان والتضييق عليها في مصر بوابة القضية الفلسطينية وكذلك فتح علاقات مع الخليج الذي يضع الجماعة على قائمة الإرهاب .

فيما يراه الآخرون بان ما جاء في الوثيقة هو تأكيد لشيء مؤكد وان الموضوع اخذ اكبر من حجمه إعلاميا وان حماس بممارساتها العملية هي حركة تحرر وطني فلسطيني ولم تكن تابعة لأحد ولم تكن بجيب احد في يوم من الأيام .

فيما يراه البعض أن حماس أرادت أن تنقل ملف القضية الفلسطينية من قضية أممية إلى قضية وطنية حيث أن وجود القضية بيد غير اليد الفلسطينية جعل هذا الغير يستخدمها كورقة في أزماته الداخلية وفي أحسن الأحوال كورقة مساومة في علاقاته الخارجية وان إعادة القضية الفلسطينية لبعدها الوطني يكون بذلك أعادها إلى مسارها الصحيح وان الشعب والقيادات الفلسطينية هم أدرى بما يصلح لهم ولقضيتهم وان من يحكم الأمور هو ما يقرره الشعب الفلسطيني وحده .

هذا الإعلان ينطوي عليه كثير من التغيرات ستحدث في بنية الحركة الحمساوية إذ يتألف مجلس شورى حماس من خمسة عشر عضو من الداخل الفلسطيني وخمسة عشر عضو من الخارج الفلسطيني وعشرة أعضاء من جماعة الإخوان في العالم الإسلامي من جنسيات مختلفة من غير الفلسطينيين ،بعد هذا الإعلان هل أجرت حماس انتخاباتها الأخيرة التي أفرزت القائد هنية بدون حضور عشر أعضاء شورى جماعة الإخوان أم أن الجماعة كانت ممثلة في هذا الاجتماع ، السؤال الأخر هل سحبت حماس عضويتها من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الذي لا زال قائم ولو شكليا أم أن عضويتها لا زالت موجودة في هذا التنظيم ؟، قد يبدو السؤال بفك الارتباط التنظيمي عن جماعة الإخوان ذو اثر كبير في الأردن فهل فعلا ستفك حماس ارتباطها التنظيمي بإخوان الأردن بشكل نهائي ؟ وكيف ستتعامل مع الأردن الذي يمثل اكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين الذين كان يتم التعامل معهم حمساويا من بوابة الإخوان المسلمين ؟ هل ستتحول الحركة في نظرتها للأردن وتحولها لساحة للعمل الحمساوي كما هي فلسفتها في باقي دول المنطقة بعد أن فكت ارتباطها مع تنظيم الإخوان المسلمين ؟ وكيف ستتعامل مع التشابك القانوني المعقد للفلسطينيين الموجودين على ارض الأردن اذا ما قررت التعامل مع الأردن كساحة للعمل الحمساوي ؟ أم أنها سوف تبقى على ذات القاعدة السابقة في التعامل مع الفلسطينيين الموجودين على الأرض الأردنية من بوابة جماعة الإخوان التي أصبحت شبه محظورة رسميا ؟ .

• دولة على حدود 67 :- قد يكون أكثر ما ثار الجدل ما جاء في قبول حماس بفكرة دول على حدود 67 وبذات الوقت نصها على أنها تتمسك بكامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر وهذا لا يمكن الجميع بينه عمليا ، من حيث المبدأ السياسي فإسرائيل وكذلك المجتمع الدولي يفهم دولة في حدود 67 على أنها الاعتراف بإسرائيل أما المطالبة بدولة على حدود 67 دون الاعتراف بإسرائيل لا تعني للغرب والإطراف المؤثرة في القضية الفلسطينية أي شيء فكيف يمكن تفسير الجمع بين الشيء وضده بذات الوثيقة وهو شيء لا يمكن تحقيقه عمليا لكن كيف يمكن تفسير ذلك .

قراءة تقول بان حماس تريد إفساح المجال أمام المفاوض الفلسطيني لكنها لا تريد أن تشارك في التفاوض وبذات الوقت لن تعرقل عملية السلام كما كانت تفعل في بداية التسعينات من خلال العمليات الاستشهادية

قراءة أخرى ترى بان الوثيقة ليست موجهة فعليا لإسرائيل وان حماس لا تريد التفاوض ولا تؤمن بهذا المسار ولكنها لا تريد لصياغة ميثاقها أن تقف عقبة في وجه فتح علاقات خارجية وخاصة مع الطرف الأوروبي الذي تشهد ساحته تعاطفا حقيقيا مع القضية الفلسطينية .

فيما ترى قراءة ثالثة أن هذه الصياغة جاءت لإرسال رسائل سياسية بان حماس سوف تقبل بمسار التفاوض وسوف تنخرط به لكنه سيكون بشروط خاصة وسقف مرتفع لحماس كما أنها تريد بذات الوقت المحافظة على شعبيتها بين قواعد الشعب الفلسطيني ويدللون على ذلك بان خالد مشعل أكد أن التفاوض مع إسرائيل هو محكوم بالمصلحة وليس من الثوابت الدينية الغير قابلة للنقاش وان اتفاق حول حدود 67 سوف تعرض للاستفتاء على الشعب الفلسطيني وهو سيكون صاحب الكلمة الفصل .

بالنهاية مهما تكن التفسيرات والقراءات للوثيقة الجديدة من زوايا مختلفة إلا أن حماس استطاعت بصياغة الوثيقة أن تمرر الوثيقة الجديدة دون أي حالة انشقاقات داخلية واستطاعت أن تغير من لغتها وخطابها السياسي الموجه للخارج وقيادات العمل السياسي الدولي ودون أن تفقد جزء من شعبيتها بل أن ماكينة التبرير الشعبية التمست لها الكثير من الأعذار في وثيقتها لكن بالتأكيد أن الشيطان يقيم مملكته في التفاصيل وان النزول للواقع العملي اذا كانت حماس جادة فعليا بالتحول لما أوردته في الوثيقة سوف يحدث لها كثير من الإشكاليات والتشابكات المعقدة التي تحتاج الكثير من العمل لتكيف نفسها داخليا وخارجيا مع الوثيقة الجديدة وما انطوت عليه من تحولات .

Odat.mohammad@gmail.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى