التلفزيون الوطني مع المحبة / د.رياض ياسين

التلفزيون الوطني مع المحبة

يُعدّ التلفزيون مفتاحا للدخول الى بوابة اي مجتمع ومدخلا للتعرف على أي لغة وثقافة في العالم،فهذه الوسيلة كانت على مدى اكثر من اربعة عقود في النصف الثاني من القرن العشرين هي الاكثر تأثيرا وقيمة في وسائل الاتصال الجماهيري، وباتت الان ذات اهمية اكبر نظرا لأن وسائل اخرى في عصر التكنولوجيا الرقمية باتت تعتمد على محتوياتها ،فالحاسوب المرتبط بالشبكة العنكبوتية أعطى البث التلفزيوني قيمة أكبر من حيث انه اتاح له التكرار والسرعة في البث والحضور الدائم وباكثر من لغة وفي أي مكان بالعالم دون ان يكون مرتبطا على قمر صناعي محدد،فبإمكانك التواصل مع اي برامج تلفزيونية عبر الشبكة العنكبوتية وباي وقت ومكان تشاء في العالم.

في عالم يتخبط بالسياسة ليس بالضرورة ان تكون فيه مهمة التلفزيونات الوطنية سياسية صرفة، وإن كانت بعضها خاصة القنوات الفضائية لها هذا الطابع،اما الموضوع هو مانسميه التلفزيونات الوطنية إذا جاز التعبير،والتي هي في ظل الانفتاح والثورة الهائلة غارقة في حيرة من امرها بالنسبة لهويتها واحيانا توجهاتها وماهيتها،فالكل يعلم بان التلفزيون الوطني لايمكن ان يكون الا (مُوجّها)،وقد يتساءل البعض ولم لا، لطالما هو تلفزيون رسمي له طابع حكومي؟ ربما لاتكون هذه نقطة الخلاف،بل ما يمكن أن نشتبك معه في هذا السياق هو ان هذه التلفزيونات تغرق في كلاسيكية من الصورة والوجوه والاسماء والطروحات والرؤى في برامجها على نحو يدفع المشاهد دوما للسأم من مشاهدتها والبحث عن سواها،وهذا معناه أن التلفزيونات الوطنية باتت عبأً ليس فقط على المواطن بل على الدولة ايضا والحكومة لأن هذه التلفزيونات في كثير من اللحظات الحاسمة والمواقف الصعبة التي تهم هذه الدولة ومواطنيها تكون عاجزة عن إقناع مواطنيها بخطاب عبر هذا التلفزيون الذي فقد مصداقيته نتيجة تخبط ودوران في حلقة مفرغة ليس لها اول من أخر وانا هنا لا اتحدث عن تلفزيون بعينه بل عن كل التلفزيونات ذات الطابع الرسمي.

وسأسمح لنفسي كمواطن اشاهد تلفزيوننا الاردني الذي تربطنا به عشرة عمر، ان أسجل بعض الملاحظات مفترضا حسن النية ونبل المقصد،وانا على يقين بان مجلس إدارة التلفزيون الحالية لديه رؤية متميزة وخبرة ومراس في العمل الاعلامي سيمكنه من الارتقاء بتلفزيوننا الوطني الى الامام دائما، من بين الملاحظات ان التلفزيون لايسعى الى البحث عن ابناء الاردن المتميزين والمبدعين فيظهرهم امام العالم،وكثيرا ما نراهم عبر شاشات اخرى خاصة وداخلية واحيانا خارجية،وربما يأتي التلفزيون متأخرا في التواصل مع نماذج وطنية حظيت باهتمام وسبق تلفزيونات اخرى.
كذلك يتحمل التلفزيون بعضا من المسؤولية حول التعريف بالوطن تاريخه وكيانه ومكوناته، ومن الأمثلة أن هناك اماكن ومواقع أردنية نجهلها نحن الاردنيين وانا على يقين انه إذا اجريت بعض الاستبانات لطلبة جامعيين مثلا ستكون النتيجة غير مطمئنة،وقد يقول البعض هذا ليس مسؤولية التلفزيون وحده،هذا صحيح ولكن من يستطيع تصوير هذه الاماكن وعرضها، وانوه هنا ببرنامج يوم الجمعة يسعد صباحك الذي اثار الانتباه الى مكونات المكان الاردني رغم ان الفسحة لم تكن كافية. كذلك هناك شخصيات أردنية تاريخية لعبت دورا كبيرا في حياتنا هي غائبة عن خطاب تلفزيوننا أو مغيّبة،وكم كنت حزينا عندما كانت برامج المسابقات في رمضان على تلفزيوننا توجه الاسئلة لشخصيات عربية وعالمية في كثير من الاحيان على حساب الشخصيات الوطنية الاردنية،كذلك هناك شخصيات مازالت تعطي الكثير واحيانا قد لانعلم عن الفاعلين من ابنائنا الا عند إعلان خبر نعيه في الصحف المحلية او الكتابة عنه فنتفاجأ بتميزه ودوره وخدمته لوطنه وامته،وهنا لطالما اثيرت مثلا مسالة تكريم الناس في حيواتهم ليروا ثمرة عطائهم فيما تفانوا فيه وأحبوه.

كما أنوه الى ان حصة البرامج الثقافية والتاريخية المشوقة والهادفة قليلة حد الندرة كذلك بالنسبة للبرامج العلمية والطبية،والثقافة بالمعنى الذي أتحدث عنه ليس فقط من يكتب قصة أو ينظم شعرا الخ مع اهمية هذا النتاج في سياق تعريف الثقافة،غير ان التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي لايحظى باي اهتمام رغم انه أساس اي ثقافة وطنية والتلفزيون الوطني من اولى اولوياته الاهتمام بهذا المجال،وعندما لايكون متاحا مثلا التعريف بمكونات ومكنونات التراث الثقافي المادي وغير المادي نكون قد قفزنا على جزء مهم من رسالتنا وغرقنا في تيارات وإفرازات لأخرين قد لاتخدم خصوصية ثقافتنا المحلية وتجعلنا اقرب الى الاغتراب والاستلاب الثقافي أكثر من اي وقت مضى،وهنا اشير فقط الى أن ثمة مؤسسات وطنية أردنية وشخصيات تعمل بنشاط وتميز يمكنها مساعدة التلفزيون في حال نهج نهجا للإفادة منها وخبراتها ورؤاها.

كذلك هناك نمطية غريبة جدا حد الملل من نشرات الأخبار غير المتقنة شكلا ومضمونا، فالمتابع يكاد لايجد جديدا أكثر ممايراه من المواقع والأخبار التي تنتقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي،ناهيك عن الاخطاء الغير مقصودة لكنها قاتلة.

التلفزيون مع ربط الأقمار الصناعية ووجود الشاشة التلفزيونية يعد ميزة اعلامية يفترض ان يتم استغلالها،وكذلك لا يوجد هناك من يقوم بتحرير النشرات الإخبارية بصورة متمايزة بحيث يقدم لك معلومة مهنية بأسلوب إعلامي رصين ولغة بمستوى يجعلك تقتنع بقيمة الخبر وأهميته، وانا لا اريد عقد المقارنات في هذا المجال فالكل لديه الحس والوعي الذي يجعله يجد التمايز والتفاضل.

كما يلفت النظر احيانا بعض البرامج التي قد يسيطر عليها بعض الاسماء من عائلة واحدة، وهذا قديم جديد في تلفزيوننا الحبيب،فقد غابت عبر سنوات طويلة آليات التعيين وكانت غالبيتها بالواسطة والشخصنة والوراثة، حيث لم يكن التلفزيون يخضع في الماضي لرقابة ومرجعية خاصة بعد ألغاء وزارة الإعلام ،فكانت التعيينات لجيران التلفزيون والثقل الإجتماعي المحيط بنطقة الإذاعة والتلفزيون بالاضافة الى نفوذ أصحاب النفوذ الذين زجّوا بمن أرادوا في هذه المؤسسة التي من المفترض ان تكون اهم مؤسسة وطنية واكثرها فائدة للدولة.

للإنصاف نقول هناك تنوع في بعض البرامج وهناك طروحات جيدة في العديد من البرامج، لكن الملاحظة ان هناك ضيقا في أفق بعض من يعدون ويقدمون بعض البرامج خاصة عندما لايبحثون تماما ويعدون بصورة جيدة وكافية برامجهم فيستسهلون استضافة من تعودوا عليهم ارتجالا حتى لو كانوا غير متخصصين في موضوعات معينة ودون وجود الية واضحة،وهناك بعض البرامج صارت بالعامية مقاولة لبعض المحظوظين،بالمقابل هناك المئات وربما الالوف من الاردنيين يمكنهم ان يقدموا بكفاية ما يفيد المشهد الوطني،هؤلاء يعتبرون انه يمكن لهم أن يستضافوا في تلفزيونات وفضائيات عربية بصورة أكثر سلاسة ومنطقية من دخولهم واستضافتهم داخل التلفزيون الاردني ظنا منهم انهم لم يجدوا من يحرص على البحث عنهم، كل الحب والتوفيق لكل العاملين في تلفزيوننا العزيز والى الامام آملين التغيير.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى