لا عندنا بنية تحتية ولا فوقية / د. حسام العودات

لا عندنا بنية تحتية ولا فوقية

عندما لا يجد تلفازنا ما يتباهى به من إنجازات حكومية , يأخذنا في أغنية من عصر خوفو وخفرع , لنرى محطة الأقمار الصناعية في البقعة , او عمارة بنك الاسكان وقد أطلت من نوافذها نباتات تسقى بماء المكيفات ، وها أنا أعود لدفاتري القديمة كلما أحسست بالإفلاس الكتابي .
بقية المنشور مناسبة فقط للعاملين في القطاع الصحي

أيها الطبيب العليل

أيها القابض على جمر الدوام , اسموك طبيبا بعد أن أعييّت محفظة أبيك وأخيك وذويك .
قبابا من الكتب قد حمّلوك , وها هو أبقراط قد أقسم أن تبقى أجفانك تتوسل النوم على مر الأيام
ألبسوك ثوبا يوقد الأمل في نفوس المرضى , لكنه كفن لحياتك مع الزوجة والأبناء
أقداحك من سهر ومن عرق الأجساد , وها قد سقط الثلج على شعرك قبل الأوان .
أيها العابث بالمرض وميكروباته , قدرك أن تتسارع دقات فؤادك كلما رنّ هاتف أو سمعت أزيرا لسيارة اسعاف . حتى عندما تترجّل من دوامك كمن يسوقوه الى المقصلة , تخاف من رنّة الهاتف حين ترى سيارة اسعاف في التلفاز .
أحلامك وصفات وآهات وأنين مرضى , وكوابيسك حادث ومشاجرة أو تسمم غذائي , ويزاحمك على الوسادة تحليل دم لمكلوم , أو تخطيط قلب لفؤاد قد يبست في عروقه الحياة .
في طريقك للسوق والصالة والعزاء ألف سائل عن داء ودواء .
أحاديثك سيرة مرضى وراحلين , وأمل لأجساد تخاف قسوة الخريف القادم من العمر الهزيل .
أعيادك مناوبات , وفرح اطفالك فطرة من وقت ينازعك فيه جدول الدوام .
كل الحروف ولسان العرب ومعجم المحيط يشكون أقلامك حين تخطّ شهادة وفاة , لكنهم قلّما يشكروك حين يشفى سقيم .
تغفو والحبر ما زال يعانق الأنامل , وغيرك يغفو وبين يديه ريموت , أو جدائل حسناء أعيت رواية في بيان وصفها .
جيبك مخزوق في شبابك , وعندما يصاب رصيدك بالتخمة , فأنت وقتها لا تسمع ولا تشم ولا تذوق , وماذا ينفع المال وقت مراسم زفافك للآخرة أيها المأسوف على راحتك وحياتك ومماتك ؟؟!!!!
أنت حلم لكل فتاة تراك فخرا , ومحفظة , ودفتر شيكات لا يبالي بالأصفار , وحين تدرك انك لن تغتني قبل سن الخمسين , سيتحوّل دلع أيام الخطوبة الى غضب يتأجج في المقل , وستجد حينها انّ الهرب لا يكون الا في الهجرة الى زحل .
لسنا سببا للحياة ولا الفناء , فارحموا جهلنا ايها الشعب المكافح , ولو ملكنا قارورة الخلود وإكسير الشباب لكنا أول المستفيدين , وها نحن نموت قبلكم أيها الموعودون بأقراط الخلد .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى