إمامُ الرئيس / ميس داغر

إمامُ الرئيس
بعد شيوع صيت جهل وفساد حاشيته، أوعزَ أحد الرؤساء العرب إلى إمام مسجده بالنزول إلى الأسواق لمخالطة الناس. وهدف الرئيس في هذا ردّ اعتبار الشعب للعلم الوفير والسلوك العفيف لحاشيته.
في أوّل نزولٍ له، أوقف إمامُ الرئيس حافلةً عموميةً كي يستقلها مثلما يفعل عامّة الشعب. ولمّا تقدّم فيها برجله اليمنى إذا به يسمع صوت نجوى كرم يصدح في الحافلة” أنا لاشحد حبّك من عند الله شحادة.. أنا لاعبد حبّك من بعد الله عبادة”.. فبدأ يلعنُ السامع والمسموع.
عندما ركب واستوى في جلسته، إذا به يتفاجأ بشاشة عرض صغيرة مثبّتة في سقف الحافلة، بمجرد أن نظر إليها حصل ارتطام عنيف وشجيّ بين بصره وصورة نجوى كرم في الشاشة، أعقبه التصاقهما على نحوٍ يعجز مشرط الجرّاح عن فصله.
استطاع ركّابُ الحافلة التعرّف على إمام الرئيس بمجرد أن رأوه. فشرعوا يستفتونه في أوضاعهم المعيشية التي تتفاقم سوءاً يوماً بعد الآخر. لكنّ الإمام بقي صامتاً مبخوعاً أمام تساؤلاتهم، فقد كان وعيه ولاوعيه معلّقين في نجوى كرم، التي كانت لا تزال تشحذ وتعبد.
لمّا انتبه ركّابُ الحافلة إلى هالة السكون العجيب التي تغلّفَ بها الإمام منذ لحظة جلوسه في الحافلة، هتف أحدهم به صائحا: لم تخبرنا رأيك في سوء أحوالنا يا شيخ!
فجَفلَ الإمام، الذي كان الوجدُ لحظتها قد بلغ مداه بفؤاده فمحاه، وزفَرَ نفَسَاً تَعِباً مثلما يفعلُ وليٌّ أشجى قلبه التفكّرُ في مآلات العباد، ثمّ أجاب بتذلّل: رَأيي أنّ واحدةً مثلُ هذِهِ، حَرامٌ والله في حَقّها الشِحاذة.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى