لماذا نجحت إسرائيل مع حزب الله.. وفشلت مع السنوار؟!

#سواليف

كتب .. عادل صبري

ماذا يجعل قائد حركة #حماس #يحيى_السنوار ورجاله على قيد الحياة، بعد 352 يومًا من #حرب إسرائيلية وحشية على #غزة وسط قصف #الصواريخ والطائرات والدبابات على مدار الساعة، بينما استطاعت إسرائيل أن تقتل العشرات وتفتك بالآلاف من قادة #حزب_الله بضربتين من “كبسة زر”، وتضع عواصم عربية والمنطقة على حافة حرب غير مسبوقة؟!

السؤال مطروح على ألسنة العامة، ممن هالهم أن تتمكن إسرائيل من ارتكاب أول #مجزرة_جماعية أدارتها عبر حرب سيبرانية خاطفة.
أحدث انفجار 4 آلاف نداء آلي، يوم الثلاثاء 17 من سبتمبر/أيلول، أعقبه تفجير أجهزة لاسلكية محمولة في اليوم التالي، صدمة بين أنصار حزب الله، وحمل إنذارًا شديد الخطورة لقادة جيوش وأنظمة الأمن العربية، شبّهها البعض بصدمة “طوفان الأقصى” التي جدعت أنف جيش الاحتلال وكسرت شوكة أجهزة مخابراته الذائعة الصيت، التي فشلت تمامًا في توقع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مقالات ذات صلة

قواعد اللعبة

لا شك أن تمكّن إسرائيل من زرع مادة “سي فور” شديدة الانفجار بأجهزة النداء الآلي واللاسلكية، وإرسالها ضمن طلبية، تقدم بشرائها مسؤولو حزب الله، في إبريل/نيسان الماضي، من مصانع شركة “غولد أبولو” في تايوان، تمّت عبر طرف تابع لها بدولة المجر “إيه بي سي كونسلتنج” عملية معقدة ومتطورة، ولكنها غير مبتكرة.

سارت العملية على قواعد اللعبة نفسها التي استخدمتها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ الانتفاضة الثانية، باغتيال مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين وكل من استشهد من قادة الحركة والناشطين السياسيين.

زرعت إسرائيل متفجرات في هواتف، تجعلها قابلة للانفجار بمجرد فتحها، أو رد صاحب بصمة الصوت المطلوب قتله، وإصدار تردد طيفي يمكّن الطائرات المسيّرة من التتبع وإطلاق صاروخ يعمل بالليزر، يغتال الخصم ومن حوله.

استخدمت إسرائيل العملية ذاتها لاغتيال قادة بحزب الله في مكاتبهم وبيوتهم، وتخريب منشآته.

رغم عدم إفصاح إسرائيل عن دورها رسميًّا باغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، ودورها المشبوه بإسقاط طائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، فإنها لم تتورع عن إعلان مسؤوليتها عن الهجوم السيبراني على منشأة تخصيب اليورانيوم، بما شل المعدات لأشهر، فأعادت قدرات إيران النووية 5 سنوات إلى الوراء.

تتولى إسرائيل -نيابة عن الولايات المتحدة- قتل العلماء الإيرانيين المتخصصين في الطاقة النووية، وتكوين شبكة من العملاء المحللين، لمساعدتهما في المهام القذرة، بينما تفاخر واشنطن باستخدامها التكنولوجيا نفسها في ملاحقة من ترغب بقتله، باستخدام الطائرات المسيّرة، بقرار منفرد وأحيانًا بتنسيق مع الأنظمة الحاكمة.

العجل المقدس

يظل يحيى السنوار حرًّا طليقًا، وإن كان داخل أنفاق عميقة في غزة، التي جرفت إسرائيل بيوتها ومنشآتها، دون أن تعثر على أثر يدلها على وجوده مع 100 أسير ما زالوا في حوزته، يساعدها في البحث عنهم 7 دول لديها أعتى أجهزة المخابرات والقوات العسكرية وأقمار صناعية وعملاء على الأرض، بقيادة وتمويل مادي ونوعي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا.

حرية “السنوار” ورفاقه ترتكز على تجارب عميقة، مع احتلال تحولت التكنولوجيا بالنسبة إليه إلى “عجل مقدس” يروجون له كالمسيح المخلّص، الذي سيمكنهم من سحق أعدائهم، عبر حروب سيبرانية خاطفة، تحقق لهم النصر بدون خوض معارك مباشرة تُلحق بهم خسائر في البشر، لتظل أيقونة تحالف يضم 21 دولة، بفيلق القيادة الوسطي للقوات الأمريكية، المكلفة بالسيطرة على الوضع الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط.

تعلّم “السنوار” الدرس مبكرًا، بأن امتلاك إسرائيل قدرات تكنولوجية هائلة، وشبكة اتصالات عميقة بشركات تصنيع المعدات وبرامج التشغيل لأجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، جعل لها بصمة قوية في إدارة الصراع المستقبلي، بالمنطقة وحول العالم.

تحتضن مصانع “إنتل” و”دل” ومايكروسوفت الأمريكية، وشركة “لونوفو” الصينية ووسيط صناعي وتجاري لشركات الذكاء الصناعي التخليقي، بما يمكّنها من بيع أو سرقة التكنولوجيا الغربية لصالح الصين وغيرها، والتعاون مع روسيا وخصومها في الوقت ذاته.

تربُّص إسرائيل الدائم بالفلسطينيين علّمهم الحذر، والعودة إلى إدارة المعارك باستخدام الطرق القديمة، حيث التواصل المباشر بين الجنود والقائد، والكتابة باليد، والهواتف الميدانية ذات الطرفين، بدلًا من الاعتماد على تكنولوجيا لا يمكنهم الفكاك من خطورتها، لتبعيتها الكاملة لإسرائيل.

زوبعة الجواسيس

في عصر “إنترنت الأشياء” أصبحت إسرائيل من الكيانات القليلة القادرة على الولوج إلى شبكات الاتصالات الدولية، والتحكم في المعدات الإلكترونية بالمصانع ومحطات الطاقة والمياه والسيارات، والأدوات المنزلية كالثلاجات والمكيفات، وكذلك العسكرية وإدارة الذخائر الموجهة للقتل، التي تعمل عن بُعد، بتقنية “إنترنت الأشياء”، عبر قوات إسرائيلية خاصة المعروفة بوحدة 8200، التي تعادل وحدة الأمن القومي الأمريكي.

أثارت المجموعة زوبعة، بعد نشر تحقيقات عن تعاقد عدد من الدول العربية في الأعوام الأخيرة، على استخدام برنامجها “بيجاسوس” للتجسس على المعارضين، والقبض على زعامات سياسية شهيرة.

تعمدت إسرائيل الدعاية عن أعمال المجموعة، رغم اعتراف قائدها بفشله الأمني يوم السابع من أكتوبر 2023 على يد حماس، واستقالته مطلع الشهر الجاري، بما دفع حسن نصر الله قبيل الانفجارات الأخيرة، إلى مطالبة جنوده بتجنب الهواتف المحمولة، والاعتماد على التواصل عبر شبكات اللاسلكي، المخترعة قبيل نهاية القرن الماضي.

عباقرة الجاسوسية

لم ينتبه كثيرون إلى خطورة المجموعة، رغم توسع الإعلام الدولي الداعم لإسرائيل بالترويج عن أفعالها المشبوهة، ظهر آخرها في الأول من سبتمبر بصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

تبيّن “وول ستريت” أن الجيش الإسرائيلي أصبح خط إنتاج المواهب الرفيعة في وادي السيليكون، بوابة التكنولوجيا للعالم، بما يملكه من قدرة على تجنيد عباقرة التكنولوجيا في مرحلة مبكرة تبدأ بالمدرسة الابتدائية، لتعليم الجنود تقنيات الأمن السيبراني العملية، وأحدث طرق المراقبة، وتشجيع مجنديها الذين ينتمون إلى أعراق ولغات مختلفة على نقد رؤسائهم ومعالجة المشكلات المعقدة والمفاجئة بطرق ابتكارية وفورية، والعمل تحت الضغوط الشديدة طوال الوقت.

يحتفظ جيش الاحتلال بالخريجين الأفذاذ من بين 8200 خريج بكل فصل دراسي، ويدفع بالآخرين لتكوين شركات استثمار تعمل في الداخل والخارج، يطلق عليها اسم “القاعدة العسكرية للوحدة خارج تل أبيب”، بما يضمن بقاء الخريجين على تواصل دائم بالمخابرات، وتحولهم إلى شركات مصنعة وسماسرة بالأسواق الدولية، تساعد في إدارة حرب سلاسل التوريد، مثل الشركة الوهمية التي نفذت انفجارات بيروت، وما تطلبه المخابرات وقت الحاجة.

تدير المجموعة شركات بقيمة 160 مليار دولار مدرجة في بورصة نيويورك وتل أبيب، وحجم تعاملات بالأمن السيبراني بقيمة 23 مليار دولار. تعمل بعض الشركات في دبي، وتورد معدات إلى مصر والأردن والبحرين والمغرب رسميًّا، وتتغاضى عن الإشارة إلى إسرائيل بالدول الرافضة للتطبيع، لأن ما يهمها الوجود بمعداتها وبرامجها بين خصوم إسرائيل قبل أصدقائها.

في علم المخابرات، تُعَد تفجيرات أجهزة اتصالات حزب الله عبقرية، لكنها لفتت أنظار أصدقاء إسرائيل قبل أعدائها إلى خطورة الثقة بالتعاون مع شركات تابعة لدولة الكيان، يمكنها وضع مواد قاتلة أو مسمومة في المنتجات التي توردها للأسواق، واستخدامها عسكريًّا عند اللحظة المناسبة.

الابتعاد عن التكنولوجيا يظل مأمنًا أثناء الحروب، لجماعة سياسية صغيرة مثل حماس، لكن الأحداث تتطلب من الدول مراجعة صفقات التطبيع، وتتبُّع البنية الأساسية للشركات والاتفاقيات التي قامت عليها، وخلق البديل المحلي، حتى لا نجد أنفسنا يومًا ضحية تفجيرات صديقة قاتلة.

المصدر
الجزيرة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى